هل يوجد في الإسلام ما يُسمَّى بـ " التصوف الإسلامي " ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
هل يوجد في الإسلام ما يُسمَّى بـ " التصوف الإسلامي " ؟
A-
A=
A+
السائل : فضيلة الشيخ ، هل يوجد في الإسلام شيء اسمه التصوف الإسلامي ؟

الشيخ : نحن نقول بكل صراحة : لا شيء يسمَّى في الإسلام بالتصوف وبالتصوف الإسلامي ، وهذا الاسم دخيل ككثير من الأشياء التي دخلت على المسلمين ، بعضهم بشبهات يظنُّونها دلائل ، وبعضهم بأهواء يركضون خلفها ، التصوف الإسلامي كالأناشيد الإسلامية ليس لها أصل في الكتاب ولا في السنة ، وإنما هناك حقائق ثابتة في الشريعة يستغلُّها بعض الناس لتسليك أمور ليست من الإسلام بسبيل ، حينما يُناقش الصوفية المتعصِّبون لهذا الاسم يقولون : التصوف الذي ندعو إليه هو ما جاء في السنة من الرَّغبة في الزهد في الدنيا ، والإقبال على الآخرة ، والتمسك بالأخلاق الإسلامية كما ذكرنا كلمة قصيرة في أول هذه الجلسة من الحضِّ على حسن الخلق ؛ يقولون : هذا هو التصوف ؛ حينئذٍ لو انحصرت الدعوى على هذا التفصيل للتصوف ؛ فسوف لا يبقى هناك خلاف لو صحَّت الدعوى ، وحينئذٍ نطالب أهل التصوف بترك هذا الاسم ؛ لأن له تاريخًا وله معنى يزيد على ما يدَّعونه من معنًى ثابت في الشرع ؛ ألا وهو حسن السلوك ، فإن في التصوف أمورًا منكرة جدًّا ، أخطرها ما يُدندن حوله كبيرهم المعروف بـ " ابن عربي " الذي دُفن في دمشق ؛ فإنه رافع راية القول بـ " وحدة الوجود " ، والمقصود بوحدة الوجود هو أنه ليس هناك خالق ومخلوق ، إنما هي الطبيعة كما يقول الشيوعيون والدهريون الذين لا يؤمنون بأن لهذا الكون خالقًا ؛ تبارك وتعالى عمَّا يقول هؤلاء الظالمون علوًّا كبيرًا .

ابن عربي باتفاق كلِّ من ينتمي إلى التصوف ما وجدنا واحدًا منهم يتبرَّأ منه ، وهو الذي يُدندن دائمًا وأبدًا حول هذه الضلالة الكبرى ؛ ألا وهي وحدة الوجود ، هو يقول - مثلًا - في بعض كتبه :

" وما الكلب والخنزير إلا إلهنا *** وما الله إلا راهب في كنيسة " !!

ويقول : " كل ما تراه بعينك فهو الله " !! ويقول مَن يجري على نسقه وعلى مبدئه : " لمَّا عبد المجوس النار ما عبدوا إلا الواحد القهار " !! هذا هو إمام الصوفية ما نجد أحدًا من هؤلاء الصوفية الذين يتأوَّلون التصوف بأنه عبارة عن سلوك في حدود الشرع والتمسك بالأخلاق المحمدية ؛ ما نجد واحدًا من هؤلاء يتبرَّأ من ابن عربي ، ونحن التقينا مع كثير من هؤلاء المتصوفة وناقشناهم في عبارات ابن عربي الكافرة ، وقد ذكرت لكم آنفًا أمثلة منها ؛ فما وجدنا منهم تجاوبًا معنا على إنكارها ، بل قال لي أحدهم : أنا إذا قرأتُ كتاب " الفتوحات المكية " مثلًا لابن عربي ، وأشكلت عليَّ عبارة - هكذا يقول - أضعها على الرَّفِّ مؤقتًا ، وكلما مررت بمثلها من عبارات مشكلة - أيضًا - وضعتُها على الرَّفِّ ؛ حتى يتوفر لدي عبارات كثيرة من عبارات ابن عربي يقول بعد ذلك أخلو في خلوة ؛ تعرفون خلوات الصوفية أن يجلس في غرفة لا نور فيها ويزيد نفسه ظلمة على ظلمة ، فينصب ساقيه ، ويضع رأسه بين ركبتيه ، ويغمض عينيه ؛ ظلماتٌ بعضها فوق بعض ، هكذا نصَّ من لا يعتبر من غلاء الصوفية ، بل هو من كبار علماء الشافعية ؛ وهو الإمام الغزالي في أول كتاب " إحياء علوم الدين " يضع أدب المُريد إذا أراد أن يتلقى الإلهام من ربِّ العالمين هكذا يجلس في غرفة مظلمة ، وينصب ساقيه ، ويضع رأسه بين ركبتيه ، ويغمض عينيه ؛ ليتلقَّى ما ينزل عليه من الإلهام !! لا يقولون : من الوحي ؛ لأنه صدم للشرع صريح يسمُّون الوحي بالإلهام من باب المغالطة ، فهذا الصوفي وقد مات في دمشق من قريب ليس ببعيد قال لي : فإذا تجمَّعت عندي بعض المشكلات عملت خلوة ، وانفردت عن الناس ، وأذكر الله ، وأعبد الله ؛ يقول : الله يفتح عليه ويفهم تلك العبارات على الوجه الصحيح ، فقلنا له : هَبْ أن هذه العبارات يمكن أن يستخرج بعض منها معاني صحيحة ، ولكن أين أنتم ممَّا أدَّبنا النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بمثل قوله - كما ذكرت لكم في بعض الجلسات السابقة - : ( لا تكلَّمنَّ بكلام تعتذر به عند الناس ) ، يقول لذاك الصحابي الذي قال للنبيِّ : " ما شاء الله وشئت يا رسول الله " ؛ ( أجعلتني لله ندًّا ؟! قل ما شاء الله وحده ) ، أين قول هذا الصحابي : " ما شاء الله وشئت " من قول ابن عربي : " كل ما تراه بعينك فهو الله " ؟!! هذا كفر صريح ، فلو فرضنا المستحيل أن لمثل هذه العبارات معاني صحيحة ، لكن لا يجوز التلفظ بها ؛ لأنها خلاف تأديب الرسول - عليه السلام - لأمته .

باختصار : إنَّ في التصوف ضلالات كبيرة وكبيرة جدًّا ، أكبرها القول بوحدة الوجود ، والداعي إليها هو ابن عربي ، ولا يزال في رأس القائمين ومن العارفين بالله عند مدَّعي التصوف ، فضلًا عن سخافات وخرافات توجد في قصصهم وفي أسفارهم وفي رياضاتهم - كما يقولون - ، ولذلك فلو كان في التصوف شيء حسن مشروع فلا شك أن الإسلام قد سبق ذلك بمراحل كبيرة ، ولا يوجد شيء خارج الإسلام نحن بحاجة إليه إما بتصريح أو تصحيح عقيدة ، أو لتقويم سلوك ؛ فقد قال - عليه الصلاة والسلام - : ( ما تركت شيء يقرِّبكم إلى الله إلا وأمرتكم به ) .

هذا ما يمكن القول الآن .

تفضل .
  • فتاوى جدة - شريط : 34
  • توقيت الفهرسة : 00:34:44
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة