فائدة : بيان قد يتسائل شخص كيف يحاسب ويوم الحساب لم يأت بعد ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
فائدة : بيان قد يتسائل شخص كيف يحاسب ويوم الحساب لم يأت بعد ؟
A-
A=
A+
الشيخ : بعد هذا أريد أن ألفت النظر إلى مسألة قد تخطر في بال بعض الناس ، فقد يتساءل البعض في الحديث هنا : ( حُوسِبَ رجلٌ ممَّن كان قبلكم ) فقد يرد السؤال : هل وقع الحساب ؟ يوم الحساب : (( يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ )) ، فكيف جاء في الحديث هنا : ( حُوسِبَ رجلٌ ممَّن كان قبلكم ولم يجد في صفحته ) إلى آخر الحديث ؟ فهل قامت القيامة وهل وضع الميزان بالقسط وحوسب الناس وتبيَّن أن الناس فريقين فريق في الجنة وفريق في السعير ؟ طبعًا الجواب لا لا قامت القيامة ، ولا حوسب الناس ، فكيف يقول أصدق الناس : ( حُوسِبَ رجل ممَّن كان قبلكم ) ؟ الجواب على هذا جوابان : أحدهما أن يكون قوله - عليه السلام - هنا : ( حُوسِبَ ) كقوله - عز وجل - : (( أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ )) (( أَتَى أَمْرُ اللَّهِ )) يعني قامت الساعة ، (( فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ )) ترقّبوا الساعة ، يقول علماء البلاغة : " أن هذا معناه الإخبار بلسان الماضي عن أمر لما يقع وسيقع قريبًا تحقيقًا لوقوعه " هذا أسلوب في اللغة العربية ، (( أَتَى أَمْرُ اللَّهِ )) : يعني سيقع كما لو أنه وقع فعلًا وصار في خبر ماضي ، هذا : (( أَتَى أَمْرُ اللَّهِ )) . كذلك على هذا الميزان قال الرسول - عليه الصلاة والسلام - : ( حُوسِبَ رجلٌ ممَّن كان قبلكم ) يعني سيحاسب قريبًا وسريعا وسيوجد في صحيفته لا شيء من الحسنات إلا الإيمان إلى آخره فيقول الله - عز وجل - هو إن نجاوز عن عبادي فأنا أحق بالتجاوز عنه تجاوزوا عنه ، هذا الجواب الأول .والجواب الآخر : وهو الأظهر والأقرب : أن هذا وقع فعلًا لأن الأصل في كل جملة عربية لا سيما إذا كانت قرآنًا أو حديثًا نبويًا أن تفسر على ظاهرها فلا نقول : حوسب بمعنى سيحاسب بخلاف الآية السابقة ، حين قال : (( أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ )) لا بد من تأويل (( أَتَى )) بمعنى يأتي قريبًا ، ليه ؟ لأن الله - عز وجل - أتبع قوله : (( أَتَى أَمْرُ اللَّهِ )) بقوله : (( فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ )) فجملة (( فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ )) معناه أن هذا الأمر لم يأت بعد لكنه سيأتي قريبًا فلا تستعجلوا الطلب ... لأنه آتيكم قريبًا ، القصد أن في الآية جملة تؤكد أن أتى هنا على اعتباره فعلًا ماضيًا على غير بابه ، أي سيأتي لأنه قال : (( فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ )) ، وإلا لو كان أتى بمعنى أتى فعلًا فما معنى (( فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ )) ؟ قد يقول : فذوقوه ، فهذه الجملة كانت قرينة تفسير أتى بما سيأتي ، أما هنا ( حُوسِبَ رجلٌ ممَّن كان قبلكم ) فليس هناك قرينة ؛ لذلك الراجح أن يفسَّر الحديث على ظاهره ، وهذا هو المعنى الثالث : ( حُوسِبَ رجلٌ ممَّن كان قبلكم )) ؛ أي : فعلًا حُوسِبَ ، يعني عجّل له حسابه ، والله - عز وجل - على كل شيء قدير ، ولا فرق عنده أبدًا بين التعجيل بالحساب والتأني به والتأخير إلى يوم الحساب ، كله سواء عنده - عز وجل - فحاسب هذا الرجل لتظهر فائدة ونتيجة محاسبة الله لبعض عباده مع أنهم كانوا من الجناة والعصاة وإنما عفا الله عنهم لخصلة أو لخلق كان بهم ، عجّل الله - عز وجل - حساب هذا الإنسان لهذه الحكمة أو لغيرها مما قد يفهمه بعض الناس ولا يفهمه البعض الآخر .

مواضيع متعلقة