ما أهمية الإخلاص لله تعالى ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ما أهمية الإخلاص لله تعالى ؟
A-
A=
A+
الشيخ : قلت بأن الرجل الذي يشار إليه بالبنان فهو في الحقيقة على خطر ، ما هو الخطر الذي قد يتعرض له ، والإشارة إليه كما قلنا قبل أن يأتي سائر إخواننا هو صالح ، هو عالم ، هو مصلح يفيد الأمة ، ولإفادته بنوع من هذه الفوائد أو غيرها أشير إليه بالبنان وهو من أجل ذلك على خطر ، لماذا ؟ لأنه معرض ليفسد عمله الصالح بأن لا يبتغي بذلك وجه الله تبارك وتعالى ، وبقدر ما هو في خطر بقدر ما هو في أجر بالغ كبير جدا فيما لو ثبت وحفظ نفسه من أن يفسد عمله بأن يحب الظهور وأن يحب الكلام من الناس بأن يقولوا فلان كذا وكذا ، فبذلك يفسد عمله وإلا كان له حسنات تزن جبال الدنيا وتفوقها كثرة ووزنا ؛ أما الخشية التي أشرت إليها آنفا فيكفي في ذلك قول ربنا تبارك وتعالى : (( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين )) وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ، والإخلاص في العبادة تستوجب أن لا يقصد بذلك شيئا من أمور الدنيا أو حطامها ، وقد جاء في الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( أول من تسعر بهم النار يوم القيمة ثلاثة عالم ومجاهد وغني ) هنا تمكن خطورة المشهور بشيء من هذه الأوساط الطيبة العلم والإنفاق في سبيل الله والجهاد كذلك في سبيل الله ، مع ذلك الخطورة تتجلى لنا في هذا الحديث الصحيح ( أول من تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة : عالم ، ومجاهد ، وغني، يؤتى بالعالم يوم القيامة فيقال له أي عبدي ماذا فعلت فيما علمت ؟ يقول يا رب نشتره بين الناس في سبيلك فيقال له كذبت إنما فعلت ذلك ليقول الناس فلان عالم وقد قيل ) وقد قيل. أي إن الذي ابتغيته من وراء عملك وبثك ونشرك إياه بين الناس قد حصلته ، وهو الظهور والإشارة إليه بالبنان كما يقولون عندنا في بلاد الشام وفي سوريا بصورة خاصة " فلان العالم مثل الصحن الصيني من أين ترنه بجاوب " ، ما شاء الله ، في هذا العالم تمكن الخطورة لأنه يخشى قد يكون هو في بادئ أمره قصد العلم لوجه ربه ولكن بسبب تحدث الناس عنه فقد تميل به نفسه إلى حب الظهور ، وقديما قال بعض الصوفية: " حب الظهور يقطع الظهور " وأنا أقول بعض الصوفية لأنه ليس كل ما يقوله الصوفية هو خلاف الشريعة الإسلامية بل فيها ما هو موافق لها وفيها ما هو مخالف لها ؛ لأن الصوفية كمذهب من المذاهب أو طريقة من الطرق لم تنزل من السماء وحيا من الله على شيخ الطريقة وإنما هو رأي واجتهاد وسعي منه إلى إصلاح الناس بطريقة أو بأخرى ، فهذه الكلمة فيها من الحكمة ما شاء الله " حب الظهور يقطع الظهور " معنى مجازي وجميل وجميل جدا ، لذلك أول من ذكرهم الرسول عليه السلام هو العالم لأن مركزه حساس وخطر جدا أن تميل به الأهواء والشهوات وأخطرها ليس حب المال فقط وإنما كمان حب الظهور والجاه والمنزلة ونحو ذلك . الثاني كما قال عليه السلام. عفوا لما قال هذا الرجل ما قال ليقال له وقيل له كذبت ، إنما فعلت ذلك ليقول الناس فلان عالم وقد قيل ، وقد قيل له أو عنه : ( خذوا به إلى النار ) والعياذ بالله ؛ من هو ؟ هو العالم ، المفروض أن يكون كما قال الله عز وجل في الآية الكريمة: (( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات )) وإذا هذا العالم يصبح بعلمه في الدركات من النار والعياذ بالله ، قال في الحديث: ( ثم يؤتى بالمجاهد فيقال له ماذا فعلت بما أنعمت عليك من قوة فيقول: يا رب قاتلت في سبيلك فيقال- والعياذ بالله - له : كذبت إنما جاهدت ليقول الناس فلان بطل ، فلان شجاع وقد قيل - أيضا في حق هذا الرجل الثاني إنه فعلا شجاع وهو الذي رمى إليه بشجاعته - فقيل ، خذوا به إلى النار ) ؛ ولذلك نقف هنا قليلا عند هذا الحديث أن المسلم المجاهد حقا هو الذي لا يبتغي بجهاده كالعالم حقا كلاهما لا يبتغي بعلمه جزاء ولا شكورا إنما كل منهم يجاهد في سبيل الله ، هذا بعلمه وهذا بشجاعته وقوته وبطولته ، فإذا ما انحرف بهم القصد والنية كان عاقبتهم أسوء من عاقبة الجاهل ، لذلك جاء في بعض الآثار وليس في بعض الأحاديث المرفوعة وإنما في بعض الآثار عن السلف الصالح وهو فيما أذكر أبو الدرداء رضي الله عنه قال: " ويل للجاهل مرة وويل للعالم سبع مرات " طبعا التسبيع هنا هو للتكثير وليس للتحديد ؛ لكن المقصود ويل للجاهل مرة لأنه قد يكون معذورا ، وويل للعالم سبع مرات لأنه يكون على خطر ؛ نعود إلى تمام الحديث ( ثم يؤتى بالغني فيقال له: ماذا عملت فيما أعطيتك وأنعمت عليك من مال ؟ فيقول يا رب أنفقته في سبيلك ، فيقال له: كذبت إنما أنفقت ليقول الناس فلان كريم وقد قيل خذوا به إلى النار ) ، ولذلك قال عليه السلام، انتهى الحديث إلى هنا ، عطفا عليه أقول: قال عليه السلام في الحديث الصحيح المتفق عليه بين علماء المسلمين والذي قال فيه بعض العلماء إنه ثلث الدين ، ثلث الإسلام قائم على هذا الحديث المشهور : ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه ) ، فإنما الأعمال بالنيات ؛ أعود إلى أول الكلام فمن كان صالحا ويشار إليه بالبنان فهو على خطر من هذه الحيثية أنه لا يشار عادة لإنسان بالبنان إلا بعد أن ظهر ، وهذا الظهور قد يقصم الظهور ويكسرها بسبب أن يغلب عليه حب الدنيا وأن يغلب عليه كراهية الموت فحينئذ يفسد عمله كله وعلى العكس من ذلك ، فإذا ثبت بعد أن نبت وظهر ولم يتأثر بثناء الناس عليه وبظهوره بينهم فإن له أجرا لا يحصيه أكبر كمبيوتر معروف اليوم في الدنيا ، ذلك لقوله عليه السلام : ( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة دون أن ينقص من أجورهم شيء ) ذلك لأن العالم حينما يدل الناس على الخير فكما جاء في الحديث في صحيح مسلم أيضا : ( الدال على الخير كفاعله ) وفي الحديث الآخر : ( من دعا إلى هدى كان له أجره وأجر من عمل به إلى يوم القيامة دون أن ينقص من أجورهم شيء ) ، فتصوروا معي كم يكون أجر هذا الإنسان الداعي إلى الله المخلص في دعوته إلى الله ، لا يحصيها إلا الله عز وجل عددا ؛ ومن هنا قال العلماء: إن نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو أكثر الأنبياء والرسل أجرا وثوابا لأنه هو الذي كان سبب هداية الأمة ، هداية الأمة والأمة في لغة العلماء تنقسم إلى قسمين : أمة دعوة ، وأمة إجابة ؛ فكل من جاء بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم داخل في أمة الدعوة ، فمن استجاب لدعوة الرسول عليه السلام دخل في القسم الثاني وهو أمة الإجابة أي أجاب الرسول عليه السلام وخضع له ؛ فتصوروا منذ بدأ الرسول عليه الصلاة والسلام بدعوته للناس إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإلى تفصيل هذه الكلمة الطيبة علما وتطبيقا عملا ، تصوروا كم وكم جاء من بعده من الملايين الملايين حسنات هؤلاء ربما يكون الواحد منهم له حسنات كالجبال ، كل هذه الحسنات من كل هؤلاء الأفراد تكتب في صحيفة الرسول عليه الصلاة والسلام ؛ ومن هنا يظهر أهمية العالم العامل بعلمه والمخلص في دعوته إلى الله إلى كتاب الله وإلى سنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ؛ ولكنّ هذا العالم كما يشترط فيه أن يكون عاملا في علمه وأن لا يكون قوالا ليس فعالا ؛ كذلك يشترط فيه أن يكون علمه مستقا فقط من كتاب الله ومن سنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم مع الإخلاص الذي أشرت إليه آنفا ؛ ولهذا قال الله عز وجل في كتابه (( قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين )) ، على بصيرة أنا ، ليس الرسول فقط بل ومن اتبعه عليه الصلاة والسلام ، ولا تكون البصيرة إلا كما قال الله تعالى أيضا في القرآن الكريم: (( فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا )) ، فقد قال العلماء علماء التفسير في هذه الآية أنها دلت على أن النجاة عند الله عز وجل إنما يكون بشرطين اثنين : أن يكون عمله صالحا ، وأن يكون لوجه الله خالصا ؛ أما أن يكون عمله صالحا فواضح في الآية ؛ أما أن يكون لوجه الله خالصا فهو قوله تعالى في آخرها : (( ولا يشرك بعبادة ربه أحدا )) لأن الشرك ليس كما يظن بعض الناس أن تقول إن مع الله خالقا آخر وليس أيضا الشرك فقط أن تعتقد أن فلانا من الأولياء أو الصالحين يستحق شيئا من الخضوع والعبادة من دون الله عز وجل ، ليس هذا وذاك فقط هو الشرك بل أيضا أن تقصد بعمل صالح تقوم به بينك وبين الله ، إنما تقصد به غير وجه الله تبارك وتعالى كما سبق ذكره آنفا وأضيف إلى ذلك أخيرا لأني قد أخشى أن أكون قد أطلت عليكم ، ليكون الحديث بعد ذلك بيننا سجالا ألا وهو قوله عليه السلام : ( بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة والمجد والتمكين في الأرض ومن عمل منهم عملا للدنيا فليس له في الآخرة من نصيب ) ، نسأل الله عز وجل أن يجعل عملنا خالصا وأن يجعله لوجه الله خالصا وأن لا يشّرك أحدا في عملنا هذا الصالح وإنما لوجه الله تبارك وتعالى ؛ هذا ما عنّ في الخاطر الكليل ذكره بتلك المناسبة مناسبة الإشارة بالبنان والشهرة بين الأنام والحمد لله رب العالمين ؛ والآن مدونا بمددكم .

مواضيع متعلقة