تعليق الشيخ الألباني على كلمة الشيخ عيد عباسي ؛ المسألة الأولى : التعليق على أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - كان سلفيًّا . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
تعليق الشيخ الألباني على كلمة الشيخ عيد عباسي ؛ المسألة الأولى : التعليق على أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - كان سلفيًّا .
A-
A=
A+
الشيخ : اثنتان منهما من باب التنبيه والتذكير ، والأخرى من باب التوضيح والتأكيد والبيان .

المسألة الأولى من الاثنتين : جاء في تضاعيف كلام الأستاذ " عيد عبَّاسي " أنه ذكر الشَّيخ " محمد بن عبد الوهاب " - رحمه الله - أنه من أولئك الدعاة السلفيين ، وهو كذلك بلا شك ، ولكن الواقع يشهد بأنه سلفي في العقيدة ، وما دمتم سمعتم شيئًا من التفصيل في كلامه عن الدعوة السلفية ، وأن منها أنها تدعو إلى اتباع الكتاب والسنة كلًّا حسب استطاعته كما سمعتم ، وأنها تحذِّر من اتخاذ التقليد مذهبًا ودينًا ؛ ما دام أن الدعوة السلفية هذا من مذهبها ؛ فيجب أن نعلم أن الشَّيخ " محمد بن عبد الوهاب " - رحمه الله - كان سلفيًّا في العقيدة ، وله الفضل الأول من بعد شيخ الإسلام " ابن تيمية " - رحمهما الله جميعًا - في نشر دعوة التوحيد في العالم الإسلام بصورة عامَّة ، وفي البلاد النجدية والحجازية فيما بعد بصورة خاصَّة ؛ يعود الفضل إليه بعد ابن تيمية ؛ ولذلك فلعلَّ انكبابه واجتهاده في دعوة الناس إلى هذا التوحيد الخالص المصفَّى من أدران الشرك والوثنية بكلِّ التفاصيل هو الذي صَرَفَه عن الاشتغال بإتمام الدعوة السلفية ، وذلك في محاربة الجمود على التقليد وعلى التمذهب الذي صار فيما قبل زمانه وفي زمانه وفيما بعده صار دينًا ؛ كلُّ مَن ترك التقليد نُبِزَ بالزيغ والانحراف ونحو ذلك مما ألمح الأستاذ المحاضر إليه في كلمته السابقة .

وهو من هذه الحيثية - أي : من حيث أنه كان يدعو للتوحيد دون ما سوى ذلك ممَّا يتعلق بالإسلام المصفَّى على ما سمعتم - يختلف عن شيخ الإسلام " ابن تيمية " - رحمه الله - ؛ فإن هذا الشَّيخ الجليل قد دعا إلى الإسلام بعموم الإسلام من كلِّ نواحيه أن يُفهم على الوجه الصحيح على التفصيل الذي سمعتموه ؛ فهو - مثلًا - يحذِّر من الأحاديث الضعيفة ، ويحذِّر من بناء الأحكام الشرعية عليها ، وهو إلى آخر ما هنالك من تفاصيل ذكرها الأستاذ بخلاف الشَّيخ " محمد بن عبد الوهاب " ؛ فلم تكن له هذه العناية لا في الحديث ولا في الفقه السلفي ، فهو من الناحية المذهبية حنبلي ، ومن الناحية الحديثية كغيره ، فليس له آثار في الفقه تدلُّنا على أنه كابن تيمية سلفي المنهج في التفقُّه في الدين ، لعل له في ذلك عذرًا كما ألمحنا إليه آنفًا .

وكذلك في الأحاديث فهو كغيره - مع الأسف الشديد - لا معرفة عنده بالحديث الصحيح والضعيف ، ومن الأدلة التي تدلنا على هذا أن له رسالة مطبوعة متداولة عند أتباعه النجديين حتى اليوم اسمها " آداب المشي إلى المسجد " ، وقد أورَدَ في مطلع هذه الرسالة الحديث المعروف عند السلفيين عامة إلا القليل منهم بضعفه ، أورَدَ الحديث المعروف بضعفه عند عامة السلفيين ؛ ألا وهو حديث أبي سعيد الخدري الذي أخرجه الإمام ابن ماجه في " سننه " من طريق الفُضَيل بن مرزوق عن عطية السعدي ، عن عطية العوفي والسعدي - أيضًا - ، لكن المشهور هو بالعوفي أكثر ، عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج من بيته للمسجد قال : ( اللهم إني أسألك بحقِّ السَّائلين إليك وبحقِّ ممشاي هذا ) إلى آخر الحديث ؛ فهو أوَّلًا أورده دون أن ينبِّهَ على ضعفه ؛ مع أن فيه علَّتين اثنتين ، لو واحدة منهما استقلَّت لَنهضت بتضعيف الحديث ؛ فكيف بالعلتين مجتمعتين معًا ؟!

وثانيًا : إن ظاهر هذا الحديث يخالف ما كان يدعو إليه من عقيدة ومن إخلاص التوحيد والدعوة لله - عز وجل - وهو التوسُّل بالمخلوقين ، فهو كابن تيمية وككلِّ سلفي بصير في سلفيته وفي دعوته يحارب التوسُّل إلى الله بعباد الله - عز وجل - ، وفي هذا الحديث في ظاهره التوسُّل إلى الله بحقِّ السَّائلين ، وبحقِّ هذا العبد الذي يمشي إلى طاعة الله وإلى عبادته ، أقول هذا غيرَ ناسٍ أن الحديث لو صح لَأمكَنَ تأويله كما كنت ذكرتُه في بعض مؤلفاتي ، لكن موضع الشاهد في هذا أنه أورَدَه كأدب من آداب المسجد إذا خرج المسلم من بيته فعليه أن يدعو بهذا الدعاء وهو حديث ضعيف . فهذا يدل على أن شيخ الإسلام الثاني في التوحيد " محمد بن عبد الوهاب " ليس كشيخ الإسلام الأول من حيث أنه كان سلفيًّا في كل الدعوة ، في كلِّ نواحي الدعوة ومجالاتها الكثيرة ، هذه الناحية الأولى أردت التنبيه عليها .

وهذا طبعًا من باب إعطاء كل ذي حقٍّ حقَّه ، نحن بلا شك لا يسرُّنا أبدًا أن ينال أحدٌ من الشَّيخ " محمد بن عبد الوهاب " كما يفعل أعداء الدعوة وأعداء التوحيد ؛ حيث يتَّهمونه بكلِّ ما يُتهم به السلفيون في كل بلاد الدنيا ، ولكن هذا لا يحملنا على الغلوِّ في إعطاء كلِّ شخص من حَمَلَة الدعوة السلفية ما ليس فيه ، فيجب أن نفرِّق بين " ابن تيمية " وبين " محمد بن عبد الوهاب " ، ونعطي كل ذي حقٍّ حقَّه ، من أجل هذا قلت ما قلت ، وإلا فشيخ الإسلام " محمد بن عبد الوهاب " له منزلته في الدعوة عندنا بعد شيخ الإسلام " ابن تيمية " - رحمه الله تعالى - .

مواضيع متعلقة