ما حكم الإقامة في بلاد الكفر إذا كان يستطيع أن يمارس شعائر الدين بخلاف بلده المسلم ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ما حكم الإقامة في بلاد الكفر إذا كان يستطيع أن يمارس شعائر الدين بخلاف بلده المسلم ؟
A-
A=
A+
السائل : بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وسلم تسليمًا كثيرا .

الحمد لله الذي هيأ لنا الأسباب حتى اجتمعنا بفضيلة الشيخ ناصر الدين الألباني - حفظه الله - جئنا من بلد هولندا ولنا بعض الأسئلة نريد أن نطرحها على الشيخ حفظه الله ، تمكنا في خلال فترة الحمد لله أن ننشئ بعض المراكز في هولندا ، وعندنا الآن ما يقرب من عشرين مدرسة إسلامية معترف بها من قبل تلك الدولة ، وعندنا دعاة الحمد لله من بينهم أحمد سلام أبو صهيب من دمشق ، والأخ عماد الدين بكر إسماعيل ، وبعض الإخوة من جنسيات مختلفة ، فالوضع هكذا ، فما هو حكم الإقامة في تلك البلاد ، بحيث أن الإنسان يستطيع أن يمارس سائر شعائره التعبدية دون أن يتعرض إلى مضايقة أو اضطهاد من قبل أولئك ، بالمقابل في بلده لا يستطيع ، فما هو حكم الإقامة في هذه البلاد ؟

الشيخ : إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ؛ أما بعد :

فمما لا شك فيه عند أهل العلم أن إقامة المسلم في بلاد الكفر مهما كانت أخلاقها فما دامت أنها بلاد كفرٍ فلا يجوز الإقامة فيها ، والأحاديث التي وردت في هذا الصدد كثيرة وكثيرة جدًا ، وفي اعتقادي أن هناك أشرطة كثيرة مسجل فيها جواب مثل هذا السؤال ، فإن كان ليس عندكم شيء من هذه الأشرطة فالبسط العلمي يوجب عليّ أن أذكركم ببعض هذه الأحاديث ، ثم الإفاضة حولها في تأكيد ما تضمنتها من المعاني والتوجيهات الإسلامية الصحيحة ، فهل عندكم شيء من هذه الأشرطة أم لا ؟

السائل : لا ، ما عندنا .

الشيخ : لا ما عندكم ، فأقول - تأكيدًا لما سبق - : إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، كما تعلمون أكد استمرار الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام حتى يرث الله الأرض ومن عليها ، فالهجرة ماضية إلى يوم القيامة ، ولا يخفى على أحدكم إن شاء الله أن الهجرة التي يتحدث الرسول عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث إنما المقصود منها هجرة المسلمين الذين يهديهم الله عزَّ وجلّ وهم في بلاد الكفر أن يهاجروا منها إلى بلاد الإسلام ، وليس العكس ، فالعكس منهي عنه في تلك الأحاديث التي أشرت إليها آنفًا ، منها قوله صلى الله عليه وسلم : ( أنا بريءٌ من مسلمٍ يقيم بين ظهراني المشركين ) .

كذلك قوله عليه الصلاة والسلام : ( المسلم والمشرك لا تتراءى نارهما ) وهذا كناية عن أن المسلم لا يجوز أن يقارب في سكنه ، في منزله ، في خيمته منزل المشرك أو خيمته ؛ لأنكم تعلمون أن من عادة العرب أنهم كانوا يسكنون تحت الخيام ، وأنهم كانوا يوقدون النار أمامها ، فكنى الرسول عليه السلام عن وجوب ابتعاد المسلم في منزله عن منزل المشرك فقال : ( لا تتراءى نارهما ) أي : إذا أوقد كل من المسلم والمشرك النار أمام منزله ، أمام خيمته ، فلبعد المسافة بينهما لا يكاد يرى أحدهما نار الآخر ؛ فإذًا الحديث حينما يقول : ( المسلم والمشرك لا تتراءى نارهما ) فهو كناية عن عدم المخالطة ، وعن وجوب ابتعاد المسلم عن المشرك في سكنه ، في مخالطته ، وأكد هذا المعنى قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر ألا وهو قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( من جامع المشرك فهو مثله ) .

المقصود هنا : في كلمة ( جامع ) أي : المخالطة ، ولأن الرجل يجامع زوجته فيخالطها أشد ما يمكن من المخالطة ، لكن أصل الكلمة تفيد مطلق المخالطة والمجامعة ، ولذلك فلما قال عليه الصلاة والسلام : ( من جامع المشرك فهو مثله ) أي : من خالطه ، والسر في نهيه عليه الصلاة والسلام عن مساكنة المسلم للمشرك : جاء في المثل المشهور في بعض البلاد ، ألا وهو قوله : " الطبع سراق " وهذا بلا شك مما قعده وأسس هذا المعنى إنما هو نبينا صلوات الله وسلامه عليه في بعض الأحاديث الصحيحة التي وردت عنه .

من أشهر هذه الأحاديث ومن صحاحها : قوله عليه الصلاة والسلام : الجليس الصالح ( مثل الجليس الصالح كمثل بائع المسك إما أن يحذيك ) أي : يعطيك مجانًا ، ( وإما أن تشتري منه ، وإما أن تشم منه رائحةً طيبة ) وهذا معناه : أن النبي صلى الله عليه وسلم يؤكد استفادة المسلم من مجالسة المسلم الصالح ولا بد ، ويضرب على ذلك مثلاً بائع المسك ، فهو إما أن يعطيك مجانًا ، وهذا أكبر فائدة ، وإما أن تشتري منه بدراهمك وفلوسك ، وهذه فائدة تلي تلك ، وإما على الأقل أن تشم منه رائحة طيبة .

أما مثل الجليس السوء فهو كالحداد : إما أن يحرق ثيابك وإما أن تشم منه رائحةً كريهة ، فإذًا أنت أيها المسلم لا تخلو من مخالطة الصالح من استفادة منه بوجه من وجوه تلك الاستفادات التي ذكرها الرسول - عليه السلام - كما أنك لا تنجو من أن تتضرر من مخالطتك للجليس الطالح ، ومثاله : الحداد ، ( إما أن يحرق ثيابك وإما أن تشم منه رائحة كريهة ) .

من هنا جاءت الأحاديث تأمر بمصاحبة المسلم للمسلم ، فقال - عليه الصلاة والسلام - : ( لا تصاحب إلا مؤمنًا ، ولا يأكل طعامك إلا تقيٌ ) والجملة الثانية في رأيي هي تأكيد للجملة الأولى ( لا تصاحب إلا مؤمنًا ) ؛ لأن المفروض في المسلم أنه لا يدعو من لا يستفيد من علمه ، من خلقه ، من دينه ، وكذلك لا يدعوه إلا من كان مثله ، فقوله عليه السلام في الجملة الثانية : ( ولا يأكل طعامك إلا تقي ) تأكيد لمعنى الجملة الأولى ، أي : لا تدعو إلى دارك إلا من كان تقيًا مؤمنًا .

هذا الحديث أيضًا يؤكد المعاني التي تجمعت في الأحاديث السابقة.

مواضيع متعلقة