كيف نردُّ على من يحتجُّ بخروج الصحابة للدعوة إلى الله في كثير من البلدان على تجويز خروج التبليغيِّين للدعوة ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
كيف نردُّ على من يحتجُّ بخروج الصحابة للدعوة إلى الله في كثير من البلدان على تجويز خروج التبليغيِّين للدعوة ؟
A-
A=
A+
السائل : دائمًا نسمع عندهم يقولون - يعني يحتجون على الخروج - يقولون : انظروا إلى الصّحابة من أهل مكة والمدينة وقبورهم في بخارى وسمرقند ، هؤلاء خرجوا للتبليغ ؛ فما ردُّ فضيلتكم على ذلك ؟

الشيخ : ليتنا نخرج كما خرج أولئك القوم ، خرجوا مجاهدين غزاة ، ما خرجوا هذا الخروج الذي لا يقترن مع الأسف لا منهم ولا من غيرهم من المسلمين ، لأن الأوضاع كما تعلمون لا تساعد المسلمين - مع الأسف - أن يقوموا بواجب الجهاد في سبيل الله ، حيث صار هذا الجهاد فرض عين على كل المسلمين ، فليت خروج هؤلاء يكون لنخرجَ معهم لنجاهدَ في سبيل الله كما جاهد أولئك الأصحاب الأولون بعدهم ، حيث خرجوا مجاهدين في سبيل الله إلى أقاصي بلاد الدنيا ، فهذا يقال - على تعبير الفقهاء - قياس مع الفارق ، أولئك خرجوا غزاة مجاهدين في سبيل الله ، فهؤلاء لا يخرجون ، ونحن معهم مع الأسف لا نبرِّئ أنفسنا ، كلنا لا نخرج للجهاد في سبيل الله ، وهذا واجب عين ، فقد غُزينا في عقر دارنا كما تعلمون ، لكن من الحق أن نعرف الخطأ وأن نقرَّ به ؛ لأن إقرارنا به يحملنا إلى أن نعالجه بما يمكننا من الوسائل ، أما إذا جحدنا الحقَّ وقلبنا الحقيقة فسنظلّ بعيدين عن الحق بعد السماء عن الأرض ، فهم إذا أرادوا أن يخرجوا كما خرج الأولون فمن الذي ينكر عليهم ؟

بحثُنا أن يخرج ناس يعترفون أنه لا علم عندهم لماذا ؟ لتبليغ الإسلام ، فاقد الشيء لا يُعطيه ، فإذن شتان ما بين القياس والمقيس عليه .

السائل : ... .

الشيخ : بارك الله فيك ، لا تأخذ من كلامي جملة تدندن حولها ، هم أولًا جماعة تبليغ يبلغون ماذا ؟ التوراة ؟ الإنجيل؟ الإسلام ؟ يبلغون الإسلام ، هم يعترفون أنهم ليسوا فقهاء في الإسلام ، فإذًا " فاقد الشّيء لا يعطيه " ، نحن لا ننكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والتناصح والتفاهم ، هذا لا ينكره مسلم ، لكن نحن ننكر هذا التّنظيم المُعنون بعنوان التبليغ ، تبليغ ماذا ؟ تبليغ الإسلام ، ونحن ما أردنا أن نخوض في التفاصيل ، هم لا يدخلون في التفقه في الكتاب والسنة ؛ لأنهم يقولون هذا يفرق ، ونحن نرى أن الدعوة إلى الكتاب والسنة هو الواجب ، ولعلي لا أقدم إليكم أمرًا مجهولًا ، وإن كنت أعتقد أنه مجهول لدى كثير من الناس ، إن من أسماء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم التي غفل عنها كثير من المسلمين بسبب توجيهات قد تكون منَّا ، وقد تكون من غيرنا ، أي : قد تكون منّا - نحن معشر المسلمين - ، وقد تكون موحى بها إلينا من غيرنا ، من أسمائه - عليه السلام - المفرِّق ، تعرفون هذا ؟ من أسمائه - عليه السلام - المفرِّق ، ما معنى المفرِّق ؟ واضح جدًّا يفرِّق بين الحقِّ والباطل ، يفرِّق بين المؤمن والمشرك ، بين الموحِّد والكافر ، وهكذا فإذًا حينما نحن نريد أن ندعو إلى الإسلام يجب أن نقول قال الله ، قال رسول الله ، ولا نقول لا نحن ما نبحث في هذه المسائل ، لا يوجد هناك مسألة متَّفق عليها إلا ما قلَّ وندر ، حتى في التوحيد يوجد خلاف ، إن بعض أفراد جماعة التبليغ ألَّف رسالة كنتُ قرأتها في دمشق منذ نحو أكثر من عشر سنين ، لما جاء لشرح كلمة " لا إله إلا الله " فسَّرها بقوله : " لا معبود إلا الله " ! كيف لا معبود إلا الله والمعبودات في الواقع كثيرة وكثيرة جدًّا ؟! لكن أهل العلم يقولون في تفسير هذه الكلمة الطيبة : " لا معبود بحقٍّ إلا الله " ، وإلا فقد عُبدت اللات والعزى ، والآن عُبَّاد البقر ، ويفعلون بالمسلمين ما يفعلون ، وهم يعيشون معهم بجانبهم ، مع ذلك يفسر هذه الكلمة الطيبة تفسيرًا يعود إلى الشِّرك وليس إلى التوحيد الخالص ، حيث يقول : لا معبود إلا الله ، هذا من كان يعرف عقيدة وحدة الوجود الذي يؤمن بها كبار غلاة الصوفية ، وعلى رأسهم المُسمَّى بغير اسمه محي الدين بن عربي ، المدفون عندنا في سورية ، الذي يعرف عقيدة هذا الإنسان الذي يقول : " كل ما تراه بعينك فهو الله " !! والذي يقول : " لما عبد المجوس النار ما عبدوا إلا الواحد القهار " !! .

إذًا كل شيء يعبد في الكون ؛ فهو إله ، هذا التفسير الخاطئ القاصر يعود إلى تأييد وحدة الوجود التي يقول بها غلاة الصوفية ، والتي أجمع علماء المسلمين من أهل الحديث ، والماتوريدية ، والأشاعرة ، والمعتزلة ، على أن القول بوحدة الوجود هو أكفر من قول اليهود والنصارى ، لا سيما وابن عربي هذا يقول في كتابه " فصوص الحكم " : " إنما كفرت اليهود والنصارى ؛ لأنهم حصروا الله ، اليهود حصروا الله في عزير ، والنصارى حصروا الله في الأب - بزعمهم - والابن وروح القدس " ، قال هو : " أما نحن ؛ فقد وحَّدنا الله في كل شيء ، كل ما تراه بعينك فهو الله !! " . جاء هذا التفسير القاصر لعدم اهتمامهم بالعلم النافع ، فقال في تفسير كلمة التوحيد التي هي الفصل بين المؤمن والكافر ؛ ففسَّرها بجملة تساوي وحدة الوجود ، لا معبود إلا الله ! الحقُّ أن معنى هذه الكلمة الطيبة لا معبود بحق في الوجود إلا الله ، ففيه إثبات الألوهية لله وحده ، ونفي المعبودات الأخرى الباطلة .

هذه اضطررت التحدث عنها لألفتَ نظر السائل أن القضية ليست قضية دعوة مش مفهوم معالمها ، ولا واضح مراميها ومغازيها ، إنما نحن نخرج للدعوة ! ما هي الدعوة ؟ لو سألتهم عن التوحيد وأقسامه ؟ توحيد الربوبية ؟ توحيد الألوهية ؟ وتوحيد الأسماء والصّفات ؟ لو سألتهم ما قدَّموا إليك جوابًا ، ولئن كان بعضهم يعرف ذلك بسبب مخالطته لبعض جماعة التوحيد والدُّعاة للسلف الصّالح عرف ذلك ، لكنّه لا ينشره بينهم ؛ لأن هذا يفرِّق ، فرسول الله من أسمائه المفرِّق يفرِّق بين الحق والباطل ، فنحن يجب أن لا نستحيي من الحقّ ، أن لا نقول : نحن لا نبين الحق ؛ لأن هذا يفرّق ، يفرق بين مين ومين ؟ إذا كنَّا نحن المسلمين مجتمعين على اتباع الكتاب والسنة ، ورأيت إنسانًا أخطأ ، وبيَّنت له خطأه ، أو رآني أنا أخطأت فبيَّن لي خطئي ؛ أين التفريق ؟ هذا من معاني قوله - تعالى - : (( والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر )) .

مواضيع متعلقة