هناك أثر عن عليٍّ - رضي الله عنه - يقول : " حدِّثوا الناس بما يفهمون ؛ أتريدون أن يُكذَّبَ الله ورسوله ؟! " ، فقد نقل الحافظ ابن حجر عن الإمام مالك أن هذا في الصفات ؛ فهل هذا الأثر صحيح ، وإن كان صحيحًا فما المراد منه ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
هناك أثر عن عليٍّ - رضي الله عنه - يقول : " حدِّثوا الناس بما يفهمون ؛ أتريدون أن يُكذَّبَ الله ورسوله ؟! " ، فقد نقل الحافظ ابن حجر عن الإمام مالك أن هذا في الصفات ؛ فهل هذا الأثر صحيح ، وإن كان صحيحًا فما المراد منه ؟
A-
A=
A+
السائل : هناك أثر عن علي - رضي الله عنه - يقول : " حدِّثوا الناس بما يفهمون ، أتحبُّون أن يُكذَّبَ الله ورسوله ؟! " ، وقد نقل الحافظ ابن حجر قولًا عن مالك أن المراد بذلك أحاديث الصفات ؛ فهل هذا الأثر صحيح ؟ وإن لم يكن صحيحًا ؛ فما المراد بذلك الأمر ؟

المفروض يقول : وإن كان صحيحًا .

الشيخ : الحديث صحيح أو الأثر هذا صحيح موقوفًا على عليٍّ - رضي الله عنه - ؛ فقد رواه البخاري متصل الإسناد إلى عليٍّ - رضي الله عنه - ؛ فهو صحيح لا ريب فيه ، أما المعنى المقصود به فهو أنه يجب أن لا نحدِّث عامة الناس بشيء لا تتحمَّله عقولهم ، وليس من هذا القبيل كما ذُكِرَ عن مالك أن لا نحدِّث الناس بآيات الصفات وأحاديث الصفات أو أحاديث الصفات ؛ لأنُّو معنى هذا أن لا نحدِّث الناس بآيات الصفات ، وهذا لا يقوله من هو دون مالك بمراحل فضلًا عن أن يقوله الإمام مالك ، إمام دار الهجرة .

لا سيما وفطرة الناس عامة الناس أقرب إلى العقيدة السلفية في هذه القضية من المثقَّفين المتأثِّرين بعلم الكلام ؛ لأن عقيدة السلف هي باعتراف الخلف أسلم ؛ فكيف يُقال بأنه لا ينبغي أن نحدِّث العامة بالعقيدة التي هي أسلم ؟ فهذا المثال لهذا الأثر غير مُطابق له ولا هو المقصود مثله منه ، وإنما نأخذ مثالًا له ما رواه البخاري نفسه في ظنِّي أنه في هذا الباب أن معاذًا - رضي الله عنه - كان رِدْفَ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، فقال له - عليه الصلاة والسلام - : ( ألا أبشِّرك يا معاذ ؟! ) . قال : بلى يا رسول الله . قال : ( مَن مات وهو يشهد أن لا إله إلا الله حرَّم الله بدنه عن النار ) . قال معاذ : يا رسول الله ، أفلا أبشِّر الناس ؟! قال : ( دَعْهم يعملون ؛ إذًا يتَّكلوا ) . ( دَعْهم يعملون ) ، فقول الرسول - عليه السلام - لمعاذ وتبشيره إياه بفضيلة هذه الشهادة ، هذه الكلمة الطَّيِّبة أن مَن قالها مخلصًا من قلبه حرَّم الله بدنه على النار قد يفهم بعض الناس كما هو الواقع في كثير من البلاد خاصَّة عندنا في سوريا أنُّو خلاص ما دام هو بيشهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة " ترنزيت " لا حساب ولا عذاب ! بينما ليس المقصود من هذه الشهادة التي لها تلك الفضيلة هو أنَّ مَن قال بها مجرَّد قول أنجاه الله من النار ، بل لا بد أن يؤمن بها ، ثم الإيمان بها لا بد أن يتقدَّمَه معرفة معناها .

ونحن - مع الأسف الشديد - لا نزال نجادل جماهير المسلمين في تفهيمِهم معنى هذه الكلمة الطَّيِّبة ، فإنهم يفسِّرونها لا يزالون تفسيرًا ناقصًا ؛ يقولون : معنى " لا إله " أي : لا ربَّ ، وهذا التفسير قاصر ، ولا أريد أن أدخل في هذا الموضوع ، وإنما المعنى " لا إله " أي : لا معبود بحقٍّ إلا الله ، فإذا عرفَ المسلم المعنى الصحيح لهذه الكلمة الطَّيِّبة ، ثم آمَنَ به جازمًا من قلبه هذا بلا شك كما قال - عليه السلام - في حديث آخر : ( مَن قال لا إله إلا الله نفعَتْه يومًا من دهره ) ، لكن من مستلزمات هذه الكلمة الطَّيِّبة أن يعمل بمقتضاها ، ومقتضاها العمل على الأقل بالأركان ، فمَن عمل بلوازم هذه الشهادة حرَّمَ الله بدنه على النار تحريمًا مطلقًا ، هذا المعنى الصحيح الكامل ، أما إذا قصَّر في قليل أو كثير من العمل بلوازم هذه الشهادة فهو أمره إلى الله كما قال ربنا - تبارك وتعالى - في كتابه : (( إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ )) ، فإذا مات هذا المُوحِّد القائل المؤمن بهذه الشهادة أنجَتْه من الخلود في النار ، لكن لا تحول بينَه وبين أن يدخل النار بسبب ذنوب كان قد اقتَرَفَها أو أصابَها ، إن شاء الله عذَّبَه وإن شاء غفر له ، ففَهْمُ هذا النَّصِّ كثير من الناس يسيئونه ؛ لذلك لما استأذن معاذٌ رسول الله في أن يُبشِّر الناس قال له : ( لا ؛ إذًا يتكلوا ؛ دَعْهم يعلمون ) .

فهذا مثال صادق لأثر عليٍّ : " كلِّموا الناس على قدر عقولهم " ، فالناس أو الأشخاص الذين يفهمون منك إذا بشَّرتهم بهذه البشارة النبوية خلاف المعنى الصحيح فلا ينبغي أن تحدِّثَهم به إلا أن تُحدِّثَهم وتشرح لهم المعنى شرحًا كاملًا بحيث أن هذه الشهادة حين ذاك إذا ما عرفوها زادَتْهم إيمانًا على إيمانهم وصلاحًا على صلاحهم .

مواضيع متعلقة