ذكر حديث معاوية بن الحكم السلمي قال : " بينا أنا أُصلِّي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ عَطَس رجلٌ من القوم ، فقلتُ : يرحمك الله " ، وكيف كان نصح النبي - صلى الله عليه وسلم - له . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ذكر حديث معاوية بن الحكم السلمي قال : " بينا أنا أُصلِّي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ عَطَس رجلٌ من القوم ، فقلتُ : يرحمك الله " ، وكيف كان نصح النبي - صلى الله عليه وسلم - له .
A-
A=
A+
الشيخ : وشيء آخر ، النصيحة - كما ذكرنا في الدرس الماضي غير بعيد - يجب أن تكون بالأسلوب الحَسَن كما ذكرنا لكم قصة ابن عمر مع ذاك الذي عطسَ وحَمِدَ الله ، ولكنه زاد في حمده ما لم يشرَعْه الله على لسان رسوله - عليه الصلاة والسلام - حين قال : " الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله " ؛ قال ابن عمر : " وأنا أقول معك : الحمد لله ، والصلاة على رسول الله ، ولكن ما هكذا علَّمَنا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - " ؛ ففي هذا الأسلوب الذي جاء به ابن عمر - رضي الله عنه وعن أبيه عمر - هو أسلوب منتهى اللطف ومنتهى التأثير في المُنْصَح ؛ لذلك هذه النصيحة التي أمَرَ بها الرسول - عليه السلام - في هذا الحديث بصورة خاصَّة عند الاستنصاح ، وفي ذاك الحديث بصورة عامة ؛ فينبغي دائمًا وأبدًا أن تقترنَ بالأسلوب الحسن كما قال الله - عز وجل - : (( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ )) ، ولكن يجب أن نضمَّ إلى هذه القاعدة شيئًا ، كثيرًا من الناس تغلب عليهم هذه القاعدة فيُحاولون طردها ، طردها واستمرار بها دائمًا أبدًا ولو أنه وُجِدَ هناك ما يقتضي أن يتغيَّر الأسلوب ، أقول هذا بيانًا للحقيقة وتفقُّهًا في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأحاديثه التي جمعَتْ الأسلوبَين ، ليس أسلوبًا واحد .

الأسلوب الأول هو الذي ذكرناه في أول هذا الكلام وفي الدرس الماضي ؛ وهو التلطُّف مع الناس الذين يُراد نصحُهم ، أما الأسلوب الآخر فأحيانًا يقتضي الأمر التشديد ، وربما يتطلَّب النَّهْر ، ليس دائمًا بكلام الهيِّن اللَّيِّن ، هذا هو الأصل ، وهذا هو القاعدة ، ولكن كما قال علماء الأصول : " ما مِن عامٍّ إلا وقد خُصَّ " ، هذا المبدأ العام هو الحكمة واللين ، ولكن لا تكون الحكمة دائمًا وأبدًا مقرونة باللين .

نحن نذكر - مثلًا - مما يؤيد الأسلوب الأول من أحاديث الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - الشيء الكثير والكثير ، ولا نريد أن نُفيضَ في هذا ما دام أن كلَّ الناس يعرفون هذه الحقيقة ويحبِّذونها ، بل ولا يستثنون شيئًا منها ، لكن أذكر قصة من باب التذكير والتعليم لِمَن قد لا يعلم ذلك ؛ لقد روى الإمام مسلم في " صحيحه " تلك القصة البديعة الطريفة ، والتي فيها توضيح للمسلمين كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعامل الناس باللين ، هذه القصة يَرويها معاوية بن الحكم السلمي ، ولا أريد أن أسوق الحديث كما جاء ، وإنما آخذ منه الشاهد ؛ أنه صلَّى يومًا وراء النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فعطس رجل بجانبه ، فقال له : يرحمك الله . رجل وقف بجانبه معاوية بن الحكم السلمي كلاهما في الصلاة ، ذاك الرجل عطس فقال معاوية له : يرحمك الله ؛ وهو يصلي مثله ، فنظر إليه مَن حوله تسكيتًا له ، فازداد ضيقًا وتضجُّرًا ؛ لأنه لم يكُنْ على علمٍ وفقْهٍ ، فنادى بأعلى صوته : واثكل أمِّياه ! ما لكم تنظرون إليَّ ؟! فلم يجدوا وسيلة لإسكاته لأنهم في الصلاة ، (( وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ )) ساكتين تالين للقرآن ذاكرين لله ، لم يجدوا وسيلةً سوى الضرب على أفخاذهم ، يقولون له : اسكت ؛ ليس هذا مجال التشميت ؛ لأنُّو هذا كلام .

الشاهد : يقول - هو يُحدِّث عن نفسه - : أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لما قضى الصلاة أقبَلَ إليَّ . تصوَّروا حالة الإنسان الذي عرف بعد لَأْيٍ أنه كان مخطئًا ، ماذا يتصوَّر أن الرسول - عليه السلام - وهو قادمٌ عليه سيفعل به ؟ نحن في زماننا لو وقع مثل هذا شفنا الشَّيخ جاء نحونا طبعًا بدو يبهدلنا وبدو يشتمنا وينسبنا للجهل و و إلى آخره ، أما الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - فبطبيعة الحال لم يكن منه شيء من ذلك إطلاقًا ، وهذا ما يصفه به صاحب القصة فيقول : فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلاة أقبل إليَّ ، فوالله ما قَهَرَني ولا كَهَرَني ولا ضَرَبَني ولا شَتَمَني ، وإنما قال لي : ( إنَّ هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ؛ إنما هي تسبيح وتكبير وتحميد ) ، حينما فُوجِئَ بهذا اللطف وبهذا التعليم طَمِعَ الرجل في أن يتعلَّم منه في تلك الجلسة ، فأخذه يسأل ، أخذ يسأل الرسول السؤال تلو السؤال ، ورسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يُجيبه عن كل سؤال دون أيِّ تململ أو تضجُّر ، ولا أطيل عليكم كما قلت ؛ لا سيما وقد ذكرت الحديث أكثر من مرة .

مواضيع متعلقة