في حديث الشفاعة جاء : ( لم يعملوا خيرًا قط ) ، هل هذا خرج مخرج الغالب كحديث الذي قتل مئة نفس فقالت ملائكة العذاب : ( إنه لم يعمل خيرًا قط ) ، مع أنه جاء تائبًا إلى الله ؛ فليس في الحديث أنهم كانوا لا يصلون ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
في حديث الشفاعة جاء : ( لم يعملوا خيرًا قط ) ، هل هذا خرج مخرج الغالب كحديث الذي قتل مئة نفس فقالت ملائكة العذاب : ( إنه لم يعمل خيرًا قط ) ، مع أنه جاء تائبًا إلى الله ؛ فليس في الحديث أنهم كانوا لا يصلون ؟
A-
A=
A+
السائل : ... الحديث الذي هو حديث الشفاعة ، ذكر لي بعض الإخوة يعني أنُّو هناك يرد على حديث الشفاعة الذي في آخره : ( أخرجوا مَن وَجَدْتُم في قلبه مثقال ذرَّة من إيمان ) ، يعني شفاعة الله ورحمة الله بالنسبة لأقوامٍ لم يعملوا خيرًا قط ، قال هذا خاصَّة الأخيرة ، ( لم يعملوا خيرًا قط ) مثل لفظ الحديث الذي قتل المئة ، فقالت ملائكة العذاب أنه لم يعمل خيرًا قط ، مع أن الرجل أتى تائب ، وقد عمل خير ، فهذا إشكال لم يعمل خيرًا قط ، مع أن هذا الرجل يؤمن بالله ويشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ، كيف الجواب عن هذا الإشكال ؟ مَن قال إنما هذا خرج مخرج الغالب اللي هو لم يعمل خيرًا قط ؟

الشيخ : ... .

السائل : القضية أنُّو رَدَّ هذه الجزئيات بأن تارك الصلاة كافر ، إذا قلنا أن هذا ما ينفع العمل مع ... إذا ترك الصلاة .

الشيخ : أوَّلًا : شو علاقته بحديث أنُّو الشفاعة اللي ذكرناها نحن أنُّو هؤلاء إخواننا كانوا يصلون و و إلى آخره ... ثم يشفعون للوجبة الأخرى ، ما علاقة هذا الحديث بهذا ... ؟

السائل : يعني قوله : ( لم يعمل خيرًا قط ) أي : ليس في معناه .

الشيخ : ما في ... يا أخي ، خلِّيه يؤوِّل حديث : ( لم يعمل خيرًا قط ) بما يشاء ، لأن ليس موضوعنا الآن فيه ، موضوعنا أنُّو هذا حديث صحيح وصريح أن الله - عز وجل - أَذِنَ للمؤمنين الصادقين من أهل الجنة بأن يشفعوا لإخوانهم الذين كانوا معهم كانوا يصومون يصلون لكن ما نراهم معنا ، فيستأذنون ربَّهم بأن يشفعوا لهم فيأذن لهم ، خرجت أول وجبة ، الوجبتين الذين كانوا يصومون يصلُّون ... فاستحقُّوا بها أن يدخلوا النار ، فأُخرِجوا بشفاعة الصالحين هؤلاء ، ثم يُؤذن لهم بإخراج وجبة أخرى ، هذه الوجبة الأخرى ... أو مثل أولئك المصلين ، فأنا أتساءل الآن ما علاقة حديث : ( لم يعمل خيرًا قط ) بهؤلاء الذين أُخرِجوا بشفاعة الصالحين ... ولم يكونوا من المصلين ؟ شو وجه العلاقة ؟

السائل : وجه العلاقة أنُّو يعني الفهم القائم لعله أن الوجبة الثانية ( أخرجوا مَن في قلبه مثقال ذرَّة أو مثقال دينار ) لا ينفي أنهم غير مصلين ، لا ينفي أنهم ... .

الشيخ : ... الذين كانوا يصلون أُخرِجوا ؛ أول وجبة .

السائل : أيوا ، والآخرين هل ينفي ... ؟

الشيخ : ... طبعًا ؛ لأن الذين قالوا هذه الجملة إخواننا كانوا يصلون معنا ويصومون وما نراهم معنا شفعوا لهم فأخرجوهم ، فلما أذن لهم بأن يشفعوا لجماعة ثانية هؤلاء ليسوا فيهم ... ولذلك أنا أتساءل إيش علاقة هذا الحديث بهذا ؟

السائل : إذًا هنا ... .

الشيخ : التصنيف والترتيب هو الذي جَعَلَنا نحن نستدل بالحديث على أن تارك الصلاة إذا كان مؤمنًا كما قلنا آنفًا في التفريق بين الكفر الإعتقادي والكفر العملي ؛ إذا كان مؤمنًا بالصلاة لكنه لم يكن يصلي كسلًا وهَمَلًا وليس عن ... إنكار فهؤلاء يُشفع لهم ... .

السائل : إذًا انقطع الإشكال هذا ، إنما السؤال الآن توجيه هذه العبارة بحيث أنه لم يعمل خيرًا قط ، ولا يدخل الجنة إلا المؤمن .

الشيخ : إيش معنى لا يدخل الجنة إلا مؤمن ؟ ... فأنا بأقول تارةً : بلى ، وتارةً : لا ، لا يدخل الجنة إلا مؤمن مع السابقين الأولين مؤمنًا كاملًا ، أو على الأقل رجحت حسناته على سيئاته ، أما إذا كان مؤمنًا ، لكن له سوابق له سيِّئات إلى آخره ؛ فهذا إن لم تشمَلْه مشيئة الله ومغفرته كما قال الله - عز وجل - : (( إِنَّ اللَّه لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ )) ؛ إن لم تشمَلْه مغفرة الله فيدخل النار لِيُعذَّب ما يشاء ؛ حينئذٍ كما قلنا في الحديث السابق : ( مَن قال : لا إله إلا الله ؛ نَفَعَتْه يومًا من دهره ) ؛ أي : تكون هذه الشهادة مش الشهادة بمقتضياتها إلا بحقِّها كما جاء في الحديث : ( أمرت أن أقاتل الناس ) هذا بالنسبة للمؤمنين ... أما بالنسبة للمؤمنين العصاة .... شهادة أن لا إله إلا الله ، هذا هو الإيمان وهذا أقل ذرة إيمان ؛ أي : لم يكن هناك يعني التزام بحقوق شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ، هذه الحقوق إذا التزمها الإنسان قد يدخل الجنة " ترانزيت " مع السابقين الأولين ، وقد يدخلها بعد الحساب ويكون ... نوع من العذاب ، ولكنه لا يدخل النار إلى آخره ، فهناك المهم يعني درجات ، أما إذا افترضنا أشقى الناس مات وهو يشهد أن لا إله إلا الله ؛ فهذه الشهادة تنفعه ... ولا تجعله من المخلَّدين في النار ، فحينما نحن نقول : أنُّو تارك الصلاة كافر ؛ أي : مرتد عن دينه ؛ ما هو الكفر ؟ الكفر ما هو ؟

لا يمكن أن نتصوَّر عالمًا حقًّا لا يوافق على هذا التفصيل الذي استفَدْناه من شيخي الإسلام ابن تيمية وابن قيم الجوزية ؛ كفر عملي وكفر اعتقادي ، لا بد من هذا التفصيل ، وإلا أُلحِقَ مَن لا يتبنَّى هذا التفصيل بالخوارج ولا بد ، فالذين يكفِّرون تارك الصلاة ليس عندهم حجة إطلاقًا قاطعة في الموضوع سوى ظواهر النصوص ، طيب ، هذه الظواهر من النصوص مُعارَضَة بظواهر النصوص الأخرى ، فلا بد من التوفيق بينها ، فبماذا نوفِّق ؟ نوفِّق مَن ترك الصلاة مؤمنًا بها ، معترفًا بشرعيَّتها ، معترفًا في قرارة نفسه بأنه مقصِّر مع الله - تبارك وتعالى - في إضاعته إياها ؛ هذا بلا شك ... أما أن يسوِّي بين هذا وبين ذاك المشرك الذي لا يعترف لا بصلاة ولا بزكاة أنا أستغرب جدًّا كيف نسوِّي بين مَن كفره كفر اعتقادي وعملي ؟ المشرك كافر كفرًا اعتقاديًّا وعمليًّا ؛ أي : هو يُنكر الشريعة الإسلامية بحذافيرها ، ومنها الصلاة ؛ فهو إذًا لا يصلي ، فهو إذًا كافر كفر اعتقادي وكفر عملي ، ذاك المسلم وقد يصلي أحيانًا كما هو الواقع في كثير من المسلمين التاركين للصلاة ؛ كيف نقول هذا كهذا ؟ يا أخي هذا ليس كهذا ، هذا يخالف هذا تمامًا في العقيدة ، هذا المشرك لا يشهد بلا إله إلا الله محمد رسول الله ، ولا بلوازمها ، لا يؤمن بذلك كله ، أما هذا المسلم الفاسق الخارج عن طاعة الله وعن طاعة رسول الله يخالفه مخالفةً جذريَّة ، فهو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ، ويؤمن بكل لوازمها ، ولكنه غَلَبَه هوى النفس ، غَلَبَه حبُّ المال ، غلبه إلى آخره ، من معاذير ليست معاذير له تشفع بأن يترك الصلاة ، لكنها معاذير تشفع له عند الله يوم القيامة أنُّو أنا آمنت بالله ورسوله ، لكني قصَّرت ، فالتسوية بين هذا وهذا بلا شك أنه ظلم ، وأنه ميزان جائر غير عادل .

هذا مع الأدلة الأخرى الكثيرة والكثيرة جدًّا التي أشرنا إليها في الدروس السابقة أنُّو مجرَّد ما قال : ( مَن ترك الصلاة فقد كفر ) مش معناها ارتَدَّ عن دينه ؛ لأن ( مَن حَلَفَ بغير الله فقد كفر ) مش معناها أنُّو ارتدَّ عن دينه ، مثل هذا التعبير كثير وكثير جدًّا في أحاديث الرسول - عليه السلام - ؛ فما الذي يحمِلُنا على أن نفسر ( مَن ترك الصلاة فقد كفر ) أي : ارتدَّ عن دينه ، ( مَن حلف بغير الله فقد كفر ) ما ارتدَّ عن دينه ، ما هو ؟ أنا أقول : هذا وهذا قد يلتقيان وقد يختلفان ويفترقان ، ( مَن ترك الصلاة فقد كفر ) جحودًا ارتدَّ عن دينه ، ( مَن حَلَفَ بغير الله فقد كفر ) جحودًا لهذا الحكم أُلحِقَ بالأول ؛ أي : فهو كافر ، ( مَن ترك الصلاة فقد كفر ) معترفًا بترك الصلاة ويراها لا يجوز وكفر عملي فهذا لا نكفِّره ، ( مَن حَلَفَ بغير الله - عز وجل - ) ، فمعذرةً أنا ما أعرف هذا ، فإن ذكَّرناه ، إي والله غلبت عليَّ العادة ، هذا لا يكفر كفر اعتقاديًّا ، هذا يكفر كفر عملي ، الأحاديث والنصوص كلها تتجاوب بعضها مع بعض ، وتضطرُّنا اضطرارًا فكريًّا عقديًّا أنُّو ما نقع في حيص بيص ، هون كفر ارتدَّ عن دينه ، هون ما ارتدَّ عن دينه ، هو يؤمن بأن هذا ... هون لا ، كَفَرَ يعني عصى الله - عز وجل - وكفر كفرًا عمليًّا ، إلى آخر ما هنالك من أشياء كثيرة وكثيرة جدًّا .

ولذلك أنا استغربت قولك أن هذا لم يعمل عملًا أو خيرًا قط ربطُه بموضوع حديث الشفاعة ؛ لا ، نحن لاحظنا التفصيل المذكور في هذا الحديث الصحيح الذي يُشعِرُنا تمامًا أن هناك معذَّبين في النار كانوا مصلِّين أُخرِجُوا ، دخلوا النار ليس بسبب تركهم للصلاة ، وإنما قد يزني ، قد يسرق ، قد يأكل الربا ، إلى آخره ، قد يخرجوا النار كما جاء في بعض الأحاديث : ( بذنوبٍ اجترحوها ) ، لكن في الوقت نفسه كانوا مع المصلين ؛ ولذلك إخوانهم المصلُّون الصالحون قالوا : يا ربنا ، لا نرى معنا إخواننا الذين كانوا يصلُّون معنا ، فالله - عز وجل - تفضَّلَ وأمَرَهم بأن يشفعوا ، فشفعوا لهم ، قالوا : إخواننا ما ذكروا ... يصلون معنا ويصومون ، فأخرِجُوا مَن عرفتم منهم ، أخرجوهم ... هذا التفصيل هو الذي جعلنا نحتجُّ بالحديث ، ونحن لم نكن من قبل نحتجُّ بهذا الحديث ، عندنا أشياء كثيرة وكثيرة جدًّا ، لكن الحديث هذا في الحقيقة جاء نورًا على نور ، أوضح لِمَن كان غافلًا أن هذه المسألة فيها غلوُّ من بعض المشايخ والعلماء ، ويكفي في ذلك أن تعلموا أن جماهير العلماء المجتهدين حتى الإمام أحمد الذي يُنسب إليه القول بتكفير تارك الصلاة كسلًا هي روايات كثيرة أنا ذكرتها ... .

السائل : ... .

الشيخ : يقولون أنُّو لو كان هذا مرتد عن دينه بترك الصلاة متى يؤمن ؟ متى يصبح مؤمنًا إذا ارتدَّ عن دينه ؟ لا بد أن يجدِّد إيمانه ؛ لا ، هو بيقول أنُّو يأمره بقضاء الصلاة وبس يعني ، حتى أذكر في رواية - وأنا أنسى كثيرًا - أنُّو إذا كان عنده عمل مضطر ليعتاش به يسمح له بأن يترك الصلاة أي : قضاءها حينما يتيسَّر له ، هذا الإمام أحمد إمام السنة ، ولذلك فأنا أرى أن المسألة أُخِذَت بشيء من الشدة أكثر من اللازم .

مواضيع متعلقة