أنا أضع أموالي في البنك ولا آخذ الفائدة ، وإنما أتبرَّع بها في جهات الخير ؛ فهل يجوز ذلك ؟ وكلمة حول الربا وخطورتها . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
أنا أضع أموالي في البنك ولا آخذ الفائدة ، وإنما أتبرَّع بها في جهات الخير ؛ فهل يجوز ذلك ؟ وكلمة حول الربا وخطورتها .
A-
A=
A+
الشيخ : سؤال يقول : أنا أضع المال في البنك مع فائدة ، لكن أنا لا أستفيد من هذه الفائدة ، وإنما أقوم بالتبرُّع بها إلى جهات خير ؛ فهل يجوز ذلك ؟ وماذا ... ؟

أقول : الذي ننصح دائمًا وأبدًا في بلاد الإسلام وفي بلاد الكفر أنه لا يجوز للمسلم أن يُودِعَ ماله في البنك ، وهذه مسألة أعرف أنها قد تُشكل على بعض المسلمين ، ولكن الحقَّ أحقُّ أن يُقال وأحقُّ أن يُتَّبع ؛ لأن المسلم ليس مجرَّد دعوى لا يظهر أثرها في شخص المسلم ، المسلم مبتلى ؛ أي : مكلَّف بأحكام ليختبرَ اللهُ - عز وجل - بها عباده : (( الم * أَحَسِبَ النَّاسُ [ أَنْ يُتْرَكُوا ] أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ )) ، فهذا الاختبار يجب أن يضَعَه كلُّ مسلم بين عينيه ، من هذا الاختبار أنَّ المسلم قد يكون عنده شيء من المال ، فيخشى عليه الضياع أو السرقة أو غير ذلك من العوارض ، فيجد لنفسه عذرًا في أن يُودعه في البنك محافظةً عليه ، هذا من الناحية الاقتصادية أمر جائز بل واجب ، ولكن الاقتصاد يجب أن يقوم في الإسلام على قواعد الإسلام ... لو كان هناك إسلام حاكم أو مسلم يحكم بالكتاب في بلاد الإسلام لم يكن هناك بنوك ، ولكن لمَّا تساهل المسلمون في التمسُّك بدينهم جاءتهم البنوك ؛ لأنها وجدت ... وجدت ناسًا من المسلمين يستجيزون إيداع أموالهم في البنوك ؛ ولذلك عمَّرت البنوك بأموال المسلمين أنفسهم ، وهم لا يعلمون أو يعلمون ويتجاهلون مبدأً عظيمًا من مبادئ الإسلام نصَّ عليه القرآن ، فقال : (( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ )) .

وفصَّل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وبيَّنَ هذه الآية كما هو شأنه في كثير من الآي فقال - مثلًا - : ( لَعَنَ اللهُ آكلَ الربا ، وموكلَه ، وكاتبَه ، وشاهدَيه ) ، ( لَعَنَ اللهُ آكلَ الربا ) واضح ؛ لأنه يأكل أموال الناس بالباطل ؛ فماذا المؤكل ؟ ( لَعَنَ الله آكل الربا وموكلَه ) ؛ ذلك لأنه لولاه لم يكن الآكل ، (( وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ )) ؛ لولا ... هذه لَمَا كان ... لذلك كان فالأمر منوط بكليهما معًا ؛ لذلك قال - عليه السلام - : ( لَعَنَ اللهُ آكلَ الربا وموكلَه ) ، وكذلك قال : ( وكاتبَه وشاهدَيه ) ، ( لَعَنَ ) هنا أربعة أجناس : الآكل ابتداءً ، ثم الأنواع الثلاثة من المؤكل والشاهد والكاتبين ؛ لأنهم تعاونوا مع المُطعِم على ما حرَّم الله - عز وجل - أشدَّ التحريم واعتبره من الكبائر ، قال - عليه السلام - : ( أكبر الكبائر الشرك بالله ، وعقوق الوالدين ، وشهادة الزور ) ، وجاء في حديث آخر : ( والربا ، والسحر ) ؛ فهذا الربا من أكبر الكبار ؛ لذلك لَعَنَ آكلَه والمعين له على أكله بدءًا من المُطعِم والكاتب والشاهدين .

إذًا المسلم حينما يكون على علم بمثل تلك الآية ومثل هذا الحديث الذي يفيد أنَّ أكلَ الربا من الكبائر ؛ لأن اللعن هو ... عليه صاحبه من الكبائر ؛ كذلك المُطعِم حينما يكون المسلم على علم بمثل هذه النصوص وليس يكفي العلم ، بل لا بد من أن يقترن مع العلم الإيمان ؛ فحينما يكون المؤمن المسلم على علم بمثل هذا الحديث وإيمان صادق به أنا لا أتصوَّر مسلمًا يُودع ماله في البنك إطلاقًا ، ولو أنه لا يستفيد من فائدة هذا المال كما جاء في السؤال ؛ لأنه عاوَنَ البنكَ القائم على معصية الله ورسوله ؛ فمن هذه النقطة يكفي أن تكون رادعةً له عن إيداع الناس في البنك ؛ فإننا نجد كثيرًا من المسلمين وبعض الكُتَّاب الإسلاميين لا يعرِّجون على النقطة هذه ، وإنما يأتون رأسًا إلى معالجة الفائدة ، وتختلف أنظارهم فيها ؛ فَمِن قائل أنه لا يجوز أن يأخذها ؛ لأنها ربا ، ومِن قائل أنه يأخذها ولا يستفيد فائدة تختصُّ به ، وإنما ينفِقُها على المصالح العامة .

أما أصل المسألة - وهو إيداع المال في البنك أنه معصية كبيرة - فهذا قليل من الناس مَن يدندن حوله ، والطائفة التي أشرتُ إليها التي تقول بأن هذه الفائدة أن يأخُذَها المودع للمال في البنك أولى من أن يدَعَها للبنك فيستفيدون منها ؛ لأن تركها لهم إعانة لهم ، فأقول أنا : سبحان الله ! الإعانة بدأت من ساعة أوْدَعَ هذا المودع ماله في البنك ؛ فلماذا لا ينظرون إلى هذه العلة من أول الأمر فيُقال للمسلم ويُنصح لا تودع مالك في البنك ؛ لأن هذا الإيداع ... لهذا البنك القائم على معصية الله ، وإنما يقولون هذه القولة حينما يأتي الاستفادة من الفائدة فيعلِّلون أنَّ تركَ هذه الفائدة للبنك فيه إعانة لهم ، لكن الإعانة بدأت من ساعة أُودِعَ هذا المال في البنك ؛ لذلك أنا أقول بعدما سمعتم من النصوص كتابًا وسنة : لا يجوز إيداع المال في البنك إطلاقًا ، وما يقال بمثل هذه المناسبة : يا أخي ، وين بدنا نروح بالمال ؟ إن تركناه في الدار ... وإن حملناه معنا - أيضًا - ربما ... عليه وعلى صاحبه وإلى غير ذلك من التعلَّات .

أقول : من المؤسف أسفًا شديدًا أن المسلمين اليوم يعيشون حياةً مادِّيَّة مطلقة ؛ كأنه لا فرق بينهم وبين أمثال هؤلاء الكفار الذين يعيشون هذا الوهم و ... ، المسلم يختلف عن الكافر في النواحي الإيمانية وإن كان بعض الكفار عندهم نواحي إيمانية ، ولكنها في الحقيقة هي كسراب بقيعة يحسبه الظَّمآن ماء ، أما المسلم فليس كذلك ، المسلم - مثلًا - عنده نصٌّ في القرآن الكريم : (( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ )) ، الكافر المؤمن فضلًا عن الملحد منهم ليس عندهم مثل هذا النَّصِّ إطلاقًا ، ولَئِن كان فهو لا يؤمن به كما يدل عليه حياتهم المادية المطلقة ، أما المسلم فالمفروض أن يكون مستحضرًا دائمًا وأبدًا لمثل هذا النَّصِّ ولو بمعناه على الأقل ، لكنه ليس من المكلَّف أن يحفظ كل مسلم آيات القرآن الكريم .

لذلك فأول ما نُجابه بهذه العلة الآنية ؛ أنُّو إذا ما وضعنا المال في البنك جرى عليه كذا وكذا ، أين إيمانك بالآية السابقة : (( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ )) ؟ الغرض أن هذه التعليلات التي ابتلى بها الشباب المسلم لا تتَّفق مع إيمانه في شيء أبدًا ، فيجب عليه أن يتذكَّر إيمانه وأن يحيا معه ، وألَّا يفصل بين إيمانه وبين حياته كما هو شأن الكفار الذين يعيشون حياتين متناقضتين .

وبهذه المناسبة ... أن أضرب لكم مثلًا كيف يعيش هؤلاء الكفار ، اجتمعت مرَّة مع رجل مبشِّر نصراني هناك في دمشق ، فجرى حديث في عقيدته وفي عقيدة المسلمين ، فبدأت أنا أذكر بما في الكتاب المقدس زعموا عندهم من متناقضات ، فقلت : إنه قد جاء في التوراة بأن الله - عز وجل - لما أخرج آدم من الجنة ، وأخرج - أيضًا - الحية التي تلبَّسَ إبليس بها فوسوس إلى آدم ، فكانت سبب خروج آدم من الجنة .

قال الله زعموا في التوراة لهذه الحية عقوبةً لها : " على بطنك تمشين ، ومن التراب تأكلين " . فقلت لهذا المبشِّر : هل تعتقد أن الحية تعيش على أكل التراب من الناحية العلمية ؟ قال : لا . قلت : كيف توفِّق بين الناحية العلمية التي تنفي هذا النَّصَّ وبين إيمانك بهذا النَّصِّ ؟ قال : كل شيء لحاله ، من الناحية الإيمانية نؤمن بأن الحية تعيش على التراب ، ومن الناحية العلمية نعتقد أن التراب لا يصلح طعامًا لها ، فلا يشعر هو من أيِّ غضاضة وبأيِّ تحرُّج وبأيِّ تناقض بين الإيمان بنصِّ التوراة وبين إيمانه بالعلم ... أهكذا يعيش المسلم ؟ المسلم يؤمن بأن الربا من أكبر الكبائر ؛ فكيف يُودع ماله في البنك ؟ لا يجوز أن يقول : أنا لا آخذ الربا ؛ لأنه يوكل الربا ؛ فيجب أن لا نفرِّق بين الآكل وبين المُطْعِم .

هذا ما أريد أن أذكِّر الآن هذا السَّائل وأمثاله ؛ لا يجوز إيداع المال في البنك إطلاقًا ، وإن سبق أن اغتَرَّ ببعض الفتاوى المرخِّصة لإيداع المال في البنك ، ثم أراد أن يتوب ؛ فليتذكَّر قول الله - تعالى - : (( وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ )) .

لا نعود من القول إيش ؟ ... صاحب البنك ح يستفيد من هذا المال ، ينفلق ، شو بدك فيه ؟ أنت لست مسؤولًا عنه ، أنت انْجُ بنفسك ، (( بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ )) ، (( أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى * أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى )) .

السائل : ... .

مواضيع متعلقة