نرجو من الشيخ أن يبين مكانة السنة و كيفية فهم القرآن عند التلاوة. - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
نرجو من الشيخ أن يبين مكانة السنة و كيفية فهم القرآن عند التلاوة.
A-
A=
A+
السائل : فضيلة الشيخ الواقع ، إنّه الجلوس مع فضيتلك يعني أمنية .

الشيخ : بارك الله فيك .

السائل : وأغلب الأسئلة الّتي طرحت ، هي تناولت الجزئيّات .

الشيخ : أي نعم .

السائل : وهذه الجزئيّات في تصوّري ، لو استطاع أنّ كلّ واحد منّا أن يفرّغ شيء من وقته ، ويبذل شيء من ماله لشراء بعض كتب الفقه ، لاستغنينا عن هذه الأسئلة ، لأنّه قد يجد لها أجوبة ، لكن كما تعلم فضيلتك نحن اليوم في دوّامة ، وكأنّ الإسلام في انحسار ، بالنسبة لمجتمعنا والسنة ضائعة ، وإن قلت لإنسان هذه سنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لك أنا ألتزم بالفرض ، وأظنّ خير من يجّلي موقع السّنّة ومركز السّنّة ، في الشّرع الحنيف وفي ديننا ، هو فضيلتك ، نحن نعلم أنّنا قد نطيل عليك ، ونعلم أن هنالك ظرف وقد تكون بحاجة لأن تغادر ، ولكن هذه القضيّة بالذّات ، يعني بيانها وبيان موقع السّنّة لأنّه يتعرّض منّا كثير من النّاس ، الحديث الذي تفضّلت به قبل شوية، حديث الأعرابيّ يلّي قال للرّسول عليه الصّلاة و السّلام: ( ما فرض عليّ ) ، أنا بالأمس سمعته ، وإنسان ناقشني فيه ، يقول لي إيش التّراويح يعني ؟ قلت له هذه سنّة ، قال ماذا قال الأعرابيّ للرّسول مطلوب منه خمسة ، والزّكاة ، وخلاص وبفوت الجنّة ، فالواقع الجهل المطبق لهذه الأمّة ، بالنّسبة للسّنّة الشّريفة ، ثانيا كما تفضّلت قبل قليل في المسجد ، الجهل بالقرآن الكريم وبمنزلة القرآن الكريم ، هو الّذي يدفع كثير من النّاس إلى إهمال السّنّة ، وأحيانا إلى الاستهتار بها ، فلو تكرّمت فضيلتك بأن تبيّن لنا موقع السّنّة من التّشريع وكيف نستطيع ولو بإيجاز ، كيف نستطيع أن نفهم ما نتلوا ونقرأ من القرآن الكريم وجزاك الله خيرا ؟

الشيخ : بارك الله فيك ، هذا سؤال مهمّ جدّا وواسع ، ولا يكفي فيه جلسة ولا جلسات ، وبخاصّة كلمتك الأخيرة كيف نفهم القرآن المشكلة إذا سأل أعجميّ عربيّا ، فقال له كيف نفهم القرآن ؟ بدّنا نقول له روح وتعلّم اللّغة العربيّة ، وتعلّم ألف باء بالأساليب العربية ، والأحرف العربيّة وتعلّم النّحو والصّرف واللّغة إلى آخره ، نفس هذا الجواب الآن يوجّه للعرب ، لأنّه كما أنّه كان قديما يوجد أعاجم استعربوا أي صاروا عربا ، ومنهم كبار الأئمّة في مختلف العلوم ، فأبو حنيفة مثلا في الفقه ، وسيبويه في اللّغة ، والبخاريّ في الحديث ، والزّمخشري كذلك في اللّغة العربيّة وهكذا الآن انعكس الموضوع العرب استعجمت , العرب صاروا أعاجم ولذلك فهم لا يكادون يفقهون قولا ممّا جاء في القرآن أو جاء في الحديث ، وذلك فسؤالك في الواقع , الأخير من سؤالك ، أمره واسع و واسع جدّا ، يجب على عامّة المسلمين العرب ، أن يستأنفوا تعلّمهم للّغة العربيّة ، لأنّ لغتهم وراثيّة ليست تعلمية ، إذا صحّ التعبير ، ومع الزّمن دخل فيها العجمة ، وما عادوا يفهموا قال الله قال رسول الله ، فالقضيّة تحتاج إلى تعلّم من جديد ، وهذا أمر واسع كما يشعر كلّ إنسان ، أمّا موضوع السّنّة ، السّنّة في الواقع لها دلالات في الشّريعة فسنّة لا يجوز الاستهانة بها ، وهي فرض وسنّة أخرى هي من الباب الذي ذكرته آنفا ، في حديث الأعرابي أما السّنّة الأولى فهي الطّريقة الّتي سار عليها الرّسول صلّى الله عليه وسلّم في تطبيق القرآن وأحكام الإسلام ، هذه الطّريقة يجب على كلّ مسلم أن يتبنّاها ، ابتداء مجملا وانتهاء تفصيلا ، والسّنّة بهذا المعنى هو المقصود بالحديث الصّحيح ( من رغب عن سنّتي فليس منّي ) وهذا الحديث له مناسبة وهي الّتي توضّح المراد من هذا الحديث الشّريف ( من رغب عن سنّتي فليس منّي ) لأنّ المقصود بهذا الحديث من رغب عن طريقتي ، وعن منهجي وسلوكي في حياتي بعامّة ، فهو ليس منّي ، وليس المقصود مثلا ، من ترك سنّة الظهر أو سنّة العصر ، لا ، هذا يدخل في حديث الأعرابي الّذي ذكرناه آنفا ، لكن هذا الإنسان الّذي أشرت إليه في كلامك ، يلّي قال لك شو صلاة التّروايح ؟ وجاب لك حديث الأعرابي هذا طبعا لنا معه كلام ثاني ، لعلنّا نستطيع أن نعود إليه بعد أن أتمّم كلامي ، حول حديث ( من رغب عن سنتي فليس مني ) هذا الحديث جاء في صحيح البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه ( أن رهطا من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، جاؤوا إلى نساء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسألوهم عن عبادته ) عن قيامه في اللّيل ، وصيامه في النّهار وإتيانه النّساء ، فكان جوابهنّ أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقوم يصلّي في اللّيل وينام ، يعني ليس نائما طيلة اللّيل ، ولا هو قائم يصلّي طيلة اللّيل ، وإنّما يجمع بين الرّاحة وبين العبادة , وبخصوص الصّيام , فهو يصوم ويفطر أيضا تعني النّساء أنّه عليه السّلام ما كان أيضا يصوم دائما أبدا ، يعني ما كان يصوم الدّهر ، ولا هو أيضا مفطر الدّهر، وإنّما كان تارة يصوم وتارة يفطر ، ثم هو بشر يأتي النساء ويغتسل ، يقول أنس لما سمع الرّهط كلام نساء الرّسول عليه السلام ، وهذه عبادته قال: ( فتقالّوها ) أي وجودوها قليلة ، لكن رجعوا إلى أنفسهم يعلّلون خطأهم وقولهم أنّ هذه عبادة قليلة ، ونحن كنا نتصوّر أن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم غير هيك ، فعلّلوا قلّة العبادة حسب ظنّهم ، بقولهم: ( هذا رسول الله قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ) كأنّ لسان حالهم يقول شو بدّه بقى الرّسول متعّب حاله ، يقوم اللّيل كلّه ويصوم الدّهر كلّه ليش ؟ حاط رجليه بماء بارد واستراح لأنّ الله غفر له ذنبه ، هذا خطأ فاحش منهم ، وهذا جهل منهم أوّلا جهل بالسّنّة ، السّنّة لا تعني الإنسان يكون دائما في العبادة ، في العبادة ، لأنّ هذا سيؤدّي إلى الإخلال بحقوق أخرى ، كما أنّه لا تعني سنّة الرّسول وحياته إنّه دائما في أمور الدّنيا لا يصوم ولا يصلّي تطوّعا وإنّما كما قال تعالى: (( وكان بين ذلك قواما )) فهم عندما علّلوا الأمر بما سمعتم ، قال أحدهم: ( أمّا أنا فأصوم الدّهر ) لأنّه هو يريد ينال مغفرة الله ، ما هو السبيل في زعمه ، أن يصوم الدهر كله ، الثاني قال: ( أنا أقوم اللّيل كلّه ) الثّالث قال: ( أنا لا أتزوج النّساء ) وانصرفوا ، لمّا جاء الرّسول عليه السّلام ، وذكر نساؤه له ما سمعن من كلام الرّهط دخل المسجد وجمع النّاس وخطبهم قائلا: ( ما بال أقوام يقولون كذا وكذا وكذا ) يعيد كلامهم ( ما بال أقوام يقولون أنا أقوم الليل ولا أنام ، وأنا أصوم الدهر ولا أفطر وأنا لا أتزوج النساء ، ما بال أقوام ) يقولون كذا وكذا وكذا ( وأما إنّي أخشاكم لله وأتقاكم لله أما إنّي أصوم وأفطر وأقوم اللّيل وأنام ، وأتزوّج النّساء فمن رغب عن سنّتي فليس منّي ) هذه السّنّة أي معرفة ما كان عليه الرّسول عليه السّلام ، من منهجه في حياته في عبادته ، هذا أمر يجب على كلّ مسلم أن يكون على علم به ، وإلّا وقع في مثل ما وقع صاحبك الّذي أشرت إليه آنفا ، هذا الرّجل ، ذكر حديث الأعرابيّ ، ونحن نؤيّد حديث الأعرابي لكن ما نريد أن يكون المسلمون كلّهم أعرابا ، ولا نريد أن يكون المسلمون كلّهم يقتصرون في العبادة فقط على الفرائض وإنّما نريد منهم أيضا أن يحافظوا على كثير من السّنن ، السّنن الّتي لا تجب على المسلمين وإنّما هي سنن مستحبّة بالنّسبة إليهم فنحن نريد من المسلمين ، أن لا يكونوا كذلك الأعرابي ، وإنّما أن يكونوا كأصحاب الرّسول عليه الصّلاة والسّلام ، الّذين كانوا حريصين كلّ الحرص ، على اتّباع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في عبادته حتى مع الغلوّ مع المبالغة يلّي الرّسول عليه السّلام أنكرها على الرّهط فقد صام النّبي صلّى الله عليه وسلم ، ذات يوم صيام تطوّع وواصل , واصل اللّيل بالنّهار فاتّبعه في ذلك بعض أصحابه ، فلمّا رأى ذلك عليه الصّلاة والسّلام منهم أنكر ذلك عليهم ، أنكر عليهم المواصلة ، وقال لهم إن كان لا بدّ أحدكم يواصل ، فمن السّحور إلى السّحور أي لا بدّ من السّحور هذه رخصة ، قالوا له: يا رسول الله إنّك لتواصل ، فقال عليه الصّلاة والسّلام: ( إنّي أبيت عند ربّي يطعمني ويسقيني ) أي هنا نحن نأخذ شيئين الشّيء الأوّل له علاقة بالرّسول وخصوصيّة له ، إنّه يبيت عند ربّه يطعمه ويسقيه ليس طعاما ماديّا ، ولا سقيا ماديّة ، وإنّما طعام وشراب معنويّ كما يقولون اليوم روحانيّ لكن في الوقت نفسه قال لأصحابه: ( إنّكم لستم كهيئتي إنّي أبيت عند ربّي ، يطعمني ويسقيني ) فنهاهم عن المواصلة ، لأنّه فيها إتعاب للإنسان ، أكثر ممّا يطيق لكن هذا الّذي أنكره الرّسول عليه الصّلاة والسّلام إنّما هو أن يعتاد الإنسان عادة على خلاف سنّة الرّسول عليه السّلام ومنهجه كما جاء في حديث أنس ( أصوم وأفطر ) مش دائما صائم ، ومش دائم مفطر ، فإذا لا ينبغي للمسلم أن يكون أعرابيّا يقتصر على المحافظة على الفرائض فقط ، وبخاصّة إنّه صلاتنا نحن اليوم يا معشر المسلمين ، يا معشر من يريد أن يقلّد الأعرابيّ ، ولا يريد أن يتّبع الرّسول عليه السّلام الذي قال مثلا: ( من صلّى أربعا قبل الظّهر وأربعا بعد الظّهر حرّم الله بدنه على النّار ) فأنا أقول للمسلمين اليوم لا ينبغي أن يكون قدوتهم الأعرابي وإنما أن يكون قدوتهم هو من قال الله عزّ وجلّ في حقّه: (( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر )) فاليوم من غفلة المسلمين وجهلهم ، إنهم يتخذوا الأعرابي حجّة بينهم وبين الله ، ونسوا أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم هو القدوة فقط ليس غيره إطلاقا ، وأقول يجب على المسلمين اليوم ، أن يحرصوا على الاقتداء بعبادة الرّسول وبسننه لا يزيدوا عليها ولا ينقصوا منها ، لماذا ؟ لأنّ الفرائض يلّي بأدّوها اليوم هي نفسها ناقصة ، وهنا عبرة لمن يعتبر ، قلنا نحن آنفا الأعرابيّ بزمن الرّسول صلّى الله عليه وسلّم كان يشوف الرّسول ويصلّي الصّلوات الخمس وراء الرّسول وتكون صلاته مقبولة إن شاء الله ، قال ( إن صدق ) يعني إن ثبت على ذلك ، أما اليوم فأنتم شايفين أئمّة المساجد صلاتهم بالتّعبير السّوري أيضا مجعلكة ، فما بالكم بالنسبة لأفراد الناس ولعامّتهم ، هنا يأتي قوله عليه الصّلاة و السّلام: ( إنّ الرّجل ليصلّي الصّلاة وما يكتب له منها ، إلا عشرها أو تسعها أو ثمنها أو سبعها أو سدسها أو خمسها أو ربعها أو نصفها ... ) بالكثير وبأحسن الأحوال يكتب للإنسان نصف الصّلاة ، يا ترى هؤلاء الّذين جعلوا الأعرابيّ ذاك قدوة لهم ويريدوا يكتفوا في أداء الصّلوات الخمس فقط ، أنا على مثل اليقين أنّها ناقصة بل إن شاء الله تكون مقبولة ، مش فقط له عشرها ، لا يكون له منها في المائة لأن تكون مقبولة ، لماذا لأنّ أكثرهم لا يطمئنّون في الرّكوع وفي السّجود ، وقد قال عليه الصّلاة والسّلام: ( لا تجزئ صلاة رجل لا يقيم صلبه بين ركوعه وسجوده ) وقال في حديث آخر: ( أتدرون من السّارق ؟ قالوا السّارق فينا من يسرق المتاع , قال لا ، السّارق فيكم من يسرق من صلاته قالوا وكيف يسرق من صلاته ؟ قال لا يتمّ ركوعها وسجودها ) فأنا في اعتقادي اليوم ، أكثر النّاس خاصّة أولئك الذين رضوا أن يكون الأعرابي قدوتهم ، لا شكّ أنّهم يسرقون صلاتهم فهؤلاء إذا ما حافظوا على السّنن الرّواتب ، ومثل الآن في رمضان بالسّنة شهر واحد ، هدول رايحين يجوا يوم القيامة وصلاتهم ناقصة ، وقد قال عليه الصّلاة والسّلام: ( أوّل ما يحاسب العبد يوم القيامة الصّلاة ، فإن تمّت فقد أفلح وأنجح وإن نقصت فقد خاب وخسر ) إذا كنت أرضى ، عمّن يريدون أن يقلّدوا الأعرابيّ ، أنّه تكون صلاتهم كاملة ، لأنّه حينئذ يصدق فيهم قوله: ( دخل الجنة إن صدق ) أمّا ونحن شايفين بأعيننا أن أقلّ النّاس هم الذين يحسنون صلاتهم ، فهؤلاء يلّي صلاتهم ناقصة ضروري أن يحافظوا على السّنن للحديث التّالي وبه أنهي هذه الجلسة قال عليه الصّلاة والسّلام في بعض روايات الحديث السّابق: ( فإن نقصت صلاته قال الله عزّ وجلّ لملائكته ، انظروا هل لعبدي من تطوّع فتتمّوا له به فريضته ) إذا النّقص يلّي بدّه يقع من صلاة المسلم في الفرض يسدّد على حساب النّوافل ، فإذا كان الإنسان ما في عنده نوافل ، رايح يضرب وجهه في تلك الصّلاة لما فيها من نقص ، فإذا الّذين هم أزهد النّاس بالسّنن وأحرص النّاس على المحافظة على الفرائض فقط هم يجب أن يكونوا أحرص الناس على المحافظة على السنن لأنّها منها يكمل النقص الذي يقع في فرائضهم ونسأل الله عزّ وجلّ أن يلهمنا رشدنا ويعلّمنا سنّة نبيّنا وأن يوفقّنا لاتّباعها والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

أبو ليلى : جزاك الله خير شيخنا .

مواضيع متعلقة