تكلم الشيخ عن حكم القيام للغير . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
تكلم الشيخ عن حكم القيام للغير .
A-
A=
A+
الشيخ : ما دام الجماعة صامتون فلنتكلّم نحن , نريد أن نلفت نظر إخواننا الجالسين معنا فهذه الأمسية الطّيّبة إن شاء الله إلى عادة سيّئة ينبغي على كلّ مسلم أن يحاول الخلاص منها ما استطاع إلى ذلك سبيلا , ذلك لأنّ العادة الّتي أشير إليها هي على خلاف ما كان عليها نبيّنا صلوات الله و سلامه عليه و أصحابه الأكرمين ألا وهي أنّه اذا دخل الدّاخل إلى المجلس قاموا له قياما , تمثّلوا له قياما ولم يكن هذا من هديه صلّى الله عليه و آله و سلّم بل كان ذلك ممّا يكرهه عليه الصّلاة و السّلام إن لم نقل إنّه نهى عنه فقد روى الإمام البخاري.

السائل : السّلام عليكم .

الشيخ : وعليكم السّلام ورحمة الله و بركاته , في كتابه الأدب المفرد بسند صحيح عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: ( ما كان شخص أحبّ إليهم من رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم و كانوا لا يقومون له لما يعلمون من كراهيّته لذلك ) ( ما كان شخص أحبّ إليهم من رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم وكانوا لا يقومون له ) أي إذا دخل عليه الصّلاة و السّلام مجلسا ما يقومون له لماذا ؟ هل لأنّهم لا يعظّمونه عليه السّلام و لا يوقّرونه ؟ حاشا بل هذا واجب عليهم و على كلّ مسلم ولكنّ التّوقير و الإكرام لا يكون إلاّ بما شرع ربنا العظيم , ولذلك فهم ما كانوا يقومون له كما يقول أنس و يبيّن السّبب قال: ( لما يعلمون من كراهيّته لذلك ) أي كانوا يعلمون منه عليه الصّلاة والسّلام أنّه لا يحبّ أن يعظّم بالقيام له لماذا ؟ لماذا كان يكره عليه الصّلاة و السّلام أن يعظّم بالقيام له لأنّه ذلك من عادة أهل فارس , من عادة عظمائهم وقد جاء في الحديث الصّحيح في مسند الإمام أحمد وغيره أنّ النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم قال: ( من أحبّ أن يتمثّل له النّاس قياما فليتبوّأ مقعده من النّار ) و اعتياد عامّة النّاس القيام لخاصّة النّاس يورّط خاصّة النّاس و يوقعهم في المخالفة الشّرعيّة , هذا الحديث الأخير ( من أحبّ أن يتمثّل له النّاس قياما فليتبوّأ مقعده من النّار ) كما هو صريح الدّلالة إنّما يتعلّق بالرّجل الّذي يدخل و يحبّ من قرارة نفسه أن يقوم النّاس له تعظيما له هذا يقول له عليه السّلام: تبوّأ مقعدك من النّار , ليس كلّ من يدخل مجلسا عامرا بالجالسين يمكن أن يظنّ فيه أنّه يحبّ القيام من الجالسين لا . ولكن التزام هذه العادة من الجالسين أن يقوموا لمن دخل عليهم يقلب عادة الدّاخلين الّذين لا يحبّون القيام خضوعا لحديث الرّسول عليه السّلام تصبح نفوسهم متهيّئة لتقبّل هذا الإكرام بهذا القيام ثمّ فيما بعد تصبح نفوسهم تكره العكس ممّا كرهه الرّسول عليه السّلام أن يكرهون أولئك الّذين لا يقومون وهذا أمر مشاهد بين النّاس , حتّى كثير من المشايخ و أهل العلم على الأقلّ في عرف النّاس إذا دخلوا مجلسا كهذا و لم يقم له يتمعّر وجهه و تتغيّر ملامحه لأنّه يعتبر عدم قيامهم له تحقيرا له و ليس ذلك من التّحقير في شيء و إلاّ هلاّ كان عدم قيام أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم له صلّى لله عليه و سلّم تحقيرا له ؟ حاشاهم من ذلك لأّنّه هو الكفر بعينه لو كان لكن غلبة العادات و هنا موضع التّذكير تقلب السّنن بدعة و البدعة سنّة . إذا كان من عادة النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم و هو أفضل البشر قاطبة وكان أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم أفضل القرون قاطبة ثمّ هذا القرن الأفضل لم يقم لسيّد البشر فمن بعد ذلك يمكن أن يقام له أو يقوم له ؟ و يبدو أهمّيّة هذه الظّاهرة الّتي اعتادها النّاس اليوم القيام كّأنما الدّاخل لمّا دخل قال للجالسين قوموا فقاموا , وهم عادة لا يقولون و لكنّهم لا يقولون ذلك بلسان حالهم بلسان قالهم و لكنّهم يقولون ذلك بلسان حالهم ذلك لأنّهم يكرهون أن لا يقوم النّاس لهم إذا ما دخلوا . وقد جاء في صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله تعالى عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم صلّى بالنّاس ذات يوم صلاة الظّهر جالسا لأنّه كان قد رمته دابّته فأصيب في أكحله في عضده فلم يستطع الصّلاة قائما فصلّى بالنّاس جالسا و النّاس قاموا خلفه قياما كما هو الواجب ائتمارا منه بقوله تبارك تعالى: (( وقوموا لله قانتين )) و ائتمارا منهم لقوله عليه السّلام: ( صلّ قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب ) فهم قاموا بواجبهم أي انتصبوا قياما لربّ العالمين أمّا هو عليه الصّلاة و السّلام فجلس مضطرّا ومع ذلك انظروا كيف كانت العاقبة لقد علم النّبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم بأنّ النّاس يصلّون خلفه قياما وعلمه هذا إمّا أن يكون بنظرة عاديّة منه كأيّ إمام يصلّي حينما يمتدّ الصّفّ يمينا أو يسارا فهو يشعر بأنّ النّاس يصلّون كالعادة قياما و إمّا أن يكون ذلك من معجزاته الخاصّة به عليه الصّلاة والسّلام فقد جاء في الحديث الصّحيح أنّ النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم قال: ( لا تبادروني بالرّكوع والسّجود فإنّي أراكم من ورائي كما أراكم من أمامي ) فيمكن أن يكون رؤيته صلّى الله عليه و سلّم لأصحابه حينما صلّوا خلفه قائمين بلمحته يمينا و يسارا ويمكن أن يكون من باب هذه الكرامة وهذه المعجزة الّتي خصّه الله تبارك و تعالى بها حيث قال: ( فإنّي أراكم من ورائي كما أراكم من أمامي ) فحينما رآهم كذلك أشار إليهم بيده أن اجلسوا فجلسوا فصلّى بهم هو جالسا و هم جالسون و لمّا سلّم عليه الصّلاة و السّلام وهنا الشّاهد و العبرة و الموعظة البالغة ( إن كدتم آنفا تفعلون فعل فارس بعظمائها يقومون على رؤوس ملوكهم ) ( إن كدتم آنفا تفعلون فعل فارس بعظمائها يقومون على رؤوس ملوكهم إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به فإذا كبّر فكبّروا , وإذا ركع فاركعوا , وإذا صلّى قائما فصلّوا قياما , و إذا صلّى جالسا فصلّوا جلوسا أجمعين ) موضع الموعظة و العبرة في هذه الحادثة من نواحي , النّاحية الأولى أنّ كلّ من يسمع هذا الحديث أو يقرأه يعلم يقينا أنّ جلوس النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم في هذه الصّلاة إنّما كان لمرضه وذلك ممّا اضطرّه إلى أن يدع القيام الّذي هو ركن من أركان الصّلاة هذا من جهة , من جهة أخرى أصحابه عليه الصّلاة و السّلام حينما قاموا خلفه قياما إنّما قاموا لله ربّ العاملين ما قاموا تعظيما للرّسول و لا هو جلس ليعظّموه كلّ منهم كان مضطرّا إلى ما فعل أمّا الرّسول فجلس لمرضه , أمّا الصّحابة فقاموا إطاعة لربّهم , مع ذلك مع هذه الفوارق العظيمة بين الرّسول عليه السّلام و صحبه من جهة و بين كسرى و أتباعه من جهة أخرى قال لهم عليه الصّلاة و السّلام: ( كدتم آنفا تفعلون فعل فارس بعظمائها يقومون على رؤوس ملوكهم ) مع أن الصّحابة ما قاموا على رأس الرّسول تعظيما له قاموا قياما لله لربّ العالمين الرّسول كما ذكرنا جلس لا ليعظّموه بقيامهم و إنّما جلس بدل القيام الّذي هو الفرض عليه لولا مرضه مع هذا قال عليه الصّلاة و السّلام: كدتم أو ( إن كدتم أو كدتم آنفا تفعلون فعل فارس بعظمائها يقومون على رؤوس ملوكهم إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به ) إلى آخره , فنهاهم عن أمر عظيم جدّا وهو نهاهم أن يقوم قياما لله ربّ العالمين مع أنّه ركن و أمرهم أن يصلّوا خلفه جالسين لماذا ؟ لترتفع الظّاهرة الوثنيّة بينه و أصحابه من جهة وبين هذه الجماعة و كسرى و أصحابه من جهة أخرى , إذا عرفتم هذه الحقيقة يتبيّن لكم خطورة أو خطأ على الأقلّ هذه الظّاهرة الّتي ابتلينا نحن الآن و قبل هذا الزّمان بزمان أنّه كلّما دخل رجل سواء كان عالما أو كان ملكا أو وزيرا أو إلى آخره قاموا له قياما . هذه الظّاهرة أوّلا لا تشبه هذيك الظّاهرة هم كانوا في صلاة نحن لسنا في صلاة , فإذا أمرهم بأن يجلسوا حتّى تنتفي الظّاهرة فما الّذي يضطرّنا نحن أن نحقّق هذه الظّاهرة الوثنيّة حيث أنّ الكفّار هكذا يفعلون. يقومون بعضهم لبعض فأصبحنا نحن نتشبّه بهم ونخالف هدي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم هذا الّذي أردت التّذكير به لكي تتأسّوا بنبيّكم و بصحابتكم الّذين كانوا يمثّلون خير القرون كما هو معلوم من أحاديث الرّسول عليه الصّلاة و السّلام. وبعد هذا التّذكير لا بدّ من أن نضيف إلى ذلك تذكيرا آخر وهو لعلمي بصعوبة الإصلاح و التّغيير لما عليه النّاس اليوم فينبغي علينا كأفراد أن نعالج هذه العادة بالّتي هي أحسن لا نفاجئ النّاس بها كلّ النّاس لأنّ النّاس كما ذكرت آنفا يعتبرون هذا القيام قيام إكرام , فإذا دخل و لم تقم فسّر ذلك بأنّه دخل و لم تكرمه ولذلك فلا بأس إذا كان الدّاخل عليك شخص لا يعرف هذه السّنّة أن تترفّق به و أن تقوم إليه ثمّ تتّخذ سببا ووسيلة في طرح هذا الموضوع أمامه حتّى إذا ما جاءت مناسبة أخرى ولم يقم له يعلم أنّ عدم القيام له كان اتّباعا للسّنّة و ليس إعراضا عن إكرامه , هذه ذكرى و الذّكرى تنفع المؤمنين .

مواضيع متعلقة