ذكر الفرق بين نظرة السلفيين إلى أئمة المذاهب ونظرة غيرهم من المنتسبين إليهم ، وهل اتباع الأئمة غاية أم وسيلة إلى الحق ؟ ومن الأحقُّ بالاتباع ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ذكر الفرق بين نظرة السلفيين إلى أئمة المذاهب ونظرة غيرهم من المنتسبين إليهم ، وهل اتباع الأئمة غاية أم وسيلة إلى الحق ؟ ومن الأحقُّ بالاتباع ؟
A-
A=
A+
الشيخ : أيضًا هذا مجال البحث طويل لا أريد أن أخوض فيه ؛ لأنني في صدد بيان نقطة الاختلاف بيننا نحن السلفيين الذين نشترك مع جماهير المسلمين في تقدير الأئمة واحترامهم ؛ نفترق في هذه النقطة ، نحن نعتبر الأئمة وسائل ووسطاء لِيُبلِّغونا العلم عن الله ورسوله ، فنحن لا نتَّبعهم لذواتهم ، ولا نجعل اتباعنا إياهم غايةً من غاياتنا ؛ لأن الغاية الوحيدة هي أن نعرف ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وآله سلم - مما أنزله ربُّه عليه في كتابه أو بيَّنه هو - عليه الصلاة والسلام - في سنَّته ؛ فهؤلاء العلماء الأجلَّاء نحن نتخذهم وسائط لِيُبلِّغونا دعوة الكتاب والسنة ، أما الجماهير من الذين يشتركون معنا في تقدير العلماء هؤلاء واحترامهم فهم طلبوا هذه الحقيقة ، وجعلوا اتباع العلماء إن صح إطلاقنا هذه اللفظة فيهم جعلوا اتباعهم ، إنما هم جعلوا تقليدهم لهؤلاء الأئمة هي الغاية ، والدليل قال : " وبضدِّها تتبيَّن الأشياء " ، الدليل أن كلًّا منهم رضي بإمام وتمسَّك بكل أقواله ، ولا يتمسَّك بشيء من أقوال الأئمة الآخرين وهي أكثر وأكثر ؛ لأن قول الأئمة ثلاثة أو بأن أقوال أئمة ثلاثة هي بلا شك أكثر وأكثر من أقوال إمام واحد ؛ فلذلك فكلُّ مقلد لإمام من هؤلاء الأئمة فهو خاسر أكثر ممَّا ربح من تقليده ، وفي القسم الذي أصاب الإمامُ الحقَّ في ذاك الذي يقلده هذا المقلد .

أما نحن فقد عرفنا منزلة الأئمة في علمهم من جهة ، وعرفنا أنهم وسائل ووسائط ليسوا مقصودين بالذات في الاتباع كما هم بيَّنوا ذلك بوضوح في تلك الأقوال التي أشرنا إليها من مقدمة كتابنا " صفة الصلاة " ، فهم يقولون - مثلًا - لأتباعهم وأصحابهم : " خذوا من حيث أخذنا " ، فخذوا من حيث أخذنا تأكيد لهذا الذي نقول أنهم ليسوا مقصودين بالاتباع ، وإنما المقصود بالاتباع هو الله ثم رسول الله ، وهو - عليه الصلاة والسلام - الوحيد الذي يجب اتباعه دون سائر الناس ، وهو النبيُّ الوحيد الذي جعلَ الله - عز وجل - اتباعه دليلًا أو الدليل لمحبَّة الله - عز وجل - كما في الآية المشهورة : (( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ )) .

فإذًا الفرق هام ، ويمكن إيجازه بكلمة قصيرة ؛ دعوتنا تنحصر في إفراد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في الاتباع ، فهو عندنا لا مثيل له ولا شريك له في الاتباع ، لا نتَّبع أحدًا من البشر إطلاقًا إلا الرسول - عليه الصلاة والسلام - ، أما غيرنا فالمتبوعون عندهم كثر كما هو معروف ، وليت أن الأمر في الاتباع عندهم انحصَرَ في اتباع الأئمة الأربعة ، وليت أن الأمر انحصَرَ عندهم في اتباع تلامذة هؤلاء الأئمة ، وليت ليت ، ولا فائدة من ليت مطلقًا !! ولكن هذا تفصيل وبيان أن الأمر خطير جدًّا .

إن الأمر بتوالي الأيام ومضيِّ السنين صار المتبوعون عند المدَّعين الاتباع للأئمة الأربعة لا يمكن حصرهم بالألوف المؤلفة ، إنك إذا جئت إلى رجلٍ متفقِّه في مذهب ما ، واحتجَجْتَ عليه بكتاب إمام من هؤلاء الأئمة ، وكان هذا الإمام هو إمام هذا الإنسان الذي ينتمي إليه كالحنفي والشافعي - مثلًا - ، فجئته بالنَّصِّ من كتاب الإمام ؛ قال : لا ، نحن لا نتَّبع هذه النصوص !! طيب ؛ أنت رجل حنفي أو شافعي ؟ يقول : نحن ما نستطيع أن نأخذ من نفس الإمام . إذًا هو يأخذ ممَّن أخذ ممَّن أخذ ممَّن أخذ حتى يصل إلى الإمام ، إذًا هم يأخذون من المتأخرين ، ولا يأخذون من الأئمة المتقدِّمين . كانت المشكلة في الحقيقة نتوهَّمها محصورةً بين دعوتنا في اتباع الكتاب والسنة وتوحيد الرسول - عليه السلام - في الاتباع دون الأئمة الأربعة ، الأقطاب الأربعة بحقٍّ في العلم ، وإذا المشكلة أكبر من ذلك ؛ فإنهم يأبون علينا - أيضًا - أن يظلوا متَّبعين للأئمة ، فليس عندهم من العلم ومن الثقافة والوعي أصولًا وفروعًا أن يجدوا في أنفسهم القدرة والاستطاعة لاتباع الأئمة أنفسهم ، وإنما يتَّبعون مَن مَن مَن مَن إلى أن يأتي إلى الفقيه في العصر الحاضر .

ونحن عندنا أدلة وشواهد كثيرة جدًّا في مناقشاتنا القديمة قبل انتشار الدعوة السلفية .

مواضيع متعلقة