سؤال عن سكوت النبي - صلى الله عليه وسلم - على مبالغة أصحابه في تعظيمه ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
سؤال عن سكوت النبي - صلى الله عليه وسلم - على مبالغة أصحابه في تعظيمه ؟
A-
A=
A+
السائل : بالأمس في لقاء فضيلتك ... ذكر أحد الإخوان ... قال ... أن المسلمين يتباركون به ... قال : ومخلفات ضوئه ؟

سائل آخر : ... .

الشيخ : هذا سؤال هام ، الواقع أن ذلك وقع ، ووقع على علم من الرسول - عليه السلام - وسكوت منه ، ولكن هذا السكوت كان برهةً من الزمن ، ولم يستمرَّ منه - صلى الله عليه وآله وسلم - ، ولقد ظهر حكمة ذلك السكوت المؤقت واضحًا بيِّنًا جليًّا في صلح الحديبية ، حيث أخذ المشركون يُرسلون سفيرًا منهم ، وما أريد أن أقول رسولًا منهم وإن كان هذا سائغًا من حيث العربية ، فكلما أرسلوا سفيرًا منهم ليحادثوا الرسول - عليه السلام - ويفهموا ما يريد ؛ كان يرى هذا السفير تلك المبالغة العجيبة التي لا يعرفونها في ملوك كسرى وقيصر ؛ من تهافت الصحابة على وَضوء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - - الماء الذي كان يتوضأ وتباركهم به - ، فكان من آثار ما شهدوا - أو شاهدوا أو شهدوا - أنهم عادوا إلى رؤوس قريش وقالوا لهم : صالحوا محمدًا ؛ فوالله لقد رأينا كسرى وقيصر ، فما رأينا أحدًا يعظِّمهم كما رأينا أصحاب محمد يعظمون محمدًا - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وعلى هذا جرى الصلح المعروف بصلح الحديبية ، فكان سكوت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على مثل تلك المبالغة في التبرك به - عليه السلام - من السياسة الشرعية الحكيمة ، ولكنه لأنه طُبع على ما وُصف بحقٍّ في قوله - تبارك وتعالى - : (( وإنك لعلى خلق عظيم )) ، وكما قال : ( لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم ، إنما أنا عبد ؛ فقولوا : عبد الله ورسوله ) ، وكما قال في حديث آخر : ( لا تنزلوني فوق منزلتي التي أنزلني الله فيها ) ، فهو تجاوب في نهاية المطاف مع هذا المبدأ الأساسي الذي كان يخشاه الرسول - عليه السلام - ، وذلك حينما شاهدهم مرة يتهافتون - أيضًا - على التبرك بوضوئه فقال لهم : ( ما يحملكم على هذا ؟ ) قالوا : " حب الله ورسوله " . قال - هنا الشاهد - : ( إن كنتم تحبون الله ورسوله ؛ فاصدقوا في الحديث ، وأدُّوا الأمانة ) .

انظر هذا اللطف في النقل من الأمر المفضول إلى الحكم الفاضل ، لم يصدَّهم الرسول - عليه السلام - صدًّا ، وإنما مهَّد لهم تمهيدًا بأسلوب عظيم جدًّا ، ( ما الذي يحملكم على هذا؟ ) . قالوا : " حب الله ورسوله " ، وهو صادقون في ذلك ، فقال هذا لا يدل على حبكم لله والرسول ، والذي يدلُّكم على ذلك هو أن تعملوا بما جاء به الرسول عن ربه - تبارك وتعالى - .

ولهذا نحن نرى أن ما ثبت من التبرك هو ثابت وفي " صحيح البخاري " ، قصة الحديبية في " صحيح البخاري " لا مجال لإنكارها من حيث الرواية أبدًا ، لكن بعض الناس يأخذون الأمور بالعجلة ، ولا يأخذونها بالرويَّة ، فلو أنهم نظروا إلى الحكمة من ذلك السكوت ، ثم اطَّلعوا على هذا الحديث الأخير ؛ لَزال الإشكال ، ولَعرفوا عظمة الرسول - عليه السلام - في ذاك ، وفي هذا الحديث .

مواضيع متعلقة