جرت العادة أن يُبدأ بالكبير في الشرب ونحوه ، وقد ذكر الحافظ ابن حجر في ذلك حديثًا قوَّى إسناده ؛ فهل يصح ؟ وهل يجوز مخالفة السنة في البدء باليمين ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
جرت العادة أن يُبدأ بالكبير في الشرب ونحوه ، وقد ذكر الحافظ ابن حجر في ذلك حديثًا قوَّى إسناده ؛ فهل يصح ؟ وهل يجوز مخالفة السنة في البدء باليمين ؟
A-
A=
A+
السائل : جرت العادة أن يبدأ في التقديم للكبير في المجالس سواء بالشرب أو غيره ، وذكر ابن حجر في " الفتح " أن هناك إسناد عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - إسناد قوَّاه كان إذا استقى قال : ( ابدؤوا بالكبير ) ؛ فهل هذا الأثر صحيح أو يُبدأ باليمين ؟

الشيخ : هذا الأثر من حيث السند لا نوافق الحافظ ابن حجر على تقويته ؛ لأنَّ فيه رجلًا اسمه " مجالد بن سعيد " ، وقد ضعَّفَه نفس ابن حجر في كتابه " التقريب " بقوله : " ليس بالقوي " ، فتقويته لإسناد هذا الحديث يُنافي قوله في أحد رواته : " ليس بالقوي " ، هذا أوَّلًا . وثانيًا : هذا الحديث مع ضعف سنده كما بيَّنَّا يُخالف حديث في " الصحيحين " المروي من طريقين ؛ أحدهما من رواية أنس بن مالك ، والأخرى من الطريقين طريق " سهل بن سعد الساعدي " ، وكلٌّ منهما روى القصة الآتية ؛ وهي أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - استسقى فأُتِيَ بقَعْب - كأس كبير - فيه لبن قد شِيبَ بماء ، فشرب ، وعن يمينه ابن عباس ، أو في رواية من الروايتين : أعرابي ، وعن يساره أبو بكر ، وفي رواية : الأشياخ من قريش ، فلما شرب وبقي في الكأس فضلة التفت إلى مَن عن يمينه ابن عباس أو ذاك الأعرابي ، فقال : ( أتأذن أن أعطي أبا بكر ؟! ) . قال : والله - يا رسول الله - لا أوثر أحدًا على فضلة شرابك . فأعطاه ، وقال : ( الأيمن فالأيمن ) . وفي رواية أخرى : ( الأيمنون ، فالأيمنون ، فالأيمنون ) . انتهى الحديث .

فقه الحديث : يتوهَّم كثير من الناس أن بدء الساقي للرسول هو تأكيد لذاك الحديث الذي بيَّنَّا ضعف إسناده أنه أمَرَ - عليه السلام - بالبدء في السُّقيا بكبير القوم ، وليس كذلك ، والسبب أن في هذا الحديث الصحيح من رواية الصحابيين المُشار لهما آنفًا " سهل بن سعد " و " أنس " فيه التصريح بأنَّ الرسول - عليه السلام - استسقى ؛ أي : طلب السُّقيا ، فإذًا إنما بدأ الساقي به لأنه كان طالبًا ، ولو أن هنا طفل صغير طلب الشراب من الماء وبُدِئ به ؛ لا أحد يقول أنُّو السنة أن نبدأ بالطفل الصغير ، لكن السنة أن نبدأ بالساقي ، فالساقي أن نبدأ بالطَّالب للسُّقيا ؛ فهذا الطَّالب يُبدأ به سواء كان كبيرًا أو صغيرًا ، فالذين يقولون أنَّ هذا الحديث فيه دليل على أن الساقي يبدأ بكبير القوم الحقيقة أنهم ما وقفوا على هاتين الروايتين التي فيهما التصريح من كلٍّ منهما بقوله : استسقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأُتِيَ بقَعْب فيه لبن قد شِيبَ بماء إلى آخره ، والسبب أن هذه الرواية قد وردت مختصرة في بعض الروايات ، حتى في " الصحيحين " ، وهي أُتِيَ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بقَعْب فيه لبن قد شِيبَ بماء إلى آخر الحديث ، فلما نظروا إلى هذه الرواية ساعَدَتْهم على أن يفهموا أنه إنما بُدِئَ به لأنه كبير القوم ، ولكن لما جاءت الرواية الأخرى : استسقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهي كما يقولون اليوم في لغة العصر الحاضر : " وضعت النقاط على الحروف " ، وبيَّنت السبب في بدء الساقي به - عليه الصلاة والسلام - ؛ وذلك لأنه كان هو الطَّالب ، هذا أوَّلًا .

وشيء آخر ومهم جدًّا في الموضوع يؤكِّد أن البدء به - عليه السلام - ليس لأنه كان كبير القوم وهو كبير قطعًا ، وإنما لأنه كان الساقي ، يُدل هذا ويؤكده أن الرسول - عليه السلام - لمَّا شرب . الآن الساقي الذي قدَّم القَعْب والكأس إلى يد النبي - صلى الله عليه وسلم - انتهت مهمته ، لما أصبح الكأس في يد الرسول - عليه السلام - أصبح الآن هو الساقي ، فحينما نَظَرَ عن يمينه ووجد ابن عباس ، وعن يساره أبا بكر ؛ لو كان الرسول - عليه السلام - ربنا - عز وجل - شَرَعَ له أن يبدأ الساقي بكبير القوم ؛ لما كان به من حاجة أن يستأذن ابن عباس الصغير السِّن في أقل من الرابعة عشر ، لمَّا كان به حاجة أن يستأذنه ؛ لأنه كبير القوم هنا ، فكان يقدِّم إليه ، لكن من الواضح من قوله في نفس الحديث : ( الأيمن ، فالأيمن ) أن الشرع يقدِّم مَن كان على يمين الساقي صغيرًا كان أم كبيرًا ؛ ذلك لأن الرسول - عليه السلام - الآن هو الساقي ، فلمَ لم يبدأ بكبير القوم وهو أبو بكر ؟ ذلك لأنه يقرِّر في نفس القصة أن الشرع يقول : ( الأيمن فالأيمن ) ، ولمَّا كان أوحي إليه بهذا المعنى استأذن ابن عباس لأنه الأحقُّ ، فإن أَذِنَ الأحقُّ جاز تقديم الآخر الذي هو آثره على نفسه ، لكن هو رجل يعرف مصلحة نفسه الدينية ، يقول : والله يا رسول الله لا أوثر أحدًا على فضلة شرابك ، فلم يسَع الرسول - عليه السلام - شرعًا إلا أن يُعطِيَ ذلك ، وعمر في المجلس يراقب الوضع .

ومن الناحية العاطفية - وكلنا نعيش في كثير من الأحيان هذه العواطف - كيف سَيُعطي الرسول - عليه السلام - مَن هو أصغر القوم ؟ لكن الرسول نفَّذَ الشرع ، وألحَقَ ذلك بقوله : ( الأيمن ، فالأيمن ) ، وفي الرواية الأخرى : ( الأيمنون ، فالأيمنون ) . هذان حديثان يؤكِّدان أن السنة المطَّردة أن يبدأ الساقي بِمَن عن يمينه وهكذا ، هذا من الناحية الشرعية .

أما من الناحية الاجتماعية فالإسلام من كماله أنه لا يكلِّف الناس التكلُّف ، ولا يكلِّفهم التحرُّج و و إلى آخره ، فنحن - مثلًا - إذا جلسنا جلسة عادية ، لا جلسة مدرِّس يتوسَّط المكان لتسميع الناس ، فدخل هذا الداخل وهو الساقي ؛ مِن أين له أن يعرف مَن هو أسنُّ القوم ، ومن هو أجلُّ القوم ، ومن هو أفضل القوم ، هذا يمكن لو كان " ابن خلدون " زمانه ما راح يستطيع في كل مجلس يجي يحكم أنُّو فلان هو الأحق حتى يبدأ به ؛ لذلك جاء الإسلام باليسر فقال للساقي : أيَّ مجلس حضرت ابدأ عن يمينك وانتهت المشكلة ، هذا هو الذي يلتقي بمثل قوله - تعالى - : (( وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ )) ، وقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( أنا وأمَّتي براء من التكلُّف ) . وأنتم لا بد أنكم تشعرون معي كم يتحرَّج بعض الناس في بعض المجالس الشكلية أو الرسمية أنُّو يبدأ بالشَّيخ الفلاني ولا القاضي الفلاني ، يا ترى بالأمير الفلاني ولَّا الأمير الفلاني ، فحَسَمَ هذا الموضوع الشارع الحكيم لكي لا يصير في نفوس بعض الناس أنُّو بدأ بفلان قبلي ، ( الأيمن ، فالأيمن ) ، و (( قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ )) .

سائل آخر : السواك شيخ ، السواك ؟

الشيخ : نعم ؟

السائل : ... جاء في حديث السؤاك .

الشيخ : إيش هو ؟

السائل : لاحظ أنت موضوعك سؤال آخر ، يسأل هل التسوُّك يكون باليمين أو بالشمال ؟

السائل : لا لا لا .

السائل : آ .

سائل آخر : البدء بالكبير بالنسبة للسواك ؟

الشيخ : إي ، هذا صحيح وصريح .

السائل : أيوا يعني جاء في أحاديث.

الشيخ : نعم نعم ، هذا في السواك كذلك ، لكن في السُّقيا جاء الحديث كما سمعت : ( الأيمن ، فالأيمن ) .

نعم .

مواضيع متعلقة