ما حكم الاحتباء ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ما حكم الاحتباء ؟
A-
A=
A+
الشيخ : أما السؤال الثاني ما هو ؟

السائل : الاحتباء ... .

الشيخ : نعم ، الاحتباء منهيٌّ عنه ، وهذا ثابت عن الرسول - عليه السلام - ، وهنا لا بد لي من أن أذكر شيئًا أو أكثر من شيء واحد ، أرجو من إخواننا أن يتذكَّروا حقيقة علميَّة قائمة في كل العلماء ؛ وهي أن العالم لا ينبغي أن يتبادر إلى أذهاننا أن عالمًا في الدنيا أتقن كلَّ علم يلزم العالم أن يكون عالمًا به ؛ لأنَّ ما شاع في العصر الحاضر أوحَتْه ضرورة انتباه أهل الاختصاص بأنه لا بد من الاختصاص ؛ لأنه يفيد المتخصص في علم ما ما لا يفيده العالم الجامع للعلوم ، فمن جمع العلوم كلَّها لم يتقنَ علمًا واحدًا منها إلا إذا كان قد أُوتي حفظًا وذكاءً بالغًا ، وهذا نادر جدًّا أن نراه في العلماء ، ولذلك كان في العلماء المفسِّرون والمحدِّثون والفقهاء والنحويون ونحو ذلك ، فيجب أن نُراعي موضوع التخصص ، فإذا كان عالم متخصِّصًا - مثلًا - في الفرائض ، وآخر فقيه لكنه ليس متخصِّصًا في الفرائض ، فالثقة بالمتخصص في هذا العلم ينبغي أن تُوضع فيه أكثر من العالم الفقيه غير المتخصِّص في الفرائض ، وعلى ذلك فقس في كل العلوم ؛ فحينما تقول أنت - أو غيرك - : بعض أهل العلم ضعَّف الحديث الفلاني أو صحَّح الحديث الفلاني ؛ فيجب أن تخطِّر في بالك ؛ هل هذا المضعِّف أو المصحِّح هو من أهل الاختصاص في علم التصحيح والتضعيف أم هو عالم فاضل ؟

والله إذا كان متخصصًا في هذا العلم فله وزنه ، ولا يجوز أن يُنتقد بمجرَّد انتقاد عالم له ، والعكس بالعكس تمامًا ، هذا الشيء الأول الذي لا بد من التنبيه عليه ، الشيء الثاني أن من نتيجة عدم التخصص في علم ما أنه لا يتنبَّه لبعض الدقائق والتفاصيل التي يجب أن يكون على علم بها حتى يكون حكمُه في الأحاديث أقربَ ما يكون إلى الصواب ، بيان هذا أنكم تعلمون جميعًا أن الحديث عند العلماء ينقسم تقسيمًا مُجملًا إلى ثلاثة أقسام ؛ الصحيح ، والحسن ، والضعيف ، ثم تعلمون أن لكل قسم من هذه الأقسام أقسام كثيرة ، ولست الآن في صدد هذا التفصيل ، وإنما آخذ منه المرتبة الوسطى الحديث الحسن ، صحيح حسن ضعيف ، كل حديث حسن على وجه الأرض لا يخلو من أحد شيئين ؛ إما أن يكون حسنًا لذاته ، وإما أن يكون حسنًا لغيره ، فإذا كان حسنًا لذاته فلا بد من أن يكون في أحد رواته كلام .

- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته - . فلا بد من أن يكون في أحد رواته كلام ، فيأتي غير المتخصِّص إلى إسناد حديث ما -- نعم ، ما شاء الله ، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته ، من أين ؟ من أين من أين تتكلم ؟ بشِّرني قبل كل شيء ، لا إله إلا الله -- .

أين وصل بنا الحديث ؟

سائل آخر : ... .

الشيخ : أيوا ، كنَّا نتكلم عن الحديث الحسن ، وأن الحديث الحسن إما أن يكون حسنًا لذاته ، أو أن يكون حسنًا لغيره ، فالحسن لذاته لا بد أن يكون فيه راوٍ فيه كلام ، فيأتي من لا تخصص له في الحديث ولا ممارسة له فيه فيجد ضعفًا ما في راوي الحديث الحسن فينطلق قائلًا هذا حديث ضعيف ، وهو له ... ، وله سند ما ، حينما يحكم بالضعف ، لكنه سند على شفا جرفٍ هار ؛ لم ؟ لأنه قد يُمكن أن يأتي آخر مثله حديث عهد بهذا الفن أو العلم يقول : لا هذا حديث صحيح ، ويعتمد - أيضًا - كمثل اعتماده على قول بعض العلماء النُّقَّاد في هذا الراوي الذي اعتمد هو على قول من ضعَّفه ، فيأتي الآخر ويعتمد على قول من وثَّقه ، فيقول : هذا حديث صحيح ، فيقعان في تنافر وتضادّ في حكميهما ، يأتي ثالث يكون على شيء من زيادة في هذا العلم فماذا يفعل ؟ يُقابل أقوال الأئمة النَّاقدين والمتكلمين في هذا الراوي فيجد ما اعتمد كلٌّ منهما يجد فيه تضعيفًا ، ويجد فيه توثيقًا ، ولكن يلمح هناك في أقوال أئمَّة آخرين بأنَّ تضعيفه جاء من قبل سوء حفظه ، وليس تهمةً له في صدقه ، ثم يُقابل أقوال الموثِّقين له فيجدها أقوالًا مطلقة ، فيُجري هنا ما يشبه عملية التوثيق بين النصوص الفقهية ؛ نص عام يُخصَّص بالنص الخاص ، ونصٌّ مطلق يُقيَّد بالنص المقيِّد وهكذا ، فيخرج هو بنتيجة أقرب إلى الصواب من نتيجة كلٍّ من الشخصين المتعارضين في حكميهما ؛ هذا ضعَّف وذاك صحَّح ، فيخرج هو بنتيجة وسط ؛ ألا وهو أن الحديث حسن ، من أجل هذه المفارقات التي يجدها الباحث في تراجم الرواة والتي ينتج من هذه المفارقات الاختلاف في إصدار الحكم على الحديث ما بين الصحيح وحسن وضعيف ، هذا كما ترون في الراوي المختلف فيه ، يقول الإمام النَّقَّاد ابن الذهبي الدمشقي - رحمه الله - في رسالته " الموقظة " حينما يتكلم عن الحديث الحسن : " إنَّه من أدقِّ أنواع علوم الحديث " ، والسبب له وجوه هذا وجه مما ذكرته ، لأن الباحث حينما يقف على إسناد ما ويجد فيه رجلًا مختلفًا فيه فلا بدَّ له من أن يُوازن بين أقوال المختلفين في هذا الراوي كما شرحت لكم آنفًا ، لكن الأدقُّ في الموضوع والأعجب أنُّو هذا الوازن الذي يُريد أن يُوازن بين الأقوال المختلفة في الراوي الواحد قد يختلف اجتهاده نفسه ، فتارةً يضعِّف هذا الراوي ، ويضعِّف بالتالي حديثه ، وتارةً يحسِّنه ؛ لأنه يرى أقوالًا مختلفة ، فاجتهاده يختلف ، لذلك كان الحكم على الحديث بأنه حسن من أدقِّ علوم الحديث كما شهد بذلك من هو من أشهر النُّقَّاد في علم الحديث ؛ ألا وهو الإمام الذهبي ، هذا إذا كان البحث في الحديث الحسن لذاته .

أما إذا كان البحث في الحديث الحسن لغيره فهو أشكل وأشكل ، ولذلك فقد يكون الحديث ليس له سند صحيح ولا حسن ، لكن الباحث المتمكِّن في هذا العلم والذي أُتيحت له فرص لم تُتَحْ لغيره - حتى ولو كان متخصِّصًا - من الاطِّلاع على قسم كبير من المخطوطات فضلًا عن المطبوعات ، فهذا بلا شك ستتَّسع دائرة أُفقه واطِّلاعه على مفردات الطرق أكثر ممن يشاركه في هذا التخصص في العلم ، ومن باب أولى أكثر ممن ليس له تخصصًا في هذا العلم ، فيخرج النتيجة المتعارضة ، هذا يقول : هذا حديث حسن ؛ لأنه تشبَّع بتلك الطرق ، وقام في نفسه أنها تعطي للحديث قوَّة تُخرجه من مرتبة الضعف إلى مرتبة الحسن ، بل وربما إلى مرتبة الحديث الصحيح لغيره ؛ مع أن كل مفردات الطرق هي ضعيفة ، بينما يكون الناقد والمضعِّف قد وقف على طريق أبي داود مثلًا في حديث الاحتباء ، فيقول : هذا حديث ضعيف ، من أجل ذلك جاء في علم المصطلح التنبيه على ما يأتي ، جاء في " مقدمة علوم الحديث " لابن الصلاح أنه - أو في شرحه ، الآن أنا أتردَّد ، في شرحه للحافظ العراقي - إذا وجد طالب العلم حديثًا بإسناد ضعيف فلا يجوز أن يقول : " حديث ضعيف " ، وإنما يقول : " إسناده ضعيف " ؛ لاحتمال أن يكون ... .

لاحظ علماء الحديث حينما وجَّهوا هذا التنبيه وهذه النصيحة فقالوا : لا يقول في حديث إسناده ضعيف : " حديث ضعيف " ، وإنما يقول : " إسناده ضعيف " ؛ خشيةَ أن يكون لهذا الحديث إسناد آخر يتقوَّى به الأول ، أو يكون الإسناد الآخر في نفسه ثابتًا ، من أجل هذا يقولون إتمامًا للنصح " إلا " - يستثنون من هذا - ، إلا من كان حافظًا وغلب على ظنِّه أن هذا الحديث ليس له إلا هذا الإسناد الغريب ؛ فله أن يقول :

" حديث ضعيف " ، أما عامة الطلاب - بل عامة العلماء - الذين لا يغلب على أنفسهم هم بأنهم أحاطوا بأكثر طرق الحديث ؛ فهؤلاء لا يجوز لهم أن يقولوا في حديث إسناده ضعيف : " حديث ضعيف " ، وإنما يقولون : " إسناده ضعيف " .

من أجل هذا كنتُ لما شرعت منذ نحو أربعين سنة تطبيقًا بالقاعدة التي أشعتُها في بعض كتبي : " تقريب السنة بين يدي الأمة " ؛ لما شرعت في أول ما شرعت في " سنن أبي داود " ، فكَّرت في هذا المشروع تقسيم " سنن أبي داود " إلى صحيح وضعيف ، كما رأيتم خلاصة ذلك في السنن الأربعة التي طُبعت حديثًا ، فكَّرت وكل عمل يريد الإنسان أن يُقدم إليه لا بدَّ من أن يفكِّر فيه ، وأن يضع منهجًا له على بصيرة ، أعرف بأن في " سنن أبي داود " أحاديث بأسانيد ضعيفة ، ماذا أفعل في هذه الأحاديث التي أسانيدها ضعيفة ؟ هل أجعلها فورًا في الكتاب الثاني ضعيف " سنن أبي داود " ؟ في هذا احتمال أن نقعَ في الخطأ الذي نبَّه عليه علماء الحديث كما ذكرت آنفًا ، فقد أورد حديثًا في " ضعيف سنن أبي داود " أكون معذورًا ؛ لأنَّ السند الذي فيه يحكم بضعف هذا الحديث ، ولكن يُمكن أن يكون له شواهد ، أو أن يكون له طرق أخرى يتقوَّى الحديث بها ، فتردَّد النظر بين طريقتين في التصنيف ؛ إما أن أقتصر على ذكر الضعيف مقتصرًا في نظري على سند أبي داود ، وإما أن أُفرغ جهدي في تتبُّع هذا الحديث من كلِّ كتب السنة ؛ حتى المخطوطة التي كانت تطولها يدي يومئذٍ في المكتبة الظاهرية ، وهذا يأخذ وقتًا وجهدًا كثيرًا وكثيرًا جدًّا ، فرأيتُ - والدين النصيحة - أن أسلكَ الطريقة الأخرى ، وأن أُعرض عن الطريق الأولى ؛ لأن الطريق الأولى هي على مقتضى " الدين النصيحة " ، والطريقة الأولى سهلة ، ولكنها خالية عن النصيحة ، فجريتُ على أن لا أوردَ في " ضعيف سنن أبي داود " إلَّا بعد أن أفرغ جهدي في أن لا أجد للحديث ما يقوِّيه ، فإذا ما وجدت له ما يقوِّيه ذكرتُه في " صحيح أبي داود " ، واصطلحتُ على ذلك اصطلاحًا اقتبستُه من اصطلاح الترمذي ، فإذا كان الحديث في " سنن أبي داود " صحيحًا قلت : " إسناده صحيح " ، وإذا كان حسنًا قلت : " إسناده حسن " ، وإذا كان ضعيفًا له شواهد قلت : " حديث ضعيف " - عفوًا - قلت : " حديث حسن " ، إذا كان إسناده صحيحًا قلت : " إسناده صحيح " ، إذا كان إسناده حسنًا قلت : " إسناده حسن " ، إذا كان إسناده ضعيفًا لكن له شواهد تقوِّيه قلت : " حديث صحيح " ، لا أتعرَّض لذكر السند ، ونصصْتُ على هذا في المقدمة ، وقد أقول : " حديث صحيح " وإسناده ضعيف ، فمن يقف وهذا وقع كثيرًا وكثيرًا جدًّا ؛ لأنني جريت على هذا النَّسق وعلى هذا المنوال في كتابي " صحيح الجامع " - " الجامع الصغير " - ، فأنا أصحِّح حديثًا ضعَّفه المُناوي ؛ لأن تضعيفه وقف على ذات الإسناد الذي عزا السيوطي المخرِّج له إليه ، لكني أنا جريتُ في " صحيح الجامع " - أيضًا - على هذا المنوال نفسه ، فصحَّحت أحاديث ضعيفة الأسانيد كثيرة بالمئات ، أنقذتُها من الضعيف وذكرتها في " صحيح الجامع " .

فالذي لا إحاطة عنده - وهذا سُئلت كثيرًا - كيف أنت تصحِّح حديث وفيه - مثلًا - شهر بن حوشب ، وأنت بتقول : أنُّو هذا رجل ضعيف ؟ كيف وفيه علي بن زيد بن جدعان ، وهو كذلك ضعيف ؟ إلى آخره ، الجواب - وعليكم السلام ورحمة الله - الجواب : أن التصحيح أو التحسين يكون من النوع الثاني وهو لغيره ، هذه الأمور لا بدَّ من ملاحظتها حتى تذهبَ البلبلة من بعض الناس الذين يقفون على مثل هذا التعارض ، وأنا لا أريد - يشهد الله - لا أريد من هذا الكلام أن تحكموا بقول فلان أصاب ، وفلان أخطأ ؛ فقد يكون العكس ، لكن لا تتبلبل أفكاركم ، استحضروا هذه الحقائق العلميَّة ، وقولوا محتمل أن الذي حسَّن حسَّن بسبب الدِّقَّة التي ذكرناها في الراوي ، ويحتمل أن الذي حسَّن ؛ لأنه وجد له شاهدًا أو متابعًا أو ما شابه ذلك ، أما التحقيق فهذا يحتاج إلى أهل علم ، والله - عز وجل - يقول : (( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )) .

غيره ؟ أنت أخذت جواب سؤاليك .

السائل : شيخ ... .

الشيخ : نعم ؟

السائل : حديث ذكر الحبوة ؛ الحكم فيه ؟

الشيخ : لا يجوز .

السائل : لا يجوز .
  • فتاوى جدة - شريط : 8
  • توقيت الفهرسة : 00:32:08
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة