شرح الخصلة الرابعة المبيحة للغيبة وهو المجاهر بالفسق ، وذكر الدليل عليها . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
شرح الخصلة الرابعة المبيحة للغيبة وهو المجاهر بالفسق ، وذكر الدليل عليها .
A-
A=
A+
الشيخ : ثم قال : " ومجاهرٍ فسقًا " ، المعلن فسقَه وفجوره وعصيانه لله - تبارك وتعالى - لا يبالي في ذلك إطلاقًا ، وهذا فرق بين مَن يعصي الله ويتستَّر بمعصيته ؛ فهذا لا يجوز استغابته ، هذا داخل في المبدأ العام : ( ذكرُك أخاك بما يكره ) ، أما الذي يعلن فسقَه وفجورَه ، بل وقد يفتخر بذلك ولا يبالي بالناس أيَّ مبالاة ؛ فهذا لا غيبة له ، فهذا كما قال - عليه السلام - في الحديث الصحيح : ( كلُّ أمتي معافى إلا المجاهرين ) . قالوا : مَن هم يا رسول الله ؟ قال : ( هم - أو هو - الذي يبيت يعصي الله - عز وجل - ثم يصبح فيحدِّث الناس بما فعل ، فيكشف ستر الله عنه ) ، ( كل أمتي معافى ) يعني ربنا - عز وجل - يعافي المبتَلين بالمعاصي المتستِّرين بها ما لا يعافي الجاهرين بها ؛ لا سيما إذا اقترن مع الجهر المباهاة والمفاخرة ، فهذا تأثيره أشد بكثير ؛ يعني الجهر بالمعصية أشد تأثيرًا من المعصية التي يُكتَتَم بها ، والتفاخر بالمعصية أشد تأثيرًا وأشد إضرارًا للآخرين من الذي يجهر بها فقط ولا يتفاخر بها ، فهذا الذي يفسق ويخرج عن طاعة الله - عز وجل - علنًا لا يخشى الله ولا يستحي من عباد الله ، فهذا ليس له غيبة .

ولا أستدل على هذا بما هو مشهور في بعض كتب الرقائق والتصوُّف مما يُعزى إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا يصح ؛ كقولهم : " ليس لفاسق غيبة " ، وقولهم : " أترعون " يقولون عن الرسول - عليه السلام - ، " أترعون عن ذكر الفاجر بما فيه ؟! اذكروا الفاجر بما فيه يحذره الناس " .

هذا الحديث وذاك من جملة الأمثلة الكثيرة التي تجعل علماء الحديث يقولون : لا ينبغي النظر إلى الحديث تصحيحًا من زاوية معناه ، فإذا كان معناه صحيحًا فيكون الحديث صحيحًا ؛ بمعنى يكون الرسول - عليه السلام - قد قاله ؟ الجواب : لا ، لا يلزم من صحة المعنى صحة المبنى صحة تركيب الجملة ، وأن الرسول - عليه السلام - هكذا قالها ؛ لا تلازم بين الأمرين أبدًا ، وإلا لم يكن هناك حكماء ، لم يكن هناك علماء يتكلمون بالكلام الحسن وبالحِكَم ؛ مع أن هذا موجود بطبيعة الحال ، فالحِكَم التي تصدر من علماء مستقاة بلا شك من الكتاب والسنة ، لكن ألفاظها وتركيب جملها لن تصدر من الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - ؛ لذلك لا يجوز أن يُنسبَ كلُّ كلام جميل أو صحيح في نفسه إلى الرسول - عليه السلام - ؛ لأننا نعلم يقينًا أن الناس لا يزالون ينطقون بالحكمة ، وندري أن الرسول - عليه السلام - وإن كان هو ربُّ الحكمة ولكنه لم يتكلَّم بكل شيء بمثل هذه الجمل التي وردت إلينا .

أريد أن أقول : " ليس لفاسقٍ غيبة " هذا صحيح ؛ أي : معناه لكن ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - . كذلك في الحديث الثاني وهو أبدع في التعبير قال : " أترعون - أتتورَّعون - عن ذكر الفاجر بما فيه ؟! " . الحقيقة أنا لسان حالي الآن هو تحذير الناس من أن يقعوا في مثل هذا التورُّع البارد ، رجل عاثَ في الأرض فسادًا فسقًا وفجورًا جهرًا وعلنًا ؛ هذا بقى من الورع أن يُقال : لا ، لا تستغيبه ؟! لا ، فهذا المعنى صحيح ، لكن المبنى - أي : الجملة - ما صحت نسبته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - . قالوا : " أترعون عن ذكر الفاجر بما فيه ؟! " استفهام استنكاري ، لا تتورَّعوا هذا التورُّع البارد ، " اذكروا الفاجر بما فيه يحذره الناس " ، صحيح ؛ الغاية من ذكر الفاجر الفاسق المعلن بفسقه وفجوره هو تحذير الناس منه .

أقول : لا أستدل على هذا النوع الرابع - وهو المجاهر فسقًا - ؛ لا أستدل على استثنائه من الغيبة المحرمة بحديث : " ليس لفاسق غيبة " ، والحديث الآخر : " أترعون عن ذكر الفاجر بما فيه ؟! اذكروا الفاجر بما فيه يحذر الناس " ، وإنما كما أقول دائمًا وأبدًا فيما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يغني العالم الفقيه عمَّا لم يصح عنه ؛ فهناك في " صحيح البخاري " وغيره من حديث السيدة عائشة - رضي الله عنها - أن رجلًا استأذن في الدخول على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال - عليه السلام - : ( ائذنوا له ، بئسَ أخو العشيرة هو ) .

الشاهد هنا : هَيْ استغابة ؛ لأنه ذمَّه شرَّ مذمة ، ( بئس أخو العشيرة هو ) ، فلما دخل الرجل هشَّ إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبشَّ ، وجلس ما جلس ، وتحدَّث ما تحدث ، ثم انصرف الرجل ، وكانت تراقب الموضوع السيدة عائشة الصديقة بنت الصديق - رضي الله عنهما - ، فاسترعى انتباهَها قولُ الرسول - عليه السلام - في الأول حينما استأذن الرجل : ( بئسَ أخو العشيرة هو ) ، وحينما جلس معه إذا به يهاشِشُه ويباشِشُه ؛ ولذلك قالت : يا رسول الله . كأنها تريد أن تستنبط من الرسول - عليه السلام - شيئًا خَفِيَ عليها ؛ كيف قلت : ( بئس أخو العشيرة هو ) ثم هششْتَ إليه وبششْتَ ؟ فأجابها بقوله - عليه السلام - : ( يا عائشة ، إن شرَّ الناس عند الله - تبارك وتعالى - منزلةً يوم القيامة من يتَّقيهم الناس مخافة شرِّهم ) . قال شرَّاح الحديث : إن هذا الرجل كان رئيس قبيلة ... .

... شاب صالح ، فأيضًا ... لبعض الناس أن يتحدث إليه إلى هذا الشاب الصالح بأنُّو فلان عنده فلانة ، أو هو نفسه ما فيه مانع أبدًا هو نفسه يتحدَّث مع الرجل مباشرةً يقول : أنا عندي فلانة ، فإذا تريد أقدِّم لك إياها زوجة لك . هذا ليس هناك مانع إطلاقًا ؛ سواء من الرجل أو من المرأة ، لكن ليس هناك ما يُجيز أن تتولَّى المرأة الذهاب إلى الرجل نفسه وتتحدَّث معه بهذا الموضوع ، فإن هذا أمر فيه حساسية ، ولم يكن لأحد هذا الشأن إلا لنبيِّنا - عليه الصلاة والسلام - ؛ حيث أن الله - عز وجل - أحلَّ له ما شاء من النساء ؛ ولذلك كانت تأتيه المرأة تعرض نفسها عليه ، ثم لا يرضاها لأمرٍ ما ، فيقوم بعض الناس ويقول : يا رسول الله ، زوِّجنيها ، وهكذا وقع ، وهذا صار يعني في زمن الرسول - عليه السلام - ، فقال له : ( زوَّجتُكها بما معك من القرآن ) قصة طويلة معروفة .

الخلاصة : ما سبق أن ذكرنا قول الرسول - عليه السلام - لتلك المرأة ودلالته لها على أسامة فهذا مجرَّد دلالة فقط أنُّو فلان رجل صالح ... عليها البقية .

غيره ؟

مواضيع متعلقة