بيان حكم التقليد والتشبُّه بالكفار . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
بيان حكم التقليد والتشبُّه بالكفار .
A-
A=
A+
الشيخ : ... - عز وجل - فهذا أمر لا يُخالف فيه ، و ... في نحو ذلك فلا أريد الآن أن أتحدَّثَ عنه ، وإنما أردت أن أتحدَّث عمَّا يتعلق بالتقليد في الاجتماعيات والعادات والتقاليد ، من الثابت في فلسفة الاجتماع كما يقولون اليوم أن الأمم بلغاتها وتاريخها وعاداتها ، وأن أيَّ أمة تناسَتْ هذه الأصول والقواعد فمعنى ذلك أنها بدأت تحفر قبرها بيدها ، وتضيِّع من شخصيتها ، وتنماع وتمتزج مع غيرها حتى تصبح نسيًا منسيًّا ؛ ولذلك نجد الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - اهتمَّ بناحية تقليد الأعداء والكفار ، فنهى عن ذلك أشدَّ النهي ؛ سواء ما كان ذلك من الكبائر أو الصغائر ، أو بمعنى آخر : سواء كان ذلك ممَّا يستعظمه الشرع أو يستصغره ؛ لأنكم تعلمون جميعًا أن المخالفات فيها الكبيرة وفيها الصغيرة ؛ ولذلك جاء بمبدأ النهي عن اتباع الكفار وتقليدهم ، ومن أشهر الأحاديث التي وَرَدَتْ في ذلك قولُه - صلى لله عليه وآله وسلم - : ( لتتبعنَّ سننَ مَن قبلكم شبرًا بشبر ، وذراعًا بذراع ؛ حتى لو دخلوا جحر ضبٍّ لَدخلتموه ) . هذا الحديث في " صحيح البخاري " ، في رواية في الترمذي وغيره .

= -- ألا تجلس يا أستاذ ؟! أنا آسف على إيقافك ، سقاك الله الكوثر -- =

في رواية الترمذي عطفًا على الرواية السابقة في " صحيح البخاري " : ( حتى لو كان فيهم مَن يأتي أمَّه على قارعة الطريق لَكان فيكم من يفعل ذلك ) ، وسبحان الله !! بل ولا عجب ، فإنما ينطق من الوحي ، (( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى )) ؛ فنحن نرى هذا الخبر يعني ينطبق على المسلمين ويمشون في اتِّباع الآخرين تقليد الأعمى ؛ ففي هذا الحديث نهي الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - المسلمين أن يقلِّدوا الآخرين ؛ لأن هؤلاء الآخرين لا يكونون في منطلقاتهم في حياتهم إلا في ضلال مبين = -- ويرحمك الله -- = إذًا وجاء الحديث الآخر ليؤكِّد هذا التحذير الذي جاء في صورة الإطلاق : ( لَتتبعنَّ سنن مَن قبلكم ) ، ولا يخفى على جميع الحاضرين هذا الخبر بمعنى النهي ، وبلا شك أن الذين سينتهون هم الذين يحبُّون الرسول - صلى الله عليه وسلم - ؛ وذلك دليل المحبة من الله له كما قال - تعالى - : (( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ )) جاء ليؤكِّد هذا التحذير في ضمن هذا الخبر الصحيح السابق الذكر في حديث آخر ؛ ألا وهو قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( بُعثْتُ بين يدَي الساعة بالسيف حتى يُعبَدَ الله وحدَه لا شريك له ، وجُعِلَ رزقي تحت ظلِّ رمحي ، وجُعِلَ الذُّلُّ والصَّغار على مَن خالف أمري ، ومَن تشبَّهَ بقومٍ فهو منهم ) . ففي نهاية هذا الحديث ينهى الرسول - عليه السلام - المسلمين أن يتشبَّهوا بأعدائهم الكافرين ، ويقول : إنَّ من فعل ذلك يكون منهم .

طبعًا لا يعني الحديث كما قد يتوهَّم منه بعضُ السَّطحيين في فهمهم لدينهم أنهم يصبحون بذلك من الكافرين ، وإنما يعني الرسول - عليه السلام - في مثل هذا الحديث كقوله في الحديث المشهور : ( مَن غشَّنَا فليس منَّا ) ؛ فهو لا يعني - عليه الصلاة والسلام - في هذا أو ذاك أنه ارتَدَّ عن دينه ، وإنما يعني أنه فَعَلَ فِعْلَ الكافرين ، كما قال - مثلًا - : (( وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ )) ، فإذا صار المسلمون أو بعضهم شيعًا (( كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ )) لا يعني أنهم خرجوا من الدين كما تخرج الشعرة من العجين ، وإنما يعني أنهم خالفوا شريعة الإسلام التي جاء بها الرسول - عليه الصلاة والسلام - ، فحذَّرهم ربُّ العالمين في هذه الآية بقوله : (( وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ )) أي : عملًا واقتداءً وتقليدًا ، (( وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ )) إيش ؟ (( فَرَّقُوا دِينَهُمْ )) - وفي رواية : " فارقوا دينهم " - (( وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ )) ، فقوله - عليه الصلاة والسلام - في الحديث السابق : ( مَن تشبَّهَ بقومٍ فهو منهم ) يعني عملًا وليس ردَّةً .

مواضيع متعلقة