شرح حديث ابن عباس رضي الله عنهما : ( سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الأديان أحب إلى الله عز وجل قال الحنيفية السمحة ) . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
شرح حديث ابن عباس رضي الله عنهما : ( سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الأديان أحب إلى الله عز وجل قال الحنيفية السمحة ) .
A-
A=
A+
الشيخ : الحديث الثالث حديث حسن الإسناد يرويه المصنِّف - رحمه الله - : عن ابن عباس قال : سُئِلَ النبيُ - صلى الله عليه وسلم - : أَيُّ الأديَانِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ - عز وجل - ؟ قال: ( الحَنِيفِيَّةُ السَّمحَةُ ) .

هذا الحديث - أيضًا - يعالج فيه طرفًا مما يتعلق بحسن الخلق ، فإن من حسن خلق المسلم كما ألمحنا إليه سابقًا ألا يشتد في معاملته للناس حيث لا يجز الشرع ذلك وخاصَّة في معاملته لأهله ، فقد سئل - عليه السلام - : أي الأديان أحب إلى الله ؟ والمقصود هنا بالأديان ليست الطوائف المختلفة وإنما هي الأخلاق التي يتزيَّن بها المسلم ويتقرَّب بها إلى الله - تبارك وتعالى - أي الأديان أحب عند الله - عز وجل - ؟ قال - عليه السلام - في الإجابة على ذلك : ( الحنيفيَّة السَّمحة ) الحنيفية بالطبع المقصود بها الحكم الذي يميل المتمسّك به عن الأديان الباطلة والشرائع المخالفة للإسلام إلى ما جاء به الإسلام ، لأن الحنيفية ملَّة إبراهيم حنيفًا أي مائلًا عن الشرك عن عبادة الأصنام ، فهذا الدين هو الأحبُّ إلى الله - عز وجل - مع السماحة وهو عدم التشدد فيما لم يأمر الإسلام فيه بالتشدُّد ، فقال - عليه السلام - جوابًا عن سؤال السَّائل : أي الأديان أحب إلى الله - عز وجل - ؟ قال : ( الحنيفية السَّمحة ) . ولعل أحسن مثالًا يوضح السماحة التي يحض بها الإسلام ويأمر به حديث السيدة عائشة - رضي الله عنها - الذي جاء في " صحيح البخاري ومسلم " أن الحبشة لعبت ذات يوم بالحراب في مسجد الرسول - عليه الصلاة والسلام - ، ولعب الحبشة بالحراب هو كناية عن لعبة السيوف والمضاربة بالسيوف التي كانت في عهد قريب معروفة في بلادنا السورية ، فهي عبارة عن نوع من الرياضة ليتصوَّر المرتاض فيها بدنه ليستعد لملاقاة أعدائه ، فالحبشة فيما يبدو لهم عادة في بلادهم في لعبهم بحرابهم تشبه لعب الشاميين بسيوفهم ، فلما لعبت الحبشة في مسجد الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بحرابهم خرجت السيدة عائشة لتطلع ولتشهد لعب الحبشة بحرابهم ، فالرسول - صلوات الله وسلامه عليه - لم يُنكر ذلك عليها بل أقرَّها على مشاهدتها لذلك اللعب ، بل ساعدها على ذلك بأن وقف الرسول - عليه الصلاة والسلام - لها وقف أمام باب الحجة ، ووقفت السيدة عائشة خلفه ، ووضعت ذَقَنها على منكبه - عليه الصلاة والسلام - وهي تنظر من وراء الرسول - عليه السلام - إلى ذلك اللعب .وهنا لا بد من إلفات النظر إلى ناحية لغوية المعروف ببلاد الشام إطلاق الذقَن على اللحية ، يقولون : " فلان حلق ذقنه " والذّقن في اللغة العربية لا يقصد به اللحية وإنما المكان الذي تنبت عليه اللحية هذا هو الذّقَن ، وحاصل هذا الكلام أن للمرأة ذَقن كالرّجل ، فلا تستغربن إحداكن هذا التعبير أن السيدة عائشة وضعت ذَقنها على كتفه - عليه السلام - ، فتقول قائلة المرأة ليس لها ذقن ، فالذقن المقصود الموضع الذي تنبت عليه اللحية ، يعني بتعبير آخر المعروف بالحَنك ، فالسيدة عائشة رضي الله عنها وضعت ذَقَنها على منكب الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - وهي تنظر إلى الحبشة وتتفرج على لعبهن في المسجد . فكان الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - من كمال سماحة نفسه وحسن خلقه مع أهله أنه كان يداعبها والحالة هذه فيقول : ( أشبعتِ ؟ أشبعتِ ؟ ) فتقول : " لا ، لا ، قالت : حتى كنت أنا التي مللت " ثم توجّه السيدة عائشة - رضي الله عنها - إلى الأزواج إلى كل الأزواج نصيحة فتخاطبهم بقولها فتقول : فاقدروا قدر الجارية العاربة الحديثة السن ، يعني تأخذ موعظة وتتلقَّى درسًا من هذا الحديث الصحيح للرجال وتوجّهه إليهم فتقول لهم : هكذا صبر علي الرسول - عليه الصلاة والسلام - وهو أشد الناس غيرة على أهله ، صبر عليَّ واقفًا وأنا متَّكئ به وواضع ذقني على كتفه ومنكبه ، ثم هو يقول لها أمللت ؟ فتقول هي : لا لا لا ، حتى اكتفت هي بالفرجة وبالنظر إلى لعب الحبشة فطلبت هي الانصراف ، فتقول هي للرجال : " فاقدروا قدر الجارية العاربة الحديثة السن " تعني رضي الله عنها أنها تقول للرجال : لا تعاملوا النساء الحديثات السّن اللاتي لم يدخلن الدنيا كما ينبغي ولم يشبعن بشيء من ملحها ومن طرائفها كما تكون المرأة كبيرة السن فيجب على الرجل تقول السيدة عائشة أن يكون سمحًا مع زوجته فلا يحتج عليها حيث سمح الشارع الحكيم بألا يشتد عليها .فهذا الحديث ولتكن مع هذه القصة التي روتها لنا السيدة عائشة واقع تبين لنا سماحة الرسول - عليه السلام - لها وحسن خلقه معها ، يؤكد هذا أنه جاء في بعض طرق حديث السية عائشة أنه - عليه الصلاة والسلام - قال بعد هذه القصة بعد وهي لعب الحبشة في المسجد قال - عليه السلام - : ( لتعلم يهود أنَّ ديننا سمح ) أو قال : ( يسر ) أو نحو ذلك ، فهذه الفكرة من لعب الحبشة في المسجد والمسجد بني لعبادة الله - عز وجل - أقر الرسول - عليه السلام - أوَّلًا الحبشة على لعبهم ، وثانيًا أقرَّ السيدة عائشة على تفرُّجها إلى لعب الحبشة قال : ( ذلك لتعلم يهود أن في ديننا فسحةً أو يسرًا ) أو نحو ذلك ، أو كما قال - عليه الصلاة والسلام - ، هذا الحديث كما قلنا إسناده حسن .

مواضيع متعلقة