من درس " الأدب المفرد " ، باب الذي يصبر على أذى الناس ، شرح حديث عن ابن عمر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : ( المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خيرٌ من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم ) ، وبيان مخالفة الصوفية لهذا الحديث . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
من درس " الأدب المفرد " ، باب الذي يصبر على أذى الناس ، شرح حديث عن ابن عمر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : ( المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خيرٌ من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم ) ، وبيان مخالفة الصوفية لهذا الحديث .
A-
A=
A+
الشيخ : إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضلَّ له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له ، وأشهد أن محمَّدًا عبده ورسوله ، (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )) ، (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) ، (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )) ، أما بعد :

فإنَّ خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ، وبعد :

باب الذي يصبر على أذى الناس : روى بإسناده الصحيح عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : ( المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خيرٌ من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم ) .

هذا الحديث يبيِّن أن المسلم خيرٌ له أن يعاشِرَ الناس وأن يعاملهم وأن يخالطهم ؛ لأن في هذه المعاشرة وفي هذه المخالطة خيرًا له ولِمَن يخالطه ؛ ذلك لأنَّ المخالِط إما أن يكون بحاجةٍ إلى علم فهو بمخالطته للناس يستفيد مما عندهم ؛ لا سيَّما إذا كان هؤلاء الناس من أهل العلم والفضل والخلق الحسن ، وإن كان هو من هؤلاء - أي : مِن أهل العلم والفضل والخلق الحسن - فأولى به أن يكون منفعةً لغيره من هؤلاء الناس الذين يُخالطهم ويعاشرهم ، والحقيقة أن هذا الحديث فيه ردٌّ على اتِّجاه يتَّجهه بعض الطوائف الإسلامية منذ سنين طويلة ؛ ألا وهم أولئك الذين يُعرفون بالصوفية .

فإن هؤلاء الصوفية عرفوا من بين كلِّ الجماعات أو الطوائف الإسلامية بأنهم منزوون على أنفسهم ويقبعون في زواياهم ، وفي بيوت كانوا يسمُّونها بأسماء خاصة " تكايا وزوايا " ، بل غَلَا بعضهم حتى خرج عن مساكنة الناس مطلقًا حتى في هذه الزوايا والتكايا ، فكان أحدهم يخرج يعيش مع الوحوش في الصحارى والبراري والقفار كلُّ ذلك تهرُّبًا منهم من مخالطة الناس ؛ ذلك بأنهم يعتقدون أن هذه المخالطة لا تأتيهم بخير وإنما تجلب إليهم الشَّرَّ ؛ ولذلك كانوا يؤثرون أن يعيشوا خارج البنيان ، ولهم في ذلك قصص وقصص كثيرة وكثيرة جدًّا تُذكر في كتب الرقائق وكتب كرامات الأولياء والصالحين زعموا .

فهذا الحديث فيه ردٌّ صريح على هؤلاء الناس ؛ لأنَّ الإسلام لم يبعَثْه ربنا - تبارك وتعالى - ليعيشَ في صفٍّ واحد ، وإنما أنزل الله - عز وجل - دينَه وبَعَثَ رسله لتكونَ هناك أمَّة يعيشُ بعضهم مع بعض ، ويتعاون بعضهم مع بعض على الخير ويتناهون عن المنكر ؛ كما قال - عز وجل - : (( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ )) ، فالرجل الذي يعيش لوحده ولا يعيش بين بني جنسه ليس لديه مجال أن يتَّصف بهذه الصفة الخيريَّة التي وصف الله - عز وجل - بها هذه الأمة ، وكان من أبرز صفاتها (( تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ )) ، فالرجل الذي يعيش في البراري والصحارى والقفار لا يجد أحدًا يأمره بالمعروف ، ينهاه عن المنكر ، لا يجد أحدًا يعلِّمه شيئًا مما علَّمَه الله ، إن كان على علمٍ وإن كان على جهلٍ فلا يجد أحدًا يتعلم منه مما علَّمه الله - تبارك وتعالى - . لذلك يعيش طيلة حياته قفرًا كالأراضي التي هو يعيش فيها ، قفرًا من العلم ، قفرًا من الخلق ومن النعومة والليونة التي ينبغي على المسلم أن يتَّصف بها على اعتبار أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وصف المؤمن بصفاتٍ كثيرة ؛ منها أنه قال : ( المؤمن هيِّن ليِّن ) ، فهذه الصفة كونه هيِّنًا ليِّنًا لا يمكن أن ينطبعَ بها ذلك الإنسان الذي يعيش في الصحارى ؛ لذلك جاء في كثير من الأحاديث الصحيحة يصف فيها الرسول - عليه السلام - الأعراب الذين يعيشون في الصحارى ولا يعيشون في المدن بأنهم قساة القلوب غلاظ الأكباد .

مواضيع متعلقة