قصَّة معاوية بن الحكم السلمي وهو يصلي وراء النبي - صلى الله عليه وسلم - . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
قصَّة معاوية بن الحكم السلمي وهو يصلي وراء النبي - صلى الله عليه وسلم - .
A-
A=
A+
الشيخ : معاوية بن الحكم السُّلمي يقصُّ لنا قصة وقعت له وهو يصلي وراء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، هذه القصة ليست كالقصص التي تُروى للتسلية وتضييع أو تقطيع الوقت ، وإنما هي قصة من القصص التي فيها العلم وفيها الفقه بقسمَيه عقيدةً وأحكامًا . قال : صليت يومًا وراء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، فعطس رجلٌ بجانبي . وتصوروا هذه القصة كأنكم تشاهدونها ؛ لأنَّ صاحب القصة هو بنفسه يرويها لنا . يقول : عطس رجلٌ بجانبي فقلت له : يرحمك الله . وهو يصلي . هذا يدلُّنا على ماذا ؟ أنه كان حديث عهد بالإسلام ، وأنه لم يتفقَّه بعد بالأحكام الشرعية وبخاصَّة ما كان منها متعلِّقًا بالصلاة ما يجوز فيها وما لا يجوز ؛ لذلك صدر منه هذا الخطأ ، فقال للذي عطس - وكلاهما في الصلاة - : يرحمك الله . الذين كانوا حوله كانوا أفقهَ منه ، فنظروا إليه بأعينهم فقال متضجِّرًا من هذه النظرات التي تُشعره بأنه أخطأ ، فازداد خطأً على خطأ حينما رفع عقيرته صائحًا وهو يصلي يقول : واثكل أمياه ! ما لكم تنظرون إليَّ ؟ هو مش عامل شيء في رأيه ، فماذا فعل الذين حوله ؟ أيضًا هذا من فقهِهم ، (( وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ )) هذه الآية نزلت تأمر الناس بالصَّمت والسكوت في الصلاة إبطالًا للأصل الذي كانوا عليه ، أي قبل ، في أول الإسلام ؛ فإنهم كانوا يتكلمون في الصلاة . كان الرجل يدخل المسجد فيجد الإمام قائمًا والناس حوله لا يدري أهذه هي الركعة الأولى أم الثانية ؟ فيسأل الذي وقف بجانبه : أي ركعة هذه ؟ فيقول له : هذه الركعة الثانية أو الثالثة . فماذا يفعل ؟ فيأتي هو بالركعة أو بالركعات الفائتة ثم إيه ؟ يُتمِّم الصلاة مع الإمام ، فأبطل الله - عز وجل - هذا الكلام وهذا التساؤل في الصلاة بنزول هذه الآية (( وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ )) ؛ يعني ساكتين خاشعين . الذين حول معاوية بن الحكم السُّلمي كانوا متفقِّهين متأثرين بهذه الآية ، فما استطاعوا أن يُسكِّتوه إلا كما قال هو عن نفسه : فأخذوا ضربًا على أفخاذهم يقولون له : اسكُت ، ليس هذا مجال الكلام .

في هذا الضرب على الأفخاذ ردٌّ على مسألة فقهيَّة في بعض المذاهب الأربعة التي أشرنا إليها آنفًا ؛ حيث يقول هذا المذهب : أن الإشارة المفهمة من المصلي تُبطل صلاته ؛ إذا مثلًا : كنت قائمًا في الصلاة ، فجاء زوجك أو ابنك سألك : أنت تصلي السنة ؟ قلت له : إي . بطلت صلاتك . على رأي هذا المذهب الذي يقول أنُّو الإشارة المفهمة تُبطل الصلاة . ما هي الإشارة المفهمة أكثر من الضرب في الأفخاذ ؟

اسكُتْ ليس هذا وقت الكلام في الصلاة ؛ فمضى في الصلاة بعد ذلك وقد عرف بأنه أخطأ أشدَّ الخطأ ، ولذلك لمَّا سلَّم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - دارَ في أذهانه تصوُّرات أشكالًا وألوانًا ، أنُّو يا ترى الرسول - عليه السلام - شو راح يساوي معه بهالأخطاء التي ارتكبها ؟ قال - وهنا يظهر شيء من خلقه - عليه السلام - الذي وصفه ربُّه في القرآن (( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ )) - قال : فلمَّا قضى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - الصلاة أقبل إليَّ . شو بدو يساوي الواحد منكم هذا لو فعل الفعلة هَيْ مع إمام من الأئمة اللي ابتُليتم به ، شو بيصير معه ؟ بيرتعش . قال : فلمَّا قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلاة أقبل إليَّ ، فوالله ما قَهَرَني ولا كَهَرَني ولا ضَرَبَني ولا شَتَمَني ، وإنما قال لي : ( إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ) ، أخذ وعطاء ما في ، ( إنما هي تسبيحٌ وتحميدٌ وتكبيرٌ وتلاوة للقرآن ) . انتهت القضية .

وترون هنا بأنه مع كلِّ ما فعله من الأخطاء لم يأمُرْه بإعادة الصلاة ، إذًا الخطأ في الصلاة لا يُبطلها أيضًا ، هذا من فقه الإيش ؟ الحديث هذا . الشاهد من الحديث : بعد ما جاء ؛ ولكن أظنُّكم تشعرون معي بأن فيه فقهًا وفيه فائدة ، هذا الرجل لمَّا فُوجئ بغير ما كان قد تصوَّره ، فُوجئ بلطف الرسول - عليه السلام - وحسن تأديبه له طَمِعَ أن يتعلم ؛ لأنه عرف أنه بحاجة إلى علم ، فأخذ يُلقي على الرسول - عليه السلام - السؤال تلو السؤال فقال : يا رسول الله ، إن منَّا أقوامًا يتطيَّرون . التطيُّر هو المعروف اليوم بالتشاؤم ، وكلاهما معروف في اللغة العربية . فقال معاوية : إن منَّا أقوامًا يتطيَّرون . قال - عليه السلام - : ( فلا يصُدَّنَّكم ) ، التطيُّر لا يصُدَّنَّكم ، أي : لا يكُنْ سببًا ليصرِفَكم عما أنتم قاصدين إليه ومتوجِّهين إليه . -- يرحمك الله -- ما معنى ( لا يصُدَّنَّكم ) ؟ يجب أن نشعُرَ تمامًا بأنَّ في هذا التعبير النبوي فرقًا كبيرًا عمَّا لو قال : لا تطَّيَّروا . هو ما قال : لا تطَّيَّروا . إن منا أقوامًا يتطيَّرون . كان المفروض أنُّو الطيرة غير مشروعة ، لا تطيروا يا جماعة . ما قال له : لا تطَّيَّروا . ولكن قال : ( لا يصُدَّنَّكم ) ، ما الفرق ؟ الله أكبر ! الفرق داخل في قوله - تعالى - : (( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا )) ، الطِّيرة يُفاجئ بها الإنسان مفاجئةً ، لكن تجاوبه معها هذا من إرادته ، هون بترجع القضية بالاختيار ، إنسان يسمع كلمة فيتشاءم منها ، لكن إيمانه يصرفه عنها . مثلًا : واحد هيَّأ أمره وزاده وسفره ... وإلى آخره وفتح الباب بعد ما ودَّع أهله ؛ وإذ هو بيسمع صوت من واحد بيقول له : الله لا يوفقك . هو بيتصورها أنُّو هَيْ موجَّهة إيش ؟ له ، بينما هو عم يتخاصم مع إنسان ، صدفة وقرت في أذن هذا المسافر العازم على السفر بيتشاءم منها ، يرجع أدراجه لبيته ؛ هذا الذي لا يجوز . أما كونه يعني تشاءم فجأة هذا لا يُؤاخذ عليه الإنسان ، لكن تجاوبه مع الطيرة هذا الذي عناه الرسول - عليه السلام - بقوله ... قال : يا رسول الله إن منَّا أقوامًا يخطُّون . قال - عليه الصلاة والسلام - : ( قد كان نبيٌّ من الأنبياء يخطُّ ، فمن وافق خطُّه خطَّه فذاك ) ، يعني كان الخطُّ بالرَّمل معجزةً لنبيٍّ سابق ؛ فمن وافق خطُّه من هؤلاء الناس الدَّجَّالين خطَّ أولئك الأنبياء الصادقين فذاك ، أي : مصيب ، وهذا يسمَّى عند العلماء بالتعليق بالمحال ؛ لأنُّو من المحال أنُّو الدجال بيصادف الحق الذي كان معجزة للأنبياء الكرام .

أي : هذه الجملة تعني ؛ بس هذه لغة العرب الفصيحة تعني أن هذا تدجيل ، الخطُّ بالرمل تدجيل ؛ لأنه ادعاء لأمر هو من خصوصيات الأنبياء ، كما يفعل اليوم بعض هؤلاء الدَّجَّالين الذين يدَّعون الاطِّلاع على المغيَّبات ، ويستغلون هذه الدعوة في كسب أموال الناس وأكلها بالسُّحت والباطل . والغيب من صفات الله - عز وجل - ، ثم صرَّح في القرآن الكريم بأنه (( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ )) ؛ فإذًا هؤلاء الذين يدَّعون الاطِّلاع على الغيب يدَّعون كأنهم يُوحى إليهم من السماء فهم دجَّالين ، والرسول - عليه السلام - يقول : ( لا تقوم الساعة حتى يخرجَ ثلاثون دجَّالًا كذَّابون ، كلُّهم يزعم أنه نبيٌّ ، ولا نبيَّ بعدي ) ، فإذًا قوله - عليه السلام - : ( فمن وافق خطُّه خطَّ ذاك النبيِّ فذاك ) هذا اسمه تعليق المحال ، أي : أنُّو استعمال الخط والتنجيم هذا ضلال في ضلال .

مواضيع متعلقة