شرح الخصلة الثالثة المبيحة للغيبة وهو المحذِّر ، وذكر الدليل عليها . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
شرح الخصلة الثالثة المبيحة للغيبة وهو المحذِّر ، وذكر الدليل عليها .
A-
A=
A+
الشيخ : أما الثالث فهو المحذِّر ، " متظلِّم ومعرِّف ومحذِّر " ، التحذير هذا أمر خطير جدًّا ، وهذا ينبغي أن نتخلَّق نحن بهذا الخلق ولا ندَعَ الناس كما يروي بعض الغافلين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( دعوا الناس في غَفَلَاتها ) ، لفَّقوا حديثًا الجزء الأول من كلامه والكلمة الأخيرة من كلامهم الباطل قوله - عليه السلام - : ( دعوا الناس ) كلام ثابت في " صحيح مسلم " ، ولكن تمامه ليس له علاقة بتلك اللفظة التي ألصَقَها بالحديث الصحيح إما جاهل أو مغرض ، تمام الحديث في " صحيح مسلم " : ( دعوا الناس يرزقُ الله بعضهم من بعض ) ، وهذا له علاقة بالسماسرة الذين يخرجون عادةً قديمًا ، وربما يكون شيء من هذا حتى اليوم لأنني لستُ تاجرًا ، قديمًا كان يخرج الرجل فيتلقَّى البدو اللي يأتون بالخيرات بالسمن بالزبدة بالحليب القشطة إلى آخره من البلد من خارج البلد ، فيضع لهم السعر الذي يرضاه هو ، ففي مثل هذا قال - عليه الصلاة والسلام - : ( دَعُوا الناس يرزق الله بعضَهم من بعض ) ؛ يعني يدخلوا السوق ويبيعوا كما ييسِّر الله - عز وجل - ، فجاء بعض الجاهلين أو المغرضين كما قلنا فحذف تمام الحديث ونصبَ مكانها كلمةً وهي : ( غفلاتها ) ، ( دعوا الناس في غَفَلَاتها ) .

وما كنت أظن أن مثل هذا الحديث ينطلي على فقيه ، قد ينطلي أن يكون حديثًا غير صحيح ، أما ينطلي عليه معناه ويتأثَّر به - وهنا الشاهد - ما كنت أظن هذا حتى سمعت بأذني وأنا في أول طلبي للعلم ، وكان لم يصل علمي يومئذٍ إلى هذا الذي أحدِّثكم به الآن أن هذا الحديث بهذا اللفظ لا أصل له ؛ حتى فُوجئت به من أحد المشايخ تُوفي إلى رحمة الله ؛ حيث كان هناك مسجد في منطقة كنَّا نسكن فيها قديمًا مع والدي - رحمه الله - فيه قبر ، فكنت أحاول أن أبيِّن للناس أن الأمر كما قال ابن القيم - رحمه الله - : " مسجد وقبر لا يجتمعان في دين الإسلام " ، وكان جمهور الناس يستغربون هذا ؛ لأنهم - مع الأسف الشديد - يجدون أكثر مساجدهم القديمة فيها قبر أو أكثر ، وما سمعوا أحدًا من هؤلاء المشايخ يقول لهم مثل هذا الكلام أنه على الأقل لا يجوز أن يكون في المسجد قبر ، وكان لي صديق ، وكانت صداقته لي حديثة العهد ، فلمَّا بلغَه ما أقول أخَذَني عند ذلك الشَّيخ ، وبظنِّه أنُّو هذا الشَّيخ رجل عالم فاضل ، وأنه سيقيم الحجة عليَّ ، فاجتمعت به وفي داري ، وإذا بالشَّيخ جمعَ بين أمرين متناقضين ، أوَّلًا كان عند حسن ظنِّي به ؛ حيث أنه وافَقَني على هذا الحكم ، وهذا قلَّ مَن وافَقَني حتى اليوم من المشايخ ؛ لأن الأمر قد عمَّ وطمَّ ؛ لا سيما وأكثرهم لا يعلمون من السنة إلا شيئًا قليلا جدًّا ، أما هذا الرجل فوافقني ، ولكن بقدر ما سرَّني أحزنني ، حيث قال : لكن - يا أخي - ما لك وللناس ؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( دعوا الناس في غَفَلَاتها ) !!

أنا قلت آنفًا بأن هذا الحديث لم أكن قد سمعته من بعد ، ولكن أجبته يا شيخ هل هذا الحديث صحيح ؟ قال : إي ، نحن قرأناه في الكتب . قلت : لكن إذا كان هذا الحديث صحيح أين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟ يعني جادلته بما عندي من ثقافة عامة ، أما هذا الحديث فلم يكن عندي به علم ، فهذا معناه - يا شيخ - تعطيل الحكم ؛ حكم شرعي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المأمورين به في القرآن والسنة إلى آخره ، غمغم الموضوع وضيَّع الموضوع ، لكن أنا بالي انشغل ؛ هل يوجد في الدنيا مثل هذا الحديث ؟ فما كدتُ أنتهي ولو بعد ... متأخِّر من الليل وأصل إلى الدار إلا رأسًا بدأت أبحث فيه ، وإذا هو مذكور في الكتب التي تميِّز الصحيح من الضعيف مما لا أصل له ، ولا أزال أذكره أنني رجعت أول ما رجعت إلى كتاب " كشف الخفاء ومزيل الإلباس عن الأحاديث المشتهرة بين الناس " للشَّيخ " إسماعيل العجلوني " ، وإذا به يذكر الحقيقة السابقة أن الحديث في " صحيح مسلم " : ( دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض ) ، أما ( دعوا الناس في غَفَلَاتها ) فهو ينقل فيما أظنُّ عن الحافظ السخاوي أو العسقلاني بأن هذه اللفظة لا أصل له ، فقلت : الحمد لله ، البحث اللي بحثته مع الشَّيخ استنادًا إلى المبادئ العامة طابَقَ الواقع أن هذه اللفظة لا تصح نسبَتُها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - .

فأعود لأقول : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أن وضَّحَ لنا فيما سبق من الأمثلة أنه لا مانع من ذكر المسلم لعيبٍ فيه نصحًا لغيره أو تحذيرًا فليس يجوز للمسلم اليوم أن يقول تلك الكلمة التي قلناها آنفًا : أنُّو ليش قطعت برزقها أو برزقه !

كذلك التحذير ، التحذير أمر هام ؛ لأنُّو - أيضًا - داخل في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومن أحاديث الرسول - عليه السلام - قوله : ( لا تصاحب إلا مؤمنًا ولا يأكل طعامك إلا تقيٌّ ) ، فإذا رأيت أيها المسلم أخاك المسلم يصاحب رجلًا سيِّئ الخلق ، أو يخالط شبابًا منحرفين عن الإسلام عن شريعة الله ؛ فواجب عليك أن تحذِّرَهم بتحذير الرسول - عليه السلام - في الحديث السابق : ( لا تصاحب إلا مؤمنًا ) ؛ لماذا ؟ لأن الأمر كما يقول العامة أخذًا من أحاديث الرسول - عليه السلام - الصحيحة : " الصاحب ساحب " ، فحينما ترى الشاب الناشئ في طاعة الله يخالط شبابًا سفهاء لا خلاقَ لهم فيجب أن تخشى عليه أن يسحبوه إلى ما لا خلاقَ لهم ؛ ولذلك ينبغي عليك أن تحذِّره ، فالصاحب ساحب ، هذا مأخوذ من قوله - عليه الصلاة والسلام - في البخاري ومسلم قال : ( مَثَل الجليس الصالح كمَثَل بائع المسك ؛ إما أن يُحذِيَك - يعطيك - ، وإما أن تشتريَ منه ، وإما أن تشمَّ منه رائحةً طيِّبة ) . فأنت على كلِّ حال ربحان ، أقل شيء تشم شيء تستفيد به ، والإنسان ينفق قسطًا من ماله في سبيل أن يستشمَّ الروائح الطَّيِّبة الزكية ، فإذا صاحبتَ المسلم الرجل الصالح فأنت لا بد مستفيد منه كمَثَل بائع المسك ؛ إما أن يعطيك مجانًا ، وإما أن تشتري منه بالفلوس ، وإما أن تشمَّ منه رائحةً طيِّبة .

( ومَثل الجليس السوء كمثل الحداد ؛ إما أن يحرق ثيابك ، وإما أن تشمَّ منه رائحة كريهة ) ، فإذًا الصاحب ساحب فعلًا ؛ إن كان صالحًا نفعك ، ولو نفع بسيط جدًّا كالرائحة الطَّيِّبة ، وإن كان طالحًا أضرَّ بك إما ضررًا بالغًا وهو الذي كنى عنه بأن يحرق ثيابك ، وإما دون ذلك بأن تشمَّ منه رائحة كريهة .

نعم ؟

عيد عباسي : ( المرء على دين خليله ) .

الشيخ : أيضًا يذكِّرنا الأستاذ بقوله - عليه السلام - : ( المرء على دينه خليله ؛ فلينظُرْ أحدكم مَن يخالل ) ؛ مَن يتَّخذ له خليلًا وصاحبًا وصديقًا على دين خليله ، هذا كله يؤكد هذا المعنى المشهور : " الصاحب ساحب " ؛ لذلك فليس من الغيبة إذا أردْتَ أن تحذِّرَ مسلمًا من مصاحبة جماعة أو فرد أن تقول : فلان فيه كذا وكذا ؛ لأنك لا تريد الشَّماتة في هذا ، وإنما تريد تحذير صاحبك عنه ، هذا القسم الثالث المحذِّر .

مواضيع متعلقة