تتمة ردِّ الشيخ على جمل وَرَدَتْ في أحد كتب المعاصرين ، وهي مفاهيم خاطئة حول الدعوة السلفية . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
تتمة ردِّ الشيخ على جمل وَرَدَتْ في أحد كتب المعاصرين ، وهي مفاهيم خاطئة حول الدعوة السلفية .
A-
A=
A+
الشيخ : قلنا : يقول : " هذا ولا خلاف بيننا على أن سواد المسلمين ممَّن لا ينطبق عليهم الوصف بطلب العلم أو التحقيق غيرُ مكلَّفين بمثل مسؤولية أولئك المُميِّزين " ، كان ذكر في الدرس السابق وصفًا للدعوة السلفية ، وأنهم يدعون لاتباع الكتاب والسنة ، وأنهم يدرسون المذاهب الأربعة ويناقشون أدلتهم ، ووصف هذه الدعوة بأنها دعوة حق ، لكن الآن نريد أن نبيِّنَ أن هذا العمل الذي يقتضيه التحقيق العلمي لا يستطيعه عامة الناس ، وهو كلام صحيح ، لكن ما بناه عليه فهو غير صحيح كما ستسمعون .

لذلك يقول : " ولا خلاف بيننا على أن سواد المسلمين ممَّن لا ينطبق عليهم الوصف بطلب العلم أو التحقيق فهم غيرُ مكلَّفين بمثل مسؤولية أولئك المميِّزين " ، هنا الشاهد في خطورة كلامه ، قال : " فدعوتهم إلى التحلُّل من المذاهب إنما هو استجرار لهم إلى الشَّكِّ في الدين نفسه ، وكفى في هذا تضليلًا لهم ودفعًا لمجموعهم إلى هاوية الضياع ، على هذا نُفسِّر موقف البوطي والحامد - رحمه الله - من اللامذهبية على اعتبارها في هذا المنظور خطرًا يهدِّد الشريعة الإسلامية " .

هذا الكتاب - مع الأسف الشديد - في أول الكلام يلتقي مع السلفيين على طول الخطِّ ، في آخر الكلام يخرج عنهم على طول الخطِّ ، والسبب في هذا يعود إلى شيء واحد ... وهو أن الدعوة السلفية لما كانت بطبيعة الحال المفهوم الصحيح للإسلام ، وكان الإسلام بواقعه دينًا شاملًا لكلِّ بني الإنسان وفي كل زمان ومكان ؛ كان بطبيعة الحال الدعوة السلفية - أيضًا - لا تختصُّ بطائفة من المسلمين دون الآخرين ، إنما هي تدعو الناس جميعًا كما يدعو الإسلام ؛ لأن الدعوة السلفية هي الإسلام بالمفهوم الصحيح ؛ فهي تدعو المسلمين جميعًا أن يتمسَّكوا بإسلامهم ، لا تخصُّ الدعوة الإسلامية طائفةً دون أخرى ، لا تفرِّق من حيث الدعوة إلى اتباع الكتاب والسنة بين مثقَّف وغير مثقَّف ، بين متعلِّم وغير متعلِّم ، هي تدعو كل الفئات وكل الأفراد إلى أن يُخلِصُوا لله - عز وجل - في عبادتهم ولنبيِّهم في اتباعه .

كل المسلمين يجب أن يشتركوا في هذا ، فالآن نسمع نغمة جديدة ، وهذا الكاتب - أيضًا - من المشاكل التي تحيط بالدعوة السلفية أنه ينتمي إلى الدعوة السلفية ، وإذا به الآن يكتب ... التفريق ، السبب في هذا التفريق يعود إلى أن هناك أناسًا سبقوا الدعوة السلفية بالانتماء إلى حزب أو جماعة أخرى لا تتبنَّى الدعوة السلفية لهم مذهبًا ومنهجًا ، سُبقوا أو سَبقوا الدعوة السلفية فانتموا إلى حزب وتثقَّفوا بثقافته ، وأكثر هذه الأحزاب كما تكلَّمنا بشيء من التفصيل بتعليقنا على الكلمة السابقة في الدرس الماضي قائمة على التجميع والتكتيل وتكثير السواد ، وليس على التثقيف والتفقُّه في الدين ، الذي يسير ويتفق تأتي الدعوة السلفية إلى فرد من هؤلاء فيُعجب بنصاعتها ووضوحها وقوة حججها ، فيتبنَّاها في الجملة ، ولكن ما كان سبق إليه من التبنِّي لدعوة أخرى قائمة على التكتُّل والتحزُّب لا يُفسح هذا التكتُّل وهذا التحزُّب من حيث الواقع مجالًا للدعوة السلفية أن تدخل إلى شغاف قلبه وأن تسيطر على كل حواسه وعلى كل تصرُّفاته ، فتجده هو من ناحية سلفي ومن ناحية ليس سلفيًّا ، بل هو ضد السلفية .

وهذا مثال نحن كنا نتحدث عنه قبل أن نقرأه مسطورًا كما هو الشأن الآن ، كنا نقرؤه في تصرُّفات بعض هؤلاء الناس ، نجدهم يعيش أحدهم وهو يدَّعي السلفية ، لكن لا أحد يستفيد من دعوته أو ، نعم ، لا أحد يستفيد من تبنِّيه للدعوة السلفية ممن حوله شيئًا إلا شيئًا لا يكاد يُذكر ، لماذا ؟ هو لا يدعو للدعوة السلفية ، فهو حَمَلَها لنفسه ولشخصه فقط ، أما الشيء الذي يدعو إليه فهو حريص ومجتهد في الدعوة إليه ، وهو هذا التكتُّل وهذا التحزُّب على مفاهيم إسلامية عامة لا تُوضِّح لمتبنِّيه الإسلام على وجهه الصحيح كما جاء في الكتاب والسنة ، هذا التكتُّل وهذا التحزُّب لا يُفسح المجال لانتشار الدعوة السلفية بين جميع طبقات الأمة وأفرادها ؛ لأنُّو هذا ينافي التكتُّل والتحزُّب كما شرحنا هذا في الدرس الماضي ؛ لأننا حين نقول :

" هذا هو الحقُّ ما به خفاءُ *** فدَعْني عن بُنيَّات الطريقِ "

سوف ينفصل واحد عن الثاني والأخ عن أخيه ؛ وهذا ينافي التكتُّل .

لذلك = -- وعليكم السلام -- = لذلك وُجِدَ ناس هو نصفه سلفي ونصفه حزبي ، هو النصف الأول فيما يتعلق بشخصه ونفسه ، والنصف الآخر فيما يتعلق بمجتمعه الذي يعيش فيه ، فهو في مجتمعه ليس سلفيًّا ؛ لذلك هو يريد أن يدع عامة الناس كما سمعتم ، وعامة الناس المسلمون الأكثرية الساحقة من المسلمين بطبيعة الحال ، يريد أن يدَعَهم متمسِّكين بمذاهبهم ولا ندعوهم إلى اتباع الكتاب والسنة ؛ لأنُّو هذا بزعمه دعوة لهم إلى متاهة وإلى ضلال وإلى التدرُّج والخروج من الدين والعياذ بالله - تعالى - .

هؤلاء نريد أن نبيِّن الفرق بين الدعوة السلفية في حقيقتها وبين الدعوة السلفية في حدود ما يتحمَّله بعض المنتمين إليها من الأحزاب الإسلامية ، نحن نلتقي مع كل ... في حقيقة واحد ثم نختلف في طريقة الدعوة التفصيلية إليها ... من أجل تحقيقها ، نلتقي جميعًا أنه يجب على المسلمين أن يستأنفوا الحياة الإسلامية ، هذه كلمة سواء بيننا وبينهم ، كلنا نقول : يجب أن نستأنف الحياة الإسلامية ، لكن أنا الآن أتساءل في حدود ما كنَّا نقرؤه في مجتمعاتهم وما نقرؤه الآن مُجسَّدًا في هذه السطور بين أيدينا ، مَنِ الذي يمثِّل المجتمع الإسلامي ؟ أهُم فقط أفراد معدودون في كل قطر وفي كل مصر أم هم هؤلاء المسلمون ما بين عالم ومتعلِّم وأمِّي لا يقرأ ولا يكتب ؟ لا شك أنُّو هذا الجواب الأخير هو الذي يُمثِّل المجتمع الإسلامي ، فإذا أردنا حقيقةً أن نتعاون على استئناف الحياة الإسلامية ؛ فهل هذا يقتضي أن نقْسِمَ الناس قسمين ؛ قسم نثقِّفهم بالثقافة الصحيحة - وليست هي إلا الدعوة السلفية باعتراف هذا الكاتب - ، والقسم الآخر - وهو الأكثر - ندَعُه كما هو ؟

ومعنى هذا أن ندَعُهم أوَّلًا على الجهل ؛ لأنُّو ما دام ندعو الطائفة الأولى وهي الطائفة النخبة الممتازة من المسلمين ندعوهم إلى اتباع الحقِّ - أي : الكتاب والسنة - ولا ندعو الجمهور ؛ فمعنى ذلك أن ندع هؤلاء على جهلهم وعلى خطئهم ، بل وعلى ضلالهم ، ثم ليس هذا فقط ؛ بل ندعهم على اختلافهم وعلى تنازعهم الشديد الذي من آثاره تحرُّج كثيرين منهم أن يصلي المسلم وراء أخيه المسلم بحجة أنُّو هذا مذهبه مخالف لمذهبي ، وحتى اليوم تجدون الأمر ظاهرًا في امتناع صلاة كثير من متَّبعي بل ومقلِّدي المذاهب ممَّن يدعو لاتباع الكتاب والسنة ، هذه ظاهرة نراها في مناسبات كثيرة وكثيرة جدًّا ، إذا قيل لهؤلاء : هل السلفيون كُفَّار ؟ قالوا : لا ، هدول مبتدعة . طيب ، فالصلاة وراء المبتدعة جائزة في المذهب ولَّا لا ؟ جائزة ، وهم يحتجون بحديث نحن نضعِّفه من حيث الرواية ، ونصحِّحه من حيث الدراية ؛ وهو : ( صلوا وراء كلِّ برٍّ وفاجرٍ ) ، فَهُم يَروُون هذا الحديث ثم يخالفونه ولا يعملون به ، والمذاهب كلها قائمة عليه .

الشاهد : فهذا الكاتب هنا يُريدنا أن ندَع جماهير المسلمين على جهلهم وعلى خطئهم وعلى تفرُّقهم ؛ فهل هذا هو الإسلام الذي يقول : (( وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ )) ؟! هل الإسلام الذي يدعو جميع الفرق إلى التكاتف وإلى التعاضد وعدم التفرُّق يفرِّق بين القليل من المسلمين ؛ فهؤلاء يُدعَوْن فقط والجمهور من المسلمين يُترَكون كما هم ؟! هذا لا يقوله مسلم فَهِمَ شيئًا من دعوة الكتاب والسنة فهمًا صحيحًا .

مواضيع متعلقة