هل الذي يدخل السجن بسبب نشاطه في الدعوة إلى الله ثم يموت في السجن تحت وطأة التعذيب يُعتبر شهيدًا ، أم أن الشهيد هو يموت فقط من أجل عقيدة التوحيد وليس من أجل جوانب أخرى في الدين الإسلامي ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
هل الذي يدخل السجن بسبب نشاطه في الدعوة إلى الله ثم يموت في السجن تحت وطأة التعذيب يُعتبر شهيدًا ، أم أن الشهيد هو يموت فقط من أجل عقيدة التوحيد وليس من أجل جوانب أخرى في الدين الإسلامي ؟
A-
A=
A+
الشيخ : رقم اثنا عشر : هل الذي يدخل السجن لسبب نشاطه في الدعوة إلى الله أو ما شابه ذلك ثم يموت في السجن تحت وطأة التعذيب يُعتبر شهيدًا ، أم أن الشهيد هو الذي يموت فقط من أجل عقيدة التوحيد وليس من أجل جوانب أخرى في الدين الإسلامي ؟

الجواب : الذي يموت في السجن لسبب نشاطه في الدعوة إلى الله - عز وجل - لا شك أنه يموت خير موتة ، ويموت في سبيل الله - عز وجل - ، ولكن لم يأتِ ذكر مثل هذا أنه من الشهداء ، والشهداء عند أهل العلم قسمين :

شهيد المعركة وهو الأصل في الشهيد ، شهيد المعركة هو الشهيد ، وهو الذي جاءت فيه أحكام الشهداء عند الإطلاق .

ثم هناك قسم آخر : ألحَقَ الشارع الحكيم هذا القسم بالقسم الأول من حيث الفضيلة لا من حيث ترتُّب الأحكام الشرعية التي رَتَّبَها على القسم الأول من الشهداء ؛ ألا وهم شهداء المعركة ، مثلًا يقول الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - : ( الغريق شهيد ) ؛ ( مَن مات غريقًا مات شهيدًا ) ، كذلك مَن مات في البطن ، بداء البطن وهو الاستسقاء مات شهيدًا ، وهناك أحاديث كثيرة كنت جمعتُها في " أحكام الجنائز " كلهم أطلقَ الرسول - عليه السلام - عليهم الشهادة ، من ذلك - مثلًا - المرأة تموت بسبب جنينها ، والرجل أو المرأة يموت بداء السِّلِّ ، كلُّ هؤلاء جَعَلَهم الشارع الحكيم شهداء ، لكن هؤلاء لا يُعاملون معاملة شهيد المعركة ، شهيد المعركة لا يغسَّل ولا يكفَّن ، ويُدفن في ثيابه التي مات فيها ، أما هؤلاء الذين ألحَقَهم الشارع بشهداء المعركة فأحكامهم أحكام كل المسلمين الصالحين منهم والطالحين ، يُغسَّلون ويُكفَّنون ويدفنون كما يُدفن كلُّ المسلمين ، لكن لهم هذه الفضيلة ، هؤلاء شهداء حكمًا ، أما حقيقةً فهو الذي يموت في ساحة المعركة ؛ لو أن رجلًا خرج للجهاد في سبيل الله فرَمَتْه ناقته واندقَّت عنقه فمات ، هذا نقول : مات في سبيل الله ؛ لأنه خرج في سبيل الله ، لكن لا يُعتبر شهيد المعركة فلا يُغسَل ولا يكفَّن ؛ لا ، وإنما يُعامل معاملة موتى المسلمين .

كذلك هذا الرجل الذي سُجِنَ في سبيل دعوته إلى الله فهو مات في سبيل الله ؛ لأنُّو الرجل إذا خرج ليكتسبَ لِيُعيل نفسه وأبويه فهو في سبيل الله ، فكيف لا يكون في سبيل الله مَن مات سجينًا بسبب دعوته ؟! لكن لا نجد نحن في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضلًا عن كتاب الله ما يُلحق هذا النوع بتلك الأنواع الأخرى مما ذكرنا أن الرسول - عليه السلام - سمَّاهم بالشهداء .

ولعل من الحكمة في تضييق دائرة الشهادة على أن الشارع وسَّعَها بعض التوسعة أن يظلَّ لهذه الكلمة قيمتها وقداستها في الإسلام ، ولا يُصبح الأمر فيها أن تصبح مبذولة ؛ فتُطلق هذه الكلمة على أيِّ إنسان حتى على الكفار ، و " جول جمال " ما هو عندكم ببعيد ذكره ، فهذا الرجل شهيد !! وما أكثر الشهداء من أمثاله ! وقريبًا بلغني أنُّو بعض النَّعي الذي أُعلِن بأن فلان مات شهيدًا لأنه مات في طلب العلم ، ثم الله أعلم ما ندري ما هو العلم الذي كان يدرسه ، وإنما أُطلِقَ عليه أنه مات شهيدًا . هذا التوسُّع في إطلاق لفظة الشهادة أوَّلًا فيها مخالفة لحدود الشرع ، ما بيجوز نحن نبهدل هذه الكلمة ونطلقها على أيِّ إنسان ولو مات في سبيل الله ، أنا قلت لكم : الرجل الذي رَكِبَ جواده وانطلق للجهاد في سبيل الله فوقع ومات ؛ مات في سبيل الله ، لكن ما أُطلِقَ عليه أنه شهيد ، كذلك الذي مات في السجن ما أُطلِقَ عليه أنه شهيد ، كذلك الذي مات في طلب العلم ما أُطلِقَ عليه أنه شهيد ، لكن مَن مات في طلب العلم وهو قاصد في ذلك مرضاة الله - تبارك وتعالى - ومخلص في ذلك لله - عز وجل - فهو في سبيل الله ، لكن يجب أن نعلم أن سبيل الله واسع جدًّا ، أما الشهادة فمحدودة بالحدود التي حدَّدَها الشارع الحكيم إما في الكتاب وإما في السنة والسنة الصحيحة .

من الجواب السابق نعلم تمام السؤال وهو قوله : أم أن الشهيد هو الذي يموت فقط من أجل عقيدة التوحيد وليس من أجل جوانب أخرى في الدين الإسلامي ؟

طبعًا عرفتم الجواب ؛ سواء مات في الدعوة في سبيل عقيدة التوحيد سجينًا أو في سبيل الدعوة للإسلام دعوة عامة فهذا وهذا ليس شهيدًا ، لكن المهم أن الشهيد هو الذي أطلقَ عليه الشارع الحكيم اسم الشهادة ، لكن فرق كبير جدًّا بين مَن يدعو إلى التوحيد فسُجِن ومات سجينًا ، ومثالنا في ذلك أشهر الأمثلة شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - ، وهنا نحن نأخذ عبرة شيخ الإسلام ابن تيمية سُجِن في سبيل دعوة التوحيد الخالصة ، وسُجن لأنه كان يشرح للجماهير دعوة " لا إله إلا الله " بحقٍّ ؛ فهو يُفصِّل لهم توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية أو العبادة وتوحيد الصفات ، ففي سبيل بيانه لتوحيد الألوهية وتوحيد الصفات مات سجينًا بسبب ظلم العلماء في زمانه المُعادين لدعوته ؛ فهل وُصِفَ شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - مِن أحبِّ الناس إليه وهو أحب الناس إليهم ؛ هل قالوا عنه : إنه شهيد ؟ إن كان هناك سجين يستحقُّ أن يُوصف بالشهادة فهو شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - ، ولكن نحن نعلم أنه مات في سبيل الله ، وحسبنا هذا ، ورُبَّ إنسان مات في سبيل الله وهو عند الله - عز وجل - ، وهذه نقطة - أيضًا - يجب أن يعلمها جماهير الناس الذين لا يدرسون العلم الشرعي ، وإنما يكتفون بفهم الإسلام فهمًا عامًّا وبالدعوة إلى هذا الإسلام دعوة عامة ، أما التفاصيل فَهُم بعيدون عنها كلَّ البعد ، فهنا حقيقة - أيضًا - يجب أن نذكُرَها في هذه المناسبة ، ربَّ إنسان مات في سبيل الله لا نجد سبيلًا في الشرع أن نسمِّيه شهيدًا يكون أفضل عند الله - تبارك وتعالى - من إنسان نجد في الشرع وصفَه شهيدًا .

إذًا فالمفاضلة عند الله - تبارك وتعالى - لا تكون بمجرَّد أنه استحقَّ اسم شهيد أو لم يستحقَّ ، وإنما المفاضلة تكون بالنسبة للأعمال مجموع الأعمال التي يتقدَّم بها هذا الإنسان سواء مات في سبيل الله أو مات شهيدًا عند الله - تبارك وتعالى - ، فَمَن كان مجموع أعماله عند الله أكثر فهو أعلى درجةً عنده في الجنة من الآخر ، ولو أن الشارع أطلق عليه اسم الشهيد .

هذه ذكرى - أيضًا - والذكرى تنفع المؤمنين .

السائل : إذا قيل في سبيل الله ألا يطلق عليه وصف الشهيد وإن لم يكن في معركة ؟

الشيخ : بحثنا يعود ؛ إذا وجدت نصًّا قل ، وإلا فلا تقل ، هل وجدت ؟ أنا ما وجدت .

السائل : ولا أنا .

الشيخ : طيب ، إذًا عاد السؤال وعاد الجواب .

مواضيع متعلقة