كيف تكون إقامة الحجة على الحاكم الذي يحكم بغير ما أنزل الله ؟ ومن يقوم بإقامة الحجة ؟ وما نوعها .؟ وهل لا بد من لقائه .؟ وبيان ما في الثورات والانقلابات من مفاسد عظيمة وبيان معنى ( لا إكراه في الدين ) . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
كيف تكون إقامة الحجة على الحاكم الذي يحكم بغير ما أنزل الله ؟ ومن يقوم بإقامة الحجة ؟ وما نوعها .؟ وهل لا بد من لقائه .؟ وبيان ما في الثورات والانقلابات من مفاسد عظيمة وبيان معنى ( لا إكراه في الدين ) .
A-
A=
A+
السائل : فضيلة الشيخ بالنسبة لقضية التكفير وبخاصة تكفير الحكام فإن القول عندنا فيما يخص هذه المسألة وقول أهل السنة والجماعة في عدم التكفير العيني ، لكن نريد من فضيلتكم إلقاء الضوء على فرع من فروع هذه المسألة ، ونعلم أنه لا يمكن أن نكفر شخصا بعينه ، كالحاكم مثلا الذي لا يحكم بما أنزل الله ويزعم أنه مسلم وأن دين الدولة الإسلام مع فشو الفساد في بلاده والجهر بالمعاصي ونحو ذلك إلا بعد إقامة الحجة عليه فالأسئلة المطروحة هي كيف تكون إقامة الحجة ؟ ومن الذي يقيمها؟ ومتى يصح أن يقال إننا أقمنا الحجة؟ ثم ما هي نوعية هذه الحجة؟ وهل يشترط في إقامتها أن يعقد لقاء معه؟ ، فهذه أسئلة وإشكالات تعترض طلبة العلم ولا يجدون لها جوابا شافيا فنرجوا من فضيلة شيخنا أن يثلج صدورنا وأن يشفي غليلنا ، بجواب فاصل في هذا الموضوع وأجركم على الله ؟

الشيخ : لا شك أن الحجة هي قال الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإذا عرفنا أن هذه الحجة فبدهي جدا أن نعرف الشيء الآخر وهو جواب شطر من الأسئلة التي جاءت مجموعة ، وهو من الذي يقيم هذه الحجة فالجواب يكون بطبيعة الحال أن الذي يقيمها إنما هو الرجل العالم العارف الدارس للكتاب والسنة ، ومن الخطأ الشائع في هذا الزمان ، أن يتوهم كثيرا ممن ربما لا يصح أن يحشروا بصفوف طلاب العلم فضلا عن أن يقال إنه من أهل العلم ، كثير من هؤلاء نسمعهم في كثير من الأحيان أن فلانا مثلا الصوفي أنا أقمت الحجة عليه وهو طويلب علم مبتديء في العلم ويظن بأنه أقام الحجة وقد يكون ذلك الصوفي عالما ككثير من العلماء العصر الحاضر الذي تخرجوا من بعض الجامعات كجامعة الأزهر وغيرها ، فيكونون عادة أقوياء فيما يسمى عندهم بعلوم الآلة فيأتي يعني شبه طالب العلم ويجادلهم ويناقشهم ثم ينتهي بعد ذلك ليقول بأنه أقام الحجة عليهم لا يقيم الحجة إلا من كان متمكنا في معرفة الكتاب والسنة ، وأقوال السلف الصالح رضي الله عنهم ، كما يقول أو كما يشير إلى ذلك الإمام ابن قيم الجوزية ، في مقالته المشهورة

" العلم قال الله قال رسوله ، قال الصحابة ليس بالتمويه

ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين رأي فقيه "

... إلى آخر الكلام ، فالشاهد أرى أن الذي يقيم الحجة هو العارف المتمكن من الكتاب والسنة وأقوال السلف الصالح ،فما جاء من تضاعيف هذا السؤال ، هل يجب أن تكون إقامة الحجة عليه مباشرة أم لا، الجواب بلا شك أن الحجة الأقوى ،والأنصع والأفضل ، هو مواجهة المنحرف والضال بالحجة وجها لوجه ، لكن إذا كان ذلك قد لا يتيسر أحيانا لبعض الناس ، أو لبعض الدعاة من أهل العلم ، فلا أقل أن يرسل إليه خطاب والآن وسائل الإرسال والتسميع والتبليغ ميسرة تماما بسبل لم تكن متيسرة من قبل فبهذه الطريقة الثانية أيضا يمكن أن يقال إن الحجة قد أقيمت على فلان ، ثم في نهاية المطاف ، إنما يفيدنا هذا التدقيق ، في هذه الأسئلة فيما لو كان الحكم بيدنا نحن ، لو كنا حكاما لأنه يترتب من وراء إقامة الحجة ، تمييز الكافر من المسلم وبخاصة إذا كان هذا المسلم ، كان مسلما وراثيا ، ثم بدر منه ، ما به يخرج عن دينه ،ويصبح مرتدا ، والمرتد في حكم الإسلام يجب أن يقتل ، كما قال عليه السلام: ( من بدل دينه فاقتلوه ) ، فإقامة الحجة لها هذا الأثر فيما لو كان المقيم للحجة بيده سلطة ، أما إذا كان أفراد من الناس ولو كانوا من أهل العلم فأقام الحجة على مثلا الحاكم الفلاني ، ثم استمر هذا الحاكم في طغيانه ، ما يفيدنا شيئا أننا أقمنا الحجة عليه سوى أمام الله عز وجل ، يوم البعث والنشور بحيث إنه لا يبقى له عذر ليقول إن أهل العلم ما علموني وما أفهموني لكن ليس من أثر إقامة الحجة ، ما يتوهم بعض الغلاة من الإسلاميين اليوم ، أننا ما دمنا أقمنا الحجة ، فليس أمامنا إلا الخروج ، هذا الخروج لا يبرر بمثل هذه الإقامة للحجة ، فإقامة الحجة تفيدنا من حيث فقط ، ان يكون هذا الذي أقيمت عليه الحجة ، لا يأخذ بتلابيبنا يوم القيامة ليقول لنا أمام ربنا لماذا لم تدلني على الحق وقد رأيتني منحرفا عنه ، لكن لا يعني ذلك أنه يجوز لنا أن نخرج على هؤلاء لأن هذا الخروج ، مع الأسف التاريخ في العصر الحاضر ، يؤكد بأنه يترتب منه مفاسد كثيرة وكثيرة جدا ، من إزهاق النفوس وقتل الأبرياء النساء والأطفال ونحو ذلك ، لذلك كان مما توارثه الخلف عن السلف في عقائدهم أنه لا يجوز الخروج على الحكام ليس معنى ذلك أن أصل الخروج غير جائز ،و إنما معنى ذلك أن هذا الخروج يترتب منه مفسدة دون أي مصلحة ،وإلا لو افترضنا صورة ، أن أمة أو جماعة من المسلمين استعدوا الاستعدادين اللذين أشرنا إليهما آنفا ، في الإجابة عن قوله تعالى (( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة )) ، استعدوا استعدادا كاملا ، بحيث إنه غلب على ظنهم بأنهم يستطيعون أن يقلبوا نظام الحكم ، حينئذ تأتي مرحلة لا يمكن إلا القول بها ، ولا يسبقن إلى ذهن أحد أنني سأقول إن هذه المرحلة هي تحقيق ثورة أو تحقيق انقلاب لا ، لا يوجد كما صرحت بذلك في بعض تعليقاتي وكتاباتي لا يوجد في الإسلام شيء اسمه انقلاب عسكري أو ثورة دموية أو نحو ذلك ، ولكن كل ما يستطيعه أن يفعله هؤلاء الذي استعدوا هذا الاستعداد بشعبتيه بطرفيه ، الاستعداد الروحي والاستعداد المادي بحيث إنهم ، يستطيعون أن يزيلوا عن الحكم ، الحاكم الذي لا يحكم بما أنزل الله ، ليس بثورة ولا بانقلاب ، وإنما كما قال تعالى: (( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن )) ، الإسلام بلا شك جاء لتكون كلمة الله هي العليا ، كما قال عليه السلام في الحديث الثابت: ( بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي ، وجعل الذل والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم ) وقال عليه السلام في الحديث الصحيح ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، فإذا قالوها ، فقد عصموا دماءهم وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم عند الله تبارك وتعالى ) ، في الوقت الذي بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم لدعوة الناس إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، وبعث بالسيف أيضا ، أنه لم يبعث بالسيف إلا كوسيلة لتحقيق الدعوة ، بمعنى أن قتال المسلمين للكفار ليس غاية ، إنما الغاية الوحيدة هو دعوة الكفار إلى الإيمان بالله عز وجل فمن استجاب فكما جاء في الأحاديث فله ما لنا وعليه ما علينا ، ومن أبى وله أن يأبى بدليل الآية المعروفة ، (( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي )) ، فإن أبى خيّر بين أمرين اثنين، أما أن يدفع الجزية عن يد وهو صاغر ، وإما السيف ، فالسيف جاء في المرحلة الثالثة ، هذه نقطة يجب أن نفهمها جيدا ، لأن أعداء الإسلام من الغربيين أو المتغربين ، يتخذون شبهة مثل هذا الحديث ، ويزعمون أن الإسلام انتشر بقوة السيف ، السيف يأتي كما رأيتم في آخر مرحلة ، من وقف في طريق الدعوة وقفنا في وجهه بالسيف ، ومن ترك طريق الدعوة مفتوحا يمشي إلى آخر المدى فيترك وشأنه على أن يثبت للحكم الإسلامي أنه خاضع لأحكامه ، والدليل على ذلك أنه يدفع الجزية عن يد وهو صاغر ، هذا معروف من أحكام الإسلام حينئذ نعود إلى ما كنا في صدده ، كلمة بحاكم يحكم بغير ما أنزل الله ، وكان عندهم من الاستعداد الروحي والمادي ما يمكنهم من أن يقيموا دولة الإسلام فلا يجوز لهم أن يحققوا ثورة أو انقلابا وإنما عليهم أن يدعوا الحاكم إلى الحكم بالإسلام ، بأن يخيروه أما أن تحكم بما أنزل الله ،و أما أن تفتح الطريق للذين يريدون أن يحكموا بما أنزل الله ، فإن استجاب فبها ونعمت ، لأن الكفار نعاملهم هذه المعاملة ، فأولى وأولى ، إذا كان هو يظهر الإسلام كما جاء في السؤال ، فإن أبى ووقف في وجه هؤلاء الدعاة ، حينذاك لا بد من استعمال السيف لكننا نقول متى ذلك ؟ يكون حينما هؤلاء مستعدين ومتهيئون لمواجهة من يقفون في سبيل الدعوة المسلمة ، أما القيام بثورة أو انقلاب عسكري فهذا لا يجوز ، غيره .

السائل : جزاك الله خيرا ابا محمد.

الشيخ : أنت كذلك ... .

مواضيع متعلقة