ما حكم من ردَّ حديثًا صحيحًا من أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ما حكم من ردَّ حديثًا صحيحًا من أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟
A-
A=
A+
السائل : بين الوقوف ... ؟

الشيخ : هو الأخ سأل في الأخير ، كأن سؤالك هذا يلتقي مع سؤاله الأخير ؛ أنُّو هل يكفر من أنكر حديث الرسول - عليه السلام - الصحيح ؟ الواقع أنُّو هذه المسألة فيها شيء من الدِّقَّة ، في اعتقادي لا يجوز التسرُّع إلى تكفير من يُنكر بعض الأحاديث الصحيحة عند علماء الحديث والثابتة عندهم عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، بينما يُكفَّر من أنكر حجِّيَّة الحديث بعامة ، أما إذا توقف في بعض الأحاديث - مفردات من أحاديث - ولم يقبل صحَّتها ؛ ولو كان علماء الحديث قد صحَّحوها ؛ فهذا يفسق ولا يكفر ؛ لأن المسلم لا يجوز الحكم بتكفيره إلا إذا جحد شيئًا آمن به ، جحد شيئًا آمن به ، فكلُّ إنسان اعتقد أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال حديثًا ما ومع ذلك أنكره ؛ فهذا بلا شك كافر ، أما من دخلَه شك أو ريب في صحة حديث ما فالشَّكُّ منه لا يقع في مصدر الحديث وهو الرسول - عليه الصلاة والسلام - ، وإنما يقع الشك كما نسمع ذلك كثيرًا من بعض الشَّاكِّين المُرتابين ، إنما يقع شكُّهم في أحد الرواة ، لعله أخطأ ، لعله وَهِمَ ، وما شابه ذلك ؛ فبمثل هذا لا يجوز تكفيره ، ولكن حسبه أن يكون فاسقًا ؛ لأنه يُنكر الوسيلة التي هو يتبنَّاها لمعرفة الأحكام الشرعية ، ولا وسيلة هناك سواها ، فمن هنا يظهر ضلاله وتهافته وتناقضه حينما يقبل حديثًا في حكم شرعي ويرفض حديثًا آخر وطريق هو طريق واحدة .

مثلًا منذ الأمس القريب طُرِحَ علينا حديث هو من أحاديث الساعة ؛ لأنَّ بعض المرتابين في السنة قد أنكروه ، وهو قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( إنَّ أبي وأباك في النار ) ، هذا الحديث في " صحيح مسلم " ، وهو من رواية حمَّاد بن سلمة عن ثابت عن أنس ، هذا السند عند علماء الحديث قاطبة من أصحِّ الأسانيد ؛ ذلك لأن حماد بن سلمة إمام من أئمة السنة ، وروايته بإجماعهم عن ثابت صحيحة ، وثابت البناني من كبار التابعين ، ومن الملازمين لأنس بن مالك خادم الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ، فهناك أحاديث كثيرة ثبتت في السنة ، وثبت بها من هذا الطريق أحكام شرعية ؛ فما معنى قبول هذه الأحكام التي جاءت بهذا السند ورفض هذا الحديث الذي جاء بهذا السند ؟ ما هو السبب ؟

السبب هو سوء الفهم كما أساء الفهم ذلك الرجل من ذكر الله - عز وجل - للبقر ، وأنه من نِعَم الله على عباده ، فضرب بهذا الفهم الحديث السابق ذكره ، كذلك هو فَهِمَ من قوله - تعالى - : (( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولًا )) أنَّ هذه الآية تعارض حديث : ( إن أبي وأباك في النار ) ، والحقيقة فهمه الخاطئ لهذه الآية الكريمة هو الذي خالف الحديث وليست الآية ؛ لأن الآية لا تزيد على أنها تقول إن الله - عز وجل - لا يعذِّب إنسانًا لم تأته دعوة رسول ، وليس لم يأته رسول ، وفرق بين الأمرين ، فقد قلت للذي نقل لي تلك الشبهة : (( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولًا )) نحن - معشر المسلمين - في أول القرن الخامس عشر من الهجرة ؛ هل جاءنا رسول ؟ ... دعوته ؛ إذًا ما جاءنا رسول مباشرةً ، فجاءتنا دعوة الرسول - عليه السلام - ؛ هل قامت الحجة علينا ؟ لا شك أن الحجة قامت علينا ما دام أن الدعوة وصلت إلينا ، لكن هذا لا ينفي أن يكون هناك أقوامٌ في بعض البلاد الأخرى ، ولنضربها - مثلًا - عالية كالقطب الشمالي والقطب الجنوبي ، لا يبعد أن يكون هناك ناس لم تبلُغْهم دعوة الإسلام كما بلغتنا نحن ؛ فإذًا قوله - تعالى - : (( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولًا )) إن فُهِمَ على جمود (( نبعث رسولًا )) أي : بشخصه ؛ خرجنا نحن من أن يكون جاءنا رسول ، فكل الناس اليوم غير مؤاخذين ؛ لأنه ما جاءهم رسول !! لا ، ليس المقصود إتيان الرسول بالشخص فقط ، فقد يأتي الرسول إلى القوم مباشرة ، ثم تأتي دعوة هذا الرسول إلى الأقوام الذين يأتون من بعدهم .

ولذلك بالمناسبة أقول : جاء في الصحيح في قصَّة لا أريد الآن أن أذكرها بتمامها ، وإنما موضع الشاهد منها ؛ أن النبي - صلى الله عليه وآله سلم - قال لأصحابه ذات يوم : ( يدخل الجنة من أمَّتي سبعون ألفًا بغير حساب ولا عذاب ، وجوههم كالقمر ليلة البدر ) ، ودخل الحجرة ، فأخذ الناس يتظنَّنون من يكون هؤلاء ؟ هنيئًا لهم ، طوبى لهم ؛ يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ، وجوههم كالقمر ليلة البدر ، بعضهم قال : هؤلاء المهاجرون الذين هاجروا من ديارهم وأموالهم في سبيل الله ، بعضهم قالوا : لا ، إنما هم الأنصار الذين نصروا رسول الله في ساعة العسرة ، قول ثالث قال : لا ، لا أنتم ولا هؤلاء ، وإنما هم أولادكم الذين يأتون من بعدكم ، فيؤمنون بالرسول ولم يروه ؛ إذًا (( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولًا )) ليس المقصود بعث الرسول بشخصه فقط ، وإنما بعثه بدعوته - أيضًا - ، فمن أدرك الرسول مباشرة فقد أدرك الدعوة يقينًا ، ومن لم يدرك الرسول مباشرةً فقد تُدركه الدعوة وقد لا تدركه الدعوة ، فنحن المسلمين اليوم أدركتنا دعوة الرسول ، فإذًا نحن لسنا معنيِّين بالآية الكريمة : (( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولًا )) ، فلما قلت للرجل : هل جاءنا الرسول ؟ وفكَّر قليلًا قال : جاءتنا الدعوة .

إذًا الذي يضرب حديث مسلم الصحيح : ( إن أبي وأباك في النار ) لا يصح له أن يقول : ما جاءهم رسول ، قد يمكن أن يصحَّ لهم أن يقول : ما جاءتهم دعوة رسول ؛ حينئذٍ نتمسَّك بكلامي هذا ، ونقول لك : من أين لك أنَّ هؤلاء الذين حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنهم من أهل النار ؟ وهذا الحكم ليس فقط في أبويِّ الرسول ؛ لأنكم تعلمون المناسبة التي قالها الرسول - عليه السلام - في هذه الجملة ، فقد جاء رجل من أصحابه - عليه السلام - قال له : يا رسول الله ، أين أبي ؟ قال : ( في النار ) ؛ أي : مات في الجاهلية ؛ فهو في النار ، فأدبر الرجل وهو بطبيعة الحال حزين ، فأعاد الرجل فقال له : ( إن أبي وأباك في النار ) ؛ يعني من تكون أنت إذا كان أبي وأمي - وأنا سيِّد البشر - وهما في النار لإشراكهما بالله - تبارك وتعالى - ؟ فلا تأسَ ولا تحزن على أبيك ، كذلك في أحاديث أخرى لما مرَّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - يومًا بقبرين ، فشمَسَتْ به دابَّته ، فالتفت فرأى القبرين ، قال : ( متى دفن هؤلاء ؟ ) . قالوا : في الجاهلية . فقال - عليه الصلاة والسلام - : ( لولا أن تدافنوا لَأسمَعْتُكم عذاب القبر ) ، ماتوا في الجاهلية ، ( لأسمعتكم عذاب القبر ) .

كذلك ذلك الرجل الكريم الذي سأل ابنُه النبيَّ - عليه السلام - عن أبيه ؟ كان كريمًا وكان يُقري الضيف ، وكان ، وكان إلى آخره ؛ هل ينفعه ذلك ؟ قال : ( لا ، إنه لم يقل يومًا : ربي اغفر لي خطيئتي يوم الدين ) ؛ فإذا هناك أحاديث متكاثرة تتحدث عن المشركين قبل بعثة الرسول - عليه السلام - أنَّهم من أهل النار ؛ فمن أين لهؤلاء الذين يقولون مستشهدين بالآية الكريمة (( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولًا )) أن هؤلاء الأشخاص الذين شهد الرسول - عليه السلام - في حقِّهم أنهم من أهل النار إنهم لم تبلغهم الدعوة ؛ هذا متنافر ؛ لأن حكم الرسول - عليه السلام - عليهم بأنهم من أهل النار ؛ معنى ذلك أن الدعوة بلغتهم ، وإلا فالآية صريحة : (( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولًا )) ، أو أن فهم الرجل ظاهري مقيت جامد ؛ (( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولًا )) يعني بشخصه ، وحينئذٍ تفهمون في القرآن هذا التفسير بداهةً ؛ لأننا نحن حينئذٍ لا يشملنا وعيد الكفر ؛ لأن الرسول ما جاءنا مباشرةً ، وهذا لا يقوله مسلم .

فإذا عرفنا هذه الحقيقة حينئذٍ لا يجوز أن نقع في أحد شيئين ؛ إما إنكار الأحاديث الصحيحة التي صحَّحها أهل العلم لقصور فهمنا لها بحيث أنها لا تتعارض مع القرآن الكريم ؛ هذا لا يجوز كما فعل غزالي العصر الحاضر وأمثاله كثيرون - مع الأسف ! - ، لكن هذا - مع الأسف الشديد - يعني أهلكه لسانه وقلمه ، وإلا مثله كثير ممَّن ينكرون الأحاديث الصحيحة لعدم فهمهم إيَّاها فهمًا لا يتعارض مع القرآن الكريم ، هذا الشيء الأول الذي لا ينبغي أن يقع فيه المسلم ؛ وهو أن يُبادر إلى إنكار الأحاديث الصحيحة التي صحَّحها أهل العلم ؛ لعدم إدراكه التوفيق بينها وبين ما قد يظنُّ من مخالفة هذه الأحاديث لبعض الآيات الكريمة .

الشيء الثاني : ألَّا نبادر إلى تكفير مَن ينكر بعض هذه الأحاديث الصحيحة إلا في الحالة التي ذكرتُها آنفًا ؛ إذا أنكر السنة من أصلها جملةً وتفصيلًا ، وقال حسبنا القرآن ؛ فحينئذٍ هذا كفر بالقرآن ؛ لأن القرآن - كما تعلمون ، ولا حاجة إلى بسط القول في ذلك - يأمر باتباع الرسول كما يأمر باتباع القرآن .

تفضل .

السائل : ... .

الشيخ : - وعليكم السلام ورحمة الله - ، الظاهر أنُّو حضرتك ما كنتَ .

سائل آخر : ... .

الشيخ : آ ؟ ما كان ، لقد جرى البحث في هذا ، والجواب لا يجوز ، وهو مسجَّل .

نعم .

تفضل .
  • فتاوى جدة - شريط : 28
  • توقيت الفهرسة : 00:52:24
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة