هل صحيح أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو أوَّل خلق الله من البشر ؟ وهل صحيح ما يُقال في الرسول - صلى الله عليه وسلم - ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
هل صحيح أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو أوَّل خلق الله من البشر ؟ وهل صحيح ما يُقال في الرسول - صلى الله عليه وسلم - ؟
A-
A=
A+
الشيخ : هل صحيح أن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - هو أوَّل خلق الله من البشر ؟ وهل صحيح ما يُقال في الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - :

" لو أبصَرَ الشيطانُ طلعةَ نورِه *** في وجهِ آدم كان أوَّل مَن سَجَدْ "

هذا لأول مرَّة أنا أسمع هذه الضلالة ، قال السَّائل : هذا ما سمعتُه من المنشدين ؛ ما هو حكم الإنشاد والمديح هذا ؟

أما السؤال الأول فالجواب : ليس صحيحًا أن الرسول - عليه الصلاة والسلام - هو أوَّل ما خلق الله من البشر ؛ لأن هذا من الأمور الغيبيَّة التي لا يجوز للمسلم أن يتحدَّث فيها بالظَّنِّ ؛ لأن الله - عز وجل - يقول في كتابه : (( إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِن الْحَقِّ شَيْئًا )) ، ورسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول : ( إياكم والظَّنَّ ؛ فإن الظَّنَّ أكذبُ الحديث ) ، فإذا قال إنسانٌ ما : إن الله - عز وجل - أول ما خَلَقَ خَلَقَ - ما منقول شخص محمد ، وإنما كما يزعمون - خلق نور محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ، فنحن نقول : قال الله - تبارك وتعالى - : (( مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ [ وَالأَرْضِ ] وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا )) ؛ فمن أين علم هذا الزَّاعم الرَّاجم بالغيب أن الرسول - عليه السلام - أول ما خلق الله خلق نوره ؟ فسيقول : الحديث المشهور : ( يا جابر ، أول ما خلق الله نور نبيِّك ) ، فنقول : هذا حديث ليس له أصل في أمَّهات الكتب الستة المشهورة ولا الستين المعروفة عند أهل الحديث ولا غيرها مما يبلغ المئات من الكتب ، فهذا الحديث ليس له أصل إلا في أذهان الجُهَّال من الذين اتَّخذوا مديحَ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بالحقِّ وبالباطل مهنةً يعيشون من ورائها .

فلا يجوز - عند كثير من العلماء - لا يجوز إثبات عقيدة بحديث صحيح ؛ فإنهم يشترطون - هؤلاء العلماء - يشترطون لإثبات العقيدة أن يكون الحديث متواترًا ، لا يكفي أن يكون صحيحًا فقط ، يعني ولو كان له طريقين أو ثلاثة ، لا بد أنُّو يكون جاء من عشرين طريق ؛ يعني عشرين صحابي حتَّى تثبت العقيدة بذلك الحديث ، فنحن وإن كنا لا نتبنَّى هذا الرأي لأننا لا نفرِّق بين ما جاءنا عن الرسول - عليه السلام - من عقيدة وما جاءنا عنه من حكم ، فكلُّ ذلك يجب اتِّباعه والاستسلام له ، ولكنَّنا نُذكِّر بأنَّ كثيرًا من العلماء اشترطوا أو لمَّا اشترطوا التواتر في الحديث الذي يُراد إثبات العقيدة به ، ما قالوا ما اشترطوا ذلك إلا حرصًا أن يعتقد المسلم ما قد يكون وَهِمَ فيه بعض الرواة .

فمع الأسف نجد جماهير الناس اليوم يعتقدون عقائد قامت على أحاديث ضعيفة ، بل وأحاديث موضوعة كهذا الحديث : ( أول ما خلق الله نور نبيِّك يا جابر ) ؛ لذلك فلا يجوز للمسلم أن يعتقد مثل هذه العقيدة لعدم ورودها في شيءٍ من الأحاديث الصحيحة .

أما البيت المذكور فلا شكَّ أنه ضلال لا يجوز إنشاده فضلًا عن مدح الرسول - عليه السلام - به ؛ لأنَّ مدحك للرجل بالباطل هو طعنٌ في الواقع فيه سواء شاء هذا المنشد أو أبى ، لأنك إذا مدحت إنسانًا بما ليس فيه فكأنك تعني أنه هذا ليس فيه من الممادح الحقيقة القائمة فيه حتى نمدحه بها ؛ لذلك نحن نختلق من عند أنفسنا أشياء نمدحه بها ، ورسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ليس كذلك ، فقد اصطفاه الله - عز وجل - لنبوَّته ورسالته وخلَّقه بالأخلاق الكاملة فقال : (( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ )) ، فليس هو - عليه الصلاة والسلام - بحاجة إلى أن يُمدح بمثل هذه الأباطيل ؛ لا سيما وفي السنة الصحيحة قسمٌ منها متواتر ، وقسم دون ذلك - وكله صحيح - ما يمكن للمسلم أن يمدح الرسول - عليه الصلاة والسلام - بكلِّ ذلك .

أما أن يأتي إلى مثل هذا المديح الباطل فهذا غلوٌّ في الدين والله - عز وجل - قد حذَّرنا بتحذيره أهل الكتاب من الغلوِّ في الدين ، فقال : (( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ )) ، وقال - عليه الصلاة والسلام - مُوجِّهًا نفس هذا المعنى إلينا - نحن معشر المسلمين - مباشرةً ، وذلك حينما كان قريبًا من منى وأمر عبد الله بن عباس أن يلتقطَ له حصيات ، وأشار أن تكون حصيات صغيرة قدر حبَّة الحنطة ، وقال : ( مثل هذه ، وإياكم والغلوَّ في الدين ؛ فإنما أهلك من قبلكم غلوُّهم في دينهم ) ، فهذا الغلوُّ في الدين لا يجوز مطلقًا وبخاصَّةٍ ما كان منه متعلِّقًا في العقيدة وبالأمور الغيبية ، كمثل هذا الزعم الذي زَعَمَه هذا المنشد .

لو أبصر الشيطان طلعةَ نورِه *** في وجه آدم كان أول من سجَدْ

هذه يعني من كلام شاعر الذين يتَّبعهم الغاوون .

إذًا مثل هذا الإنشاد لا يجوز قطعًا لأنَّ الكلام والنُّطق والتلفُّظ به لا يجوز لأنه باطل ؛ ولذلك حذَّر الرسول - عليه السلام - المسلمين من أن ينصاعوا في مدح الرسول - عليه السلام - ولو في حدود الواقع ، خشية أن يجرَّهم ذلك إلى مثل هذا الكلام الباطل ، فقال - عليه الصلاة والسلام - : ( لا تطروني كما أطرت النَّصارى عيسى بن مريم ، إنما أنا عبد ؛ فقولوا : عبد الله ورسوله ) . ( لا تطروني ) أي : لا تمدحوني . ( كما أطرت النصارى عيسى بن مريم ) .

وبهذه المناسبة يجب التذكير بأنه ليس معنى هذا الحديث كما يذكر بعض الشُّرَّاح ( لا تطروني ) يعني لا تبالغوا في مدحي ، لا ، وإنما لا تمدحوني مطلقًا ؛ لأنه ليس بحاجة إلى أن يُمدَحَ ؛ وذلك لأنَّ النصارى إنما ضلُّوا ووصلوا إلى أن جعلوا عيسى ابن الله بسبب أنهم فتحوا لأنفسهم باب مدح عيسى - عليه الصلاة والسلام - ، وكلنا يعلم أن معظم النار من مستصغر الشَّرر ، فالشيطان من كيده لبني الإنسان لا يفجؤه بالموبقات وبالعظائم من الأمور ؛ لأن ذلك مما ينبِّه عدوَّه الإنسان فلا يتورَّط مع إبليس ، وإنما يأتيه خطوة خطوة ، فسدًّا للذريعة قال - عليه الصلاة والسلام - : ( لا تطروني ) لا تمدحوني مطلقًا ، ( لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم ، إنما أنا عبد ) فيكفيني أن تقولوا : عبد الله ورسوله .

ومن الدليل على هذا الذي قلته أنَّ هذا الحديث أورَدَه علماء الحديث ، ومنهم الإمام الترمذي في كتابه " الشمائل النبوية " أورَدَه تحت باب " تواضع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - " ، فلو كان الإمام الترمذي يفهم هذا الحديث : ( لا تطروني ) يعني لا تبالغوا في مدحي لم يتَّصل هذا المعنى مع الباب ؛ أي : لم يكن الحديث مترجِمًا للباب ؛ لأن هذا لا يدل على التواضع ، هذا واجب على أيِّ إنسان أن يقول للناس : لا تمدحوني بالباطل ، هذا ليس تواضعًا ، لكن التواضع هو إذا فُهِم الحديث على ظاهره ؛ لا تمدحوني مطلقًا هذا هو التواضع ؛ لماذا يا رسول الله وأنت أهل لِأَن تُمدح ؟ لأنَّ فتح هذا الباب قد يؤدي بكم إلى الوقوع بمثل ما وقع فيه النصارى من الإشراك ، وهذا في الواقع مُشاهد اليوم بين المسلمين ، وهذا هو بيت الشعر أمامكم الآن من أبيات كثيرة وكثيرة من قصيدة البوصيري وغيره .

فإنَّ من جودك الدنيا وضرَّتها *** ومن علومك علم اللوح والقلمِ

هذا مدح ، لكن هذا كفر ؛ لأنَّ الرسول - عليه السلام - يسمع الجارية في زمنه وهي تقول :

وفينا نبيٌّ يعلم ما في غدِ

فقال : ( لا يعلم الغيب إلا الله ، دعي هذا ) . فكيف لو سمع الرسول - عليه السلام - قول البوصيري :

" ومن علومك علم اللوح والقلم " ؟

لا شكَّ هذا ضلال لا يرضاه الرسول - عليه السلام - لأنه مخالف للكتاب والسنة وإجماع الأمة .

إذًا فقطع دابر هذه المبالغات هو أن لا يفتح المسلم باب المديح خاصَّة بالأناشيد هذه ، ويكتفي بقراءة ما ثبت في السيرة من أخلاق الرسول - عليه السلام - ومن معجزاته وآدابه التي بها فتح هذه القلوب التي كانت قلوبًا عُميًا .

مواضيع متعلقة