ما جرت عليه العادة في التعريف بالنفس في المجالس قول القائل : " أخوك في الله فلان " ؛ فما حكم ذلك ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ما جرت عليه العادة في التعريف بالنفس في المجالس قول القائل : " أخوك في الله فلان " ؛ فما حكم ذلك ؟
A-
A=
A+
الشيخ : نعم ؟

السائل : أخوك في الله .

الشيخ : إيش أخوك في الله ؟

سائل آخر : التعارف الذي هو اللفظ .

السائل : ... التعارف ، يقول : فلان أو أخوك في الله ... .

الشيخ : إي سامحك الله ، هذا شيء آخر يا أخي ، أنت يجب أن تقول : جرت العادة في المجالس أن يقول أن يسمِّي كل فرد نفسه ، فكل واحد يقول : أخوكم في الله فلان بن فلان ، هو مصري هو شامي هو كذا إلى آخره ؛ هذه بدعة ، أما أن يقول المسلم لمن - كما ذكرته أو كنت في صدد الذكر - لمن رآه من له منزلة في نفسه : " إني أحبُّك في الله " ؛ فهذا لا شك أنه من السنة ، أما أن يُقال ويصبح تقليدًا أن يسمِّي كلُّ فرد من الجالسين الآن نفسه مقدِّمًا بين يدي التسمية قوله : أخوكم في الله فلان بن فلان إلى آخره ؛ فهذه بلا شك نحن نقول : إنها بدعة ، بل أنا أقول أكثر من ذلك ؛ فلنرفع الآن كلمة أخوك في الله ، نرفع هذه وهي مرفوضة ، هل من السنة إذا جلس جماعة ليس بهذا العدد الوفير - بارك الله فيهم - وإنما عدد معقول خمسة أو عشرة ، يقولون : خلِّينا نجري تعارفًا ، فيبدأ واحد يقول أنا فلان بن فلان ، أنا أسكن في كذا ، وأنا أدرس كذا ، وأنا أعمل كذا ، وإلى آخره ؟

هذه - أيضًا - من البدع في العصر الحاضر ؛ أي : إنها بدعة عصرية طازجة جديدة لم يعرفها السلف إطلاقًا ، وإنما هي مما جاءنا من بلاد الغرب في الحقيقة ، واتخذها بعض الجماعات الإسلامية كسنَّة مُتَّبعة عندهم ، وهذا في الواقع مما يدل على فقر هؤلاء الناس في اتباعهم للسنة المحمدية .

ويعجبني بهذه المناسبة أن أقول : من الحكمة بمكان ما روي مرفوعًا ولم يصحَّ ، وجاء موقوفًا وصحَّ : " ما أُحدثت بدعة إلا وأُميتت سنة " ، فالبدع ضرَّات السُّنن ، كلما قام إنسان ببدعة أماتت سنة ، وهذا أمرٌ مشهودٌ تمامًا ، وملموسٌ لمسَ اليد عند الباحثين الناقدين المراقبين لأحوال المسلمين .

مَنِ الذي يعتاد هذه العادة من التعارف مجرد أن يجلسوا ؟ يقولون - أيضًا - كلمة تذكرتها الآن ، وهي ضغث على إبَّالة - كما يقال - ، يا إخوانا من السنة التعارف ، ويبدأ يجري التسمية كلٌّ منهم لنفسه ، فهذا والله بدعة لا أصل لها في السنة ، أولًا هذه الجملة من السنة التعارف لا أصل لها في السنة ، فهؤلاء سلفنا الصالح ما كانوا يتعارفون هذا التعارف ، ولماذا جرى هذا التعارف ؟ لأنَّهم أضاعوا سننًا .

والكلام يجرُّ الكلام ، والحديث ذو شجون ، صبرًا :

التعارف الذي جاء ذكره في القرآن الكريم : (( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم )) هذا التعارف ليس تعارفًا لفظيًّا لسانيًّا على هذا النمط الذي ذكرته آنفًا أنه لا أصل له في السنة ، وإنما التعارف هو تعارف عملي ، وقد سنَّ الإسلام لتحقيق هذا التعارف العملي سننًا طرقًا كثيرة لتحقيق هذا التعارف والتعاون بين المسلمين ؛ من ذلك - مثلًا - أنه فرض على المسلمين في كل يوم خمس صلوات ، وهو - تبارك وتعالى - لما فرضها لم يفرضها على أساس أن يصلِّي كل فرد من هؤلاء المسلمين في دورهم أو في دكاكينهم أو شركاتهم ، وإنما أمرهم أن يصلوا جميعًا في بيوت الله - تبارك وتعالى - ، ولذلك نسمع قوله - عز وجل - في القرآن الكريم : (( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين )) بعد أن أمر بالركن الأول ؛ ألا وهو إقامة الصلاة وإحسان أدائها أمر بالركن الثاني ، وهو الزكاة ، فقال : (( وآتوا الزكاة )) ، ثم عاد ليبيِّن أن الأمر الأول - (( وأقيموا الصلاة )) - ليس أمرًا مطلقًا يصلِّيها الإنسان كيفما شاء ، وفي أيِّ مكان شاء ، وإنما عليه أن يصلِّيها مع جماعة المسلمين الراكعين في المساجد ؛ فقال : (( واركعوا مع الراكعين )) ، (( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين )) ، فشرع الله - عز وجل - هذا التجمُّع في كل يوم خمس مرات ليتعارف أهل المحلَّة بعضهم مع بعض ، ويتفقَّدوا شؤون بعضهم بعضًا ، ويتعاونوا على البر والتقوى ولا يتعاونوا على الإثم والعدوان .

ثم - صبرًا يا إخواننا بارك الله فيكم - ثم جاء التشريع الثاني ؛ وهو أنَّه أَمَرَهم بأن يصلوا صلاة الظهر التي كان كل أهل محلَّة يجتمعون في مسجدهم الخاص بهم ؛ أَمَرَ هؤلاء الذين يصلون الظهر يوم الجمعة أن يصلُّوها في المسجد الجامع جمعة ، أَمَرَهم أن يجتمعوا في المسجد الجامع ؛ أي : أن يدعوا التجميع في مساجد الحارات والمحلَّات إلى أن يجتمعوا في المسجد الكبير يوم الجمعة ، فهذا تعارف أكبر يلتقي فيه ويتعارف فيه أهل المحلَّة الشرقية مع المحلَّة الغربية ، وهكذا تفنَّن في التعبير ما شئت .

ثم جاء الاجتماع الأكبر الثالث ، وهو صلاة العيد في المصلى ؛ لم يشرع ربنا - عز وجل - على لسان نبيِّه - صلى الله عليه وآله وسلم - صلاة العيدين في المساجد الجامعة ، وإنما هذه المساجد الجامعة خاصَّة بصلاة الجمعة ، أما صلاة العيدين ؛ فقد جعل لها مكانًا أوسع بأن يتَّسع لكلِّ الذين يصلون الجمعات في المساجد الجوامع ؛ ألا وهي المُصلَّيات ، فهذا تعارفٌ عمليٌّ ثالث شرعَه ربنا - عز وجل - على لسان نبيِّه - صلى الله عليه وآله وسلم - .

ثم جاء التعارف الأعمُّ والأشمل والأخير ، وهو أن يجتمع المسلمون في المشاعر الحرام ، في منى ، في عرفات ، في مكة بمناسبة الحج أو العمرة التي هي الحج الأصغر ، هذا التعارف هو المقصود بالآية الكريمة وليس المقصود أن يتلفَّظ الإنسان باسمه واسم أبيه ونحو ذلك مما جرى به العرف عرف بعض الناس اليوم .

هذا ما أردْتُ بيانه أن البدعة ليست محصورة فقط بقوله أخوكم في الله فلان بن فلان ، لو شلنا ورفعنا كلمة أخوكم فلان بقي التعارف المذكور لا أصل له في الإسلام .
  • فتاوى جدة - شريط : 16
  • توقيت الفهرسة : 00:50:42
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة