ضرب مثال من صبر النبي - صلى الله عليه وسلم - حين أُوذِيَ فقال : ( قَد أُوذِيَ مُوسَى بِأَكثَرَ مِن ذَلِكَ فَصَبَرَ ) . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ضرب مثال من صبر النبي - صلى الله عليه وسلم - حين أُوذِيَ فقال : ( قَد أُوذِيَ مُوسَى بِأَكثَرَ مِن ذَلِكَ فَصَبَرَ ) .
A-
A=
A+
الشيخ : في هذه النكتة - أي : لكون الإنسان لا يستطيع أن يقارب بالتشبُّه بصبر الله عز وجل - جاء بحديث ثاني يتعلَّق بخلق من خلق الله - عز وجل - وهو الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وحينئذٍ ستبقى المقاربة في المشابهة متجانسة بين الإنسان المأمور بأن يتخلَّق بخلق الصبر ، وبين هذا الإنسان الكامل الذي ستسمعون ما جاء فيه من الصبر .

ذلك هو الحديث الثاني في باب الصبر على الأذى رواه المصنف - رحمه الله - بإسناده الصحيح عن عبد الله ، وعبد الله هنا هو عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - ؛ يقول : قَسَمَ النبي - صلى الله عليه وسلم - قسمةً كبعض ما كان يقسم ، فقال رجل من الأنصار : " والله إنها لقسمةٌ ما أُريدَ بها وجه الله !! " . هذا كلام يُقال في حقِّ أعدل الناس قاطبةً وهو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قيل في حقِّه : والله إنها لقسمةٌ ما أُرِيدَ بها وجه الله - عز وجل - .

قلت أنا - ابن مسعود يقول - : " لأقولَنَّ للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - . يظهر أن هذا الأنصاري قال هذا الكلام بعيدًا عن الرسول - عليه السلام - في محضر من الصحابة ، وكان منهم عبد الله بن مسعود ، فقال : لأقولَنَّ للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، فأتيتُه وهو في أصحابه ، فسارَرْتُه ، فشَقَّ ذلك عليه - صلى الله عليه وآله وسلم - وتغيَّر وجهه وغضب ؛ حتى ودِدْتُ أني لم أكُنْ أخبَرْتُه . ثم قال : ( قَد أُوذِيَ مُوسَى بِأَكثَرَ مِن ذَلِكَ فَصَبَرَ ) .

الحديث واضح المعاني ؛ حيث أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لمَّا كانت تأتيه المغانم ؛ إما بسبب الحروب ، أو بسبب الجزية التي يفرِضُها بسبب المصالحة بعد انتصار الجيش المسلم ، فكان من عادته - عليه السلام - أنه إذا جاءَه مال جاء به إلى المسجد ووَزَّعه على الناس ، وهو بطبيعة الحال يوزِّعه بقسمةٍ يراعي فيها أمورًا لا يدركها سائر الناس ؛ فهو - مثلًا - قد يُعطي إنسانًا أكثر من آخر ؛ لماذا ؟ لسابقيَّته في الإسلام ، لبلائه الحَسَن في الإسلام ، فيبدو لبعض ناقصي الإيمان والعقل أنُّو هون فيه محاباة ؛ مع أن الحقيقة ليس هناك شيء من المحاباة ، وأحيانًا على العكس من ذلك ؛ يعطي إنسانًا هو حديث عهد بالإسلام ؛ ليس له سابقة في الإسلام ، وليس له جهاد في الإسلام ، مع ذلك يعطيه أكثر ممَّن له سابقة في الإسلام ، فيستنكر ذلك بعض قاصري العقول ويقول : كيف هذا ؟ لسا مبارح أسلم !! لسا ما حضر ولا معركة !! كيف يجود عليه العطاء ؟ فيجهل هذا الإنسان أن الرسول يعطيه تأليفًا له ، تأليفًا لقلبه ، وقد يكون رئيسًا في قومه ؛ فهو إذا جَلَبَ قلبه إليه جلب مَن وراءه من بني قومه .

هكذا هذه السياسة شرعية لا يُحسِنُها أحد مثل الرسول - عليه الصلاة والسلام - ، فهو - صلى الله عليه وآله وسلم - قسم يومًا قسمةً كما هي عادته من مثل هذا البيان الذي ذكرناه ، فقال رجل من الأنصار : إنها لَقسمَةٌ ما أُرِيدَ بها وجه الله . هذا الأنصاري قاصر النظر كما شرحت آنفًا أنُّو يقول : لماذا هذا يعطيه أكثر من هذا مثلًا ؟ فسمع هذه الكلمة عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - ، فنقلها إلى الرسول - عليه السلام - ، وسارَرَه بها ؛ يعني قالها له سرًّا ، فلما سمع ذلك - عليه السلام - ثَقُلَ عليه ، شقَّ ذلك عليه ، وتغيَّرت ملامح وجهه ، وظهر عليه آثار الغضب حتى تمنَّى ابن مسعود - رضي الله عنه - أَنْ لم يكن قد أخبره بهذا الخبر الذي انزعج منه - عليه السلام - هذا الانزعاج الكثير .

فماذا كان موقف الرسول - عليه السلام - تجاه هذه التُّهمة التي اتَّهَمَه بها ذلك الأنصاري ؟

لم يزِدْ على قوله : ( قَد أُوذِيَ مُوسَى بِأَكثَرَ مِن ذَلِكَ فَصَبَرَ ) . في هذا الحديث إشارة إلى آية : (( لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى )) ، ماذا كان إيذاؤهم ؟ هو الحديث كأنه مُقتَبَس من الآية ؛ أنُّو موسى أُوذِيَ بأكثر من هذا ؛ ولذلك نهى الله عباده المؤمنين أن يؤذوا الذين آذوا موسى من قبل ؛ يعني اليهود ، ماذا فعلوا ؟ اليهود أخباث أشرار ، كان الله - عز وجل - يمتنُّ عليهم دائمًا ، يرسل إليهم الأنبياء دائمًا وأبدًا ؛ حتى قال - عليه الصلاة والسلام - في الحديث الصحيح : ( كان مَن قبلكم كلَّما مات نبيٌّ خَلَفَه نبيٌّ ، ألا ولا نبيَّ بعدي ) .

مواضيع متعلقة