خطورة أخذ شيء من العلوم الدينية عن الأمم الأخرى وجواز الاستفادة منهم في العلوم الدنيوية . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
خطورة أخذ شيء من العلوم الدينية عن الأمم الأخرى وجواز الاستفادة منهم في العلوم الدنيوية .
A-
A=
A+
عيد عباسي : ونحن نعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد نبَّهَ إلى خطورة ذلك وقد حذَّر منه ، ويكفينا في الدلالة على ذلك حديث عمر - رضي الله عنه - حينما كتب صحائف من التوراة فرآها - عليه الصلاة والسلام - فسأله عنها ، فقال : إنه كان له صديق يهودي ، وإنه نسخَ منه بعض صحائف من التوراة ، فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غضبًا شديدًا قال : ( أمتهوِّكون أنتم كما تهوَّكت اليهود والنصارى ؟! والذي نفسي بيده ؛ لو أنَّ موسى بن عمران كان حيًّا لَمَا وَسِعَه إلا أن يتَّبَعَني ) . فهو - عليه الصلاة والسلام - يعلن أنه لا هدي إلا الهدي الذي جاء به عن ربِّه ، ولا يجوز لأحد أن يكون متَّبَعًا وأن يكون إمامًا وأن يكون قدوةً وأن يكون مرضيًّا من اتباع ومأخوذًا عنه الهدي إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهذا يشير إلى أنه لا يجوز للمسلمين أن يأخذوا دينَهم ولا هدايتَهم ولا إرشادَهم ولا أخلاقَهم ، ولا كل شيء من الأفكار والتصورات والقيم والسلوك عن أيِّ أمة أخرى ، وما السبب في ذلك ؟

السبب أن الله - عز وجل - أرسل إليهم الهدى كاملًا ، واختصَّهم بالفضل عامًّا كاملًا ؛ فليسوا بحاجةٍ إلى هدي آخر ، وليسوا بحاجةٍ إلى إرشاد قوم آخرين ، قد أخبَرَهم الله - عز وجل - أنه أكمل لهم الدين ، وأتمَّ عليهم النعمة ، ورضي لهم الإسلام دينًا ؛ (( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا )) . فالذي يلجأ إلى غير حديث الوحي الذي جاء به محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - فإنما يعتقد بطريق المفهوم أن هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير كافٍ ! وأن هناك هدي آخر وخير آخر يمكن أن يلتمسَه لدى الأمم الأخرى ، وهذا مؤدَّاه الكفر ، وإن كان كثير لا يفقهونه ولا يقصدونه .

فهذا النَّصُّ وحدَه كاف في التحذير من اللجوء إلى طرائق الدول الأخرى وهديها في أفكارها وعقائدها وأخلاقها وقيمها ، وبالطبع فإن هذا لا يشمل الأمور الدنيوية حتى يقول قائل : إن الإسلام حجَّرَ على العقول ، وإنه ضيَّقَ على الأفكار ؛ لأن العلوم المختلفة هي عامة شاملة لدى الأمم الأخرى ، ولا يمكن أن نُهمِل أو أن نفرح ما يأتي به الأجانب وغيرُ المسلمين من تقدُّم علمي ومن تفوُّق حضاري في بعض العصور ، هذا صحيح ؛ فإن العلم الدنيوي غير خاصٍّ بالمسلمين ، والعقل الإنساني يعمل ، والأمم الأخرى تعمل وتنهض ، والحضارة والتقدُّم العلمي الدنيوي كما يُقال هو متداول بين الأمم ، فيومٌ يكون من حظِّ هذه الأمة ويوم لتلك ، وهي جميعًا تسير وتعمل وتبني هذه الحضارة المادية ، في ناحية العلم لم يحرِّج علينا ربُّنا - سبحانه وتعالى - أن نأخذ عنهم العلم الدنيوي المحض الصناعي الذي فيه - مثلًا - علم الزراعة ، علم الكيمياء ، علم الفيزياء ، علم الفلك ، ولكن بشريطة أن لا يخالفَ شيء من هذه العلوم ومن هذه المبتكرات ما جاءنا به الإسلام الحنيف ؛ لأن هناك من مبتكرات العلم ومن نظرياته أمورًا قد نجدها تخالف الإسلام ، فلا يجوز أن نقبلها ؛ لأن الإسلام حقٌّ لا يتطرَّق إليه الريب والشك ، أما هذه العلوم فهي إنتاج بشر ، وهي من ابتكار ناس يحتمل ، يحتملون الخطأ والصواب ، ولا يخلون من أغراض ومن أهواء ؛ فلذلك إذا اقتضى النَّصُّ الشرعي الواضح الصريح القطعي لنظرية علمية أو أفكار حديثة ، فيجب أن تكون ثقتنا بما جاءنا عن الله ورسوله لا غير ، فيجب أن نقدِّمَه على هذه الأمور التي تأتينا من آخرين .

قلت : لا حرج من قبول هذه العلوم بهذا الشرط ، وعمدتنا في ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث في الحديث المشهور الذي هو حديث تأبير النخل ، وخلاصته أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما جاء المدينة وَجَدَ أهل المدينة يؤبِّرون النخل فقال ، سألهم عمَّا يفعلون ، فقالوا : شيء اعتدنا عليه . فقال : ( لو لم أن تفعلوا لَكان خيرًا ) ، فتركوه ، فنقصت ثمرته ، فأخبروا النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك فيما بعد ، فقال : ( إذا حدَّثتكم عن أمرٍ من أمور دينكم فخذوا به ، وإذا حدَّثتكم عن أمرٍ من أمور دنياكم ؛ فأنتم أعلم بأمور دنياكم ) أو كما قال - عليه الصلاة والسلام - .

إذًا هناك أمران أو نوعان من الأمور : أمور دينية تتضمَّن العقائد والأخلاق والأفكار والتصوُّرات والقيم والثقافة والأدب ، فهذه يجب أن لا نقبلها إلا عن طريق ... ولا نأخذها إلا من طريق الوحي الصادق الصحيح الذي جاء به - عليه الصلاة والسلام - ، وهناك أمور دنيوية بحتة ... وعلمية ، فيجوز أن نأخذها منهم ، بل يجب ؛ لكن بالشرط السابق أن لا نأخذ ما يخالف ما جاءنا به الوحي الصادق وعن طريق خاتم النبيِّين - عليه الصلاة والسلام - .

مواضيع متعلقة