الكلام حول زخرفة المصاحف والمساجد وتعليق الآيات. - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
الكلام حول زخرفة المصاحف والمساجد وتعليق الآيات.
A-
A=
A+
الشيخ : إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, أعتقد أن هذه الدعوة في هذه الأمسية الطيبة إن شاء الله لم نُدع إليها رياء وسمعة وظهورا وإنما حبا في الله إن شاء الله وعلى ذلك فمن أوائل شروط الحب في الله هو التناصح في دين الله ومن أهم ما ينبغي التذكير والنصح به هو ما شاع بين الناس وصار جزءا لا يتجزأ من حياتهم وبخاصة من كان غير مقتّر أقول عليه في الرزق وليس من الضروري أن نقول وبخاصة إذا كان موسّعا عليه في الرزق فلذلك أنا أذكر والذكرى تنفع المؤمنين بهذه المناسبة من اللقاء الطيب إن شاء الله أن بيت المسلم ينبغي أن يتمثل في واقعه كما يمثل المسلم شخصيته المسلمة لواقعه, فكما أنه هو لا يتشبه في مظهره بالكفار فكذلك لا ينبغي له أن يتشبه في داره التي هي أشبه ما يكون بالنسبة إليه وأهله كلباسه فينبغي أن تكون هذه الدار تمثل أيضا فكرة ساكن الدار من حيث الإبتعاد عن التشبه بالكفار وليس هذا فقط بل والتشبه بجنسين اثنين أيضا وهما المترفون والمبتدعون.
أما التشبه بالمترفين فهو بلا شك من حيث التوسع في استعمال وسائل الزينة والحقيقة أنني لا أريد أن أقف كثيرا عند هذه النقطة بالذات ألا وهي التشبه بالمترفين فضلا عن الكفار لأني لا أرى كبير شيء في هذه الدار والحمد لله مما ينبغي التذكير به في ما يتعلق بالكفار بل حتى في ما يتعلق بالمترفين, لأنه والحمد لله لا أرى هنا يعني كبير شيء من مظاهر البذخ والترف ولذلك فإنما أردت أن أدندن حول التشبة بالمبتدعين وهذه دائرة واسعة جدا قد يقع فيها من هو على خطنا وعلى منهجنا من حيث انطلاقنا على ما كان عليه نبينا صلوات الله وسلامه عليه وسلفنا الصالح رضي الله عنهم أجمعين ألا وهو أن نتمثل بقول أحد أولئك السلف المشهورين بالعلم والصلاح والسابقية في الإسلام ألا وهو عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه حيث قال " اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم عليكم بالأمر العتيق " بهذه الخصلة وهي وجوب اتباع السلف والانتهاء عن ابتداع الخلف رأيت أن أذكّر ببعض المظاهر التي قلّ ما ينجو منها بيت مسلم حتى ولو كان صاحبه صاحب فقر متقع, ألا وهو تزيين الجدر ببعض الآيات الكريمة فقد يكون التزيين بمجرد لافتة بخط بسيط جدا فضلا عن أن يكون التزيين بخط جميل وبإطار مزخرف من كلّ لون حينئذ نحن نقول هذا بلا شك لو أن المسلم كان عنده شيء من الثقافة السّلفية فهو يعلم يقينا أن هذا لم يكن من هدي السلف وقد قيل وحق ما قيل " وكل خير في اتباع من سلف *** وكل شر في ابتداع من خلف " فالقرآن الكريم كما تعلمون جميعا إنما انزل كما صرح القرآن الكريم (( لتنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين )) فلم يتنزل القرآن من ربنا سبحانه وتعالى الذي على العرش استوى لتزيين الجدر أو لزخرفة المصاحف وإنما أنزل للعمل بما فيه من أحكام ومن سلوك ونحو ذلك وينبغي أن نعلم أن من مكايد الشيطان لبني الإنسان أنه يزين له أمرا ليس مشروعا وما ذلك إلا ليصرفه بذلك عما هو مشروع, فكثير من الناس يقنعون بتعليق المصحف في صدر المكان مثلا لكن هو لا يقرأ المصحف لا ليلا ولا نهارا بل ربما لا يصلي لله صلاة, فالشيطان أقنعه حسبه أن يضع شعار المسلمين وهو القرآن الكريم مصحف موضوع يعني في ظرف أو في كيس قد يكون يعني من ثياب أو من ثوب ثمين هذا هو تعظيمه للقرآن الكريم! أما أن يتمثل بمثل قوله تعالى (( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله )) فهذا صرفه الشيطان عدو الإنسان المبين عنه إلى مثل هذه الظواهر التي ترى في بعض البيوت وبعض الدور, لذلك فزخرفة الجدر بتعليق الآيات الكريمة وبخاصة إذا كانت بخط مذهّب وجميل فهذا ما ينبغي أن يقع فيه المسلم لأنه فيه أمران اثنان ذكرتهما آنفا فألخص الآن الأمرين فأقول الأول لم يكن من عمل السلف, الثاني أنه من تدجيل الشيطان وتلبيس الشيطان على الإنسان يوهمه أن هذا من الشرع لأن فيه احتراما وتعظيما وليس الأمر كذلك وبهذه المناسبة يعجبني أن أذكر ببدعة أخرى وبأثر من ذلك الصحابي الجليل الذي سبق ذكره آنفا وهو ابن مسعود أنه سئل عن زخرفة المصحف فقال ما معناه إن زخرفة المصحف ليس من العمل المشروع وإنما المشروع أن تعمل بما فيه وليس أن تزخرفه وتزينه, وهذا أيضا يجرنا وأرجو أن أنهي هذه الكلمة أو هذه الموعظة ببدعة أخرى عمّت وطمّت وشملت مساجد المسلمين حتى المساجد الثلاثة التي قال نبينا صلوات الله عليه وسلامه عليه فيها ( لا تشدّ الرّحال إلا لثلاثة مساجد مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى ) وقال ( لا اعتكاف إلا في ثلاثة مساجد) وذكر هذه المساجد الثلاثة, فهذه المساجد الثلاثة أفضل مساجد الدنيا قاطبة لم تنجو من آفة زخرفة المسجد هذه الزخرفة التي جاءت أحاديث في تحذير المسلمين منها ومع ذلك فما أفاد ذلك القائمين على بناء المساجد ولو على حساب المتبرعين والمحسنين فهؤلاء الذين يقومون على بناء المساجد يقعون في مخالفتين اثنتين, المخالفة الأولى ما نحن في صددها وهو مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم في بعض الأحاديث التي تنهى عن زخرفة المساجد منها قوله صلى الله عليه وسلم ( ما أمرت بتشييد المساجد ) أي بدهنها وتبييضها والعناية بزخرفتها كما يشير إلى ذلك راوي الحديث وهو عبد الله بن عباس حيث علق على الحديث بقوله " لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى " وكأن هذا الكلام الذي نطق به عبد الله بن عباس كأنه صدر من مشكاة النبوة لأنه طابق واقع المسلمين اليوم " لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى " فنحن اليوم لا نكاد نفرق بين مسجد وبين كنيسة من حيث أنّ كلاّ منهما يشبه الآخر في المبالغة في زخرفة هذه الأمكنة, فقول ابن عباس لتزخرفنها يحتمل أن يكون موقوفا في حكم المرفوع ويحتمل أن يكون اجتهادا معه أخذه من بعض الأحاديث العامة التي منها مثلا قوله صلى الله عليه وسلم ( لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ) فهذا الحديث عام وشامل فيمكن ابن عباس أن يكون أخذ هذه الكلمة من كلمة خاصة من الرسول أو من عموم هذا الحديث حديث ( لتتبعن سنن من قبلكم ) كذلك من الأحاديث التي نهى الرسول عليه السلام وحذّر من أن يقعوا في مثل هذه الزخارف قوله صلى الله عليه وسلم ( لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس بالمساجد ) وهذه حقيقة واقعة ومؤسفة جدا من حيث أنها تخالف تعاليم الرسول عليه السلام, أقول هذه المفسدة الأولى التي يقع فيها القائمون بجمع التبرعات من الناس, المشكلة الأخرى أن الذي يبني مسجدا على نفقته وعلى حساب جيبه فهو خالف الرسول عليه السلام في هذه الأحاديث أما أولئك الذين يجمعون الأموال فهم مؤاخذون من جهة أخرى أنهم وضعوها في غير ما شرع له ولذلك فأنا أحذر أن أحذا يشارك في جمع الأموال لبناء مسجد فيه شيء من هذه الزخارف ومنها المئذنة الطويلة هذه التي تكاد تنطح السحاب بطولها ولا حاجة إليها في هذا الزمان إطلاقا لأنه من قبل كانوا يزعمون أنها من المصالح المرسلة وأن المقصود منها أن المؤذن يطلع أعلى المئذنة ليبلغ صوته لأبعد أذان ممكن الآن مكبر الصوت هذا كما تعلمون يوصل الصوت إلى أبعد مسافة ممكنة بحيث المئذنة مهما طالت فسوف لا تأتي بعشر معشار هذه الوسيلة التي خلقها الله عز وجل في هذا الزمان, فإنفاق الألوف المؤلفة من الدنانير ليس فقط لزخرفة المسجد من الداخل بل ولإطالة المئذنة من الخارج هذا كله إضاعة للمال فضلا عن مخالفة الأحاديث السابقة الذكر التي تتعلق بزخرفة المساجد هذه كلمة أحببت أن أذكّر بها والذكرى تنفع المؤمنين والآن أدع الفرصة لمن كان له سؤال حول هذه الكلمة أو غيرها.

مواضيع متعلقة