مثال من السنة يردُّ على الذين يفهمون الآيات دون الرجوع إلى الأحاديث النبوية . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
مثال من السنة يردُّ على الذين يفهمون الآيات دون الرجوع إلى الأحاديث النبوية .
A-
A=
A+
الشيخ : في حديث في " الصحيحين " كأنه كأن له ارتباطًا بحديث أبي هريرة السابق ولعله أوضح منه ؛ وهو قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( إن الله تجاوز لي عن أمَّتي ما حدَّثت به أنفُسَها ما لم تتكلَّم أو تعمل به ) ، هذا الحديث يردُّ على الذين أرادوا أن يفسِّروا الآيات هذه دون الاستعانة بالحديث ، فقالوا - مثلًا - : (( وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ )) ؛ هذا الذي يُخفيه الإنسان في نفسه له حالة من حالتين ، إما أن يمكِّن ذلك في نفسه وفي قلبه .

عيد عباسي : ... .

الشيخ : إي نعم .

فهذا يُؤاخذ عليه ، وإما أن يكون خاطرًا وردَ ثم ذهب ، فهذا الذي لا يُؤاخذ عليه ، حاولوا هذا توفيقًا بين ما تقدَّم من الآيات وما تأخَّر ، بينما يأتي الحديث الأخير بصورة خاصَّة : ( إن الله تجاوز لي عن أمَّتي ما حدَّثت به أنفسها ما لم تتكلَّم أو تعمل به ) ، فهذا يبيِّن أن الخاطر الذي خطر في بال الإنسان المكلَّف ، ثم تمكَّن من قلبه وعزم على تنفيذه ولكنه لم يخرُجْ إلى حيِّز التكليف الذي هو أحد شيئين ؛ إما أن يتكلَّم أو يعمل به ، فهذا عفو ومغفرة من الله - عز وجل - لا يؤاخذ به عباده المؤمنين ، بينما كان قد قال في أول الآية : (( فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ )) . هكذا الآية مش هيك ؟

سائل آخر : إي نعم .

الشيخ : (( فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ )) ارتفع قوله - تبارك وتعالى - : (( وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ )) ، لم يبقَ عذاب على ما استقرَّ في نفوس الناس ما لم يتكلَّموا به أو يعملوا به .

إذًا نحن بحاجة إلى حديث الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ، لكي نفهم عفوَ الله وفضله وسعة رحمته في خصوص قوله في الآية السابقة : (( فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ )) ، فسوف لا يعذِّب الله - عز وجل - على ما وَقَرَ في النفوس بشرط عدم التكلُّم وعدم العمل به ، فهذا أمر عظيم وعظيم جدًّا ؛ حيث أثبت أنَّ الله - عز وجل - بعد أن أنزل أنه يعذِّب أو قد يعذِّب فأصبح بعد ذلك ربنا - عز وجل - تفضَّل على عباده فلا يعذِّبهم على ما وقر في قلوبهم ، إنما يُقال هنا : تُرى هذا نسخٌ أم تخصيصٌ ؟ ممكن أن يُقال : هذا نسخ على اعتبار أنُّو قوله - عز وجل - : (( فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ )) نُسِخَ برُمَّته ، وليس كلفظة " الأقربين " التي تشمل عديدًا من الأجزاء ، فخُصِّص هذا النص بقوله - عليه السلام - : ( لا وصية لوارث ) ، أما هنا في قوله : (( وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ )) ارتفع ؛ فهو بهذا الاعتبار مثال صالح لآية في القرآن نُسِخت بحديث من كلام الرسول - عليه السلام - ولم يبلغ مبلغ التواتر ، لكن لم تُنسخ الآية بتمامها من أولها إلى آخرها ، ولكن نُسِخ منها فقرة من فقراتها ؛ وهي قوله - عز وجل - : (( فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ )) ، إذًا هذه الكلمة : (( وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ )) نُسِخت ، وحينئذٍ يقول النظر السليم : أي فرق بين أن ينسخ جزء من آية فيه معنى موحَّد بحديث آحاد وبين أن تُنسخ آية كاملة قد تكون طويلة أو قصيرة بحديث آحاد ؟

-- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، أهلًا مرحبًا --

إذًا هذا كله يُسهِّل على الواحد أن لا يستغرب ولا يستشكل نسخ القرآن بالسنة ، بل يسهِّل عليه أن يتبنى هذه الفكرة وهذه العقيدة ؛ لا سيما إذا تذكَّر أن كلًّا من القرآن والسنة الصحيحة يصدران من مصدر واحد ، كل ما في الأمر أن نسبة الثُّبوت تختلف ، فالقرآن متواتر والحديث غير متواتر ، لكن هذا أو هذا الاختلاف في النسبة لا يكفي أن يكون مبرِّرًا لعدم قبول قول من قال = -- أهلًا مرحبًا -- = بأنه لا يجوز نسخ القرآن بالسنة ؛ لأننا نجد من العلماء الكثيرين ينسخون - كما ذكرنا - جزءًا من الآية قطعيَّة الثبوت بحديث آحاد ؛ فإذًا هالتفاوت في نسبة الثبوت لا ينبغي أن يكون حجر عثرة في طريق قبول قول من يقول : يجوز نسخ القرآن بالسنة .

هذا ما عندي بالنسبة للسؤال السابق .

مواضيع متعلقة