حديث معاذ بن جبل - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال له لمَّا أرسله إلى اليمن : ( بِمَ تحكم ؟ ) . قال : بكتاب الله . قال : ( فإن لم تَجِدْ ؟ ) . قال : فبسنَّة رسول الله . الحديث . وبيان ضعفه سندًا ومتنًا . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
حديث معاذ بن جبل - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال له لمَّا أرسله إلى اليمن : ( بِمَ تحكم ؟ ) . قال : بكتاب الله . قال : ( فإن لم تَجِدْ ؟ ) . قال : فبسنَّة رسول الله . الحديث . وبيان ضعفه سندًا ومتنًا .
A-
A=
A+
الشيخ : وإتمامًا لهذا الموضوع لا بد من التَّذكير بحديث معروف عند طلاب العلم ، وبخاصَّة الذين دُرِّس عليه علم أصول الفقه ؛ حيث يُذكر هناك في مناسبة التحدُّث عن القياس وعن الاجتهاد يُذكر هناك حديثٌ مرويٌّ في بعض السنن عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال له لمَّا أرسله إلى اليمن : ( بِمَ تحكم ؟ ) . قال : بكتاب الله . قال : ( فإن لم تَجِدْ ؟ ) . قال : فبسنَّة رسول الله . قال : ( فإن لم تجِدْ ؟ ) . قال : أجتهد رأيي ولا آلُو . قال في الحديث : ( الحمد لله الذي وفَّق رسولَ رسولِ الله لما يحبُّ رسول الله ) - صلى الله عليه وآله وسلم - ؛ فيجب أن نعلم أن هذا الحديث لا يصح من حيث إسنادُه عند علماء الحديث تنصيصًا وتفريعًا ، أعني بالتنصيص أنَّ كثيرًا من علماء الحديث قد نصُّوا على ضعف إسناد هذا الحديث كالإمام البخاري إمام المحدثين وغيرهم ، وقد جاوَزَ عددُهم العشرة من أئمة الحديث قديمًا وحديثًا ، مِن أقدَمِهم الإمام البخاري فيما أذكر ، ومن آخرهم الإمام " ابن حجر العسقلاني " ، وما بينهما أئمة آخرون كنت ذكرتُ أقوالَهم في كتابي " سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيِّئ في الأمة " ، فمَن أراد البسط والتفصيل رجع إليه .

الشاهد : أن هذا الحديث لا يصح بتنصيص الأئمة على ذلك ، وأيضًا كما تدل على ذلك قواعدهم ؛ حيث أن هذا الحديث مداره على رجل معروف بالجهالة ؛ أي : ليس معروفًا بالرواية ، فضلًا عن أن يكون معروفًا بالصدق ، فضلًا عن أن يكون معروفًا بالحفظ ؛ كلُّ ذلك مجهول عنه ، فكان مجهول العين كما نصَّ على جهالته هذه الإمام النَّقَّاد " الحافظ الذهبي الدمشقي " في كتابه العظيم المعروف بـ " ميزان الاعتدال في نقد الرجال " .

فهذا الحديث إذا عرفتم أنه ضعيف عند علماء الحديث تنصيصًا وتفريعًا كما ذكرنا ، فيجب بهذه المناسبة أن نذكُرَ لكم أنه منكر - أيضًا - من حيث متنه ، وذلك يُفهم من بياني السابق ، لكن الأمر أوضح في هذا الحديث بطلانًا ممَّا سبق بيانه من وجوب الرجوع إلى السنة مع القرآن الكريم معًا ؛ ذلك لأنه صنَّفَ السنة بعد القرآن وبعد السنة الرأي ، فنزَّلَ منزلة السنة إلى القرآن منزلة الرأي إلى السنة ؛ متى يرجع الباحث أو الفقيه إلى الرأي ؟ إذا لم يجد السنة ، ومتى يرجع إلى السنة ؟ إذا لم يجد القرآن ؛ هذا لا يستقيم إسلاميًّا أبدًا ، ولا أحد من أئمة الحديث والفقه يجري على هذا التَّصنيف الذي تضمَّنَه هذا الحديث . ( بِمَ تحكم ؟ ) . قال : بكتاب الله . ( فإن لم تجد ؟ ) . قال : فبسنَّة رسول الله .

وينبغي أن نقرِّب نكارة متن هذا الحديث ببعض الأمثلة وإن كان مثالًا واحدًا حتى لا نطيل الجلسة ، كلُّنا يعلم قول الله - تبارك وتعالى - في القرآن الكريم : (( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ )) الآية ، لو أن سائلًا سألَ فقيهًا يمشي على التصنيف المذكور في حديث معاذ المجهول عن ميتة البحر نظر في القرآن ، فوجد الجواب في هذه الآية الصريحة : (( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ )) ، فسيكون جوابه إذا ما اعتمد على هذه الآية أنه يحرِّم أكل ميتة السمك ، كذلك إذا سُئِلَ عن الكبد والطحال سيقول - أيضًا - : حرام ؛ لأنه معطوف على الميتة ، (( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ )) ، فالكبد والطحال دم ، فإذًا سيكون حكمُه بناءً على اعتماده على هذه الآية الكريمة وحدَها سيكون حكمُه غيرَ إسلامي ؛ ذلك لأن الإسلام - كما ذكرت آنفًا - ليس هو القرآن فقط ، بل القرآن والبيان ؛ القرآن والسنة ، فماذا كان بيان الرسول - عليه السلام - فيما يتعلَّق بهذه الآية الكريمة ؟

لقد جاء عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بإسناد فيه كلام ، ولكنه صحَّ عن ابن عمر موقوفًا ، وكما يقول علماء الحديث : هو في حكم المرفوع ؛ لأن لفظه : ( أُحِلَّت لنا ميتتان ودمان ؛ الحوت والجراد ، والكبد والطحال ) .

بالإضافة إلى هذا الحديث - وفيه التصريح بإباحة بعض الميتة وبعض الدم - يوجد هناك حديث آخر صحيح رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ... - صلى الله عليه وآله وسلم - أرسل سريَّةً ، وأمَّرَ عليها أبا عبيدة بن الجراح ، وساروا مع ساحل البحر ، وكان قوتهم التمر حتى كاد أن ينفد ، ولما قَلَّ التمر كان يوزِّع على كل فرد تمرةً تمرةً ، ثم بدا لهم من بعيد شيء عظيم على ساحل البحر ، فذهبوا إليه ، فإذا هو حوت ضخم عظيم جدًّا ، فأخذوا يأكلون منه ويتزوَّدون منه ، وكان من ضخامته أنهم نصبوا قوسًا من أقواس ظهره على الأرض ، فمَرَّ الراكب من تحته وهو على جمله ، من عظمة هذا الحوت ألقاه البحر بقدرة الله - عز وجل - وبتسييره للبحر لإطعام أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، ولما عادوا إلى النبيِّ سألهم : ( هل معكم شيء منه تطعموني إياه ؟! ) .

فهذا الحديث يدل على بعض ما دلَّ حديث ابن عمر الأول أن ميتة البحر حلال ؛ فما موقف القرآني الذي لا يعتمد على السنة أو مَن تأثَّرَ بشبهات القرآنيين إذا ما سُئِل عن ميتة البحر عن هذا الحوت وأمثاله ؟ إذا اعتمد على القرآن فسيقول : قال الله - عز وجل - : (( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ )) ، وهذه ميتة ، لكنه إذا ما رجع إلى ما في القرآن الكريم من الآيات التي تُثبت أن طاعة الرسول - عليه الصلاة والسلام - كطاعة الله - تبارك وتعالى - ؛ حينئذٍ يجد لزامًا عليه أن يعود - أيضًا - إلى السنة ، وأن يضمَّها إلى القرآن الكريم ، وأن لا يفرِّق بينهما ، فيكون الحكم حين ذلك في هذه المسألة المتعلقة بهذه الآية الكريمة : (( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ )) إلا ميتة البحر ، (( وَالدَّمُ )) إلا الكبد والطحال ، من أين أخذنا هذا الاستثناء ؟ من بيان الرسول - عليه الصلاة والسلام - ، فهذا أمر مهم جدًّا ، الشريعة كلها قامت على ضمِّ السنة إلى القرآن .

مواضيع متعلقة