هل نقول بأن نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن استقبال القبلة واستدبارها مكروه لوجود قرينة وهي فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
هل نقول بأن نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن استقبال القبلة واستدبارها مكروه لوجود قرينة وهي فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟
A-
A=
A+
السائل : هل نفس الكلام يكون ينطبق على النهي للتحريم حتى تأتي قرينة تصرفه للكراهة بالنسبة لاستدبار واستقبال الكعبة ، النهي في الصحراء وفي البنيان على ما نحن عليه ، ثم يقولون : ليش ما ينصرف النهي للكراهة بفعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما رآه ابن عمر وهو يقضي حاجته مستدبرًا الكعبة مستقبلًا بيت المقدس .

الشيخ : نعم .

السائل : نفس الكلام ينطبق أم في ... ؟

الشيخ : لا ، قد يكون هنا شيء لا يوجد هناك ، هنا عندنا شيئان : الشيء الأول : أنَّ عموم قوله - عليه السلام - : ( ولكن شرِّقوا أو غرِّبوا ) ، ( إذا أتيتُم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ببولٍ أو غائطٍ ، ولكن شرِّقوا أو غرِّبوا ) ، عموم هذا الحديث يشمل البنيان والصحراء هذا أوَّلًا ، ثانيًا : راوي هذا الحديث هو أبو أيوب الأنصاري - رضي الله تعالى عنه - ، وعند الفقهاء قاعدة مهمة جدًّا قد تُساعدنا نحن - معشر السلفيين - على فَهْمِ النصوص على مفاهيمِهم هم ، يقول : ( فلمَّا ذهبنا إلى الشام وَجَدْنا الكنف تستقبل القبلة ؛ فنستغفر الله ) .

الطالب : ننحرف ، ونستغفر الله .

الشيخ : هذا في البنيان ؛ إذًا هو يفهم أن الحديث على عمومه يشمل حتى البنيان ، وشيء مهم جدًّا .

السائل : هذا لما قاله أبو أيوب الأنصاري في حياته - صلى الله عليه وسلم - أم بعد مماته ؟

الشيخ : لا ، بعد موته .

السائل : بعد موته ، لأنهم يقولون أنه نُسِخ ، الفريق الآخر يقولون .

الشيخ : يقولون ماذا ؟

السائل : بأن النهي عن الاستقبال بالبنيان نُسِخ قبل موته بسنة ... حديث ضعيف .

الشيخ : معليش ، نحن هلق لا نستبق الأمور ، عندنا أوَّلًا وعندنا ثانيًا وعندنا ثالثًا ، ما ندري كمان .

الطالب : رابعًا .

الشيخ : في شيء ثالث هنا مهم وهو : قوله - عليه السلام - : ( مَن بَصَقَ - وفي رواية أو لفظ : مَن بَزَقَ - تجاه القبلة جاءت بصقته على جبينه يوم القيامة ) هذا نصٌّ عام ، ولا يرد عليه ما يُورده أولئك على البول والغائط ، فأنا أقول : إذا كان البصقُ تجاه القبلة منهي نهيًا عامًّا لا فرق بين الصحراء والبنيان فأولى وأولى أن يكون ... البول الغائط غير مفرَّق بين الصحراء والبنيان ... ثم هذا نجعله رابعًا ، هذا من حيث النظر السليم ، كلُّ ذي بصيرَةٍ سواء كان ممَّن لا يفرِّق أو يفرِّق في ظني أنه يفهم أن الحكمة مِن نهي الشارع الحكيم للاستقبال للقبلة ببول أو غائط ، وبالتالي بالبصق هو احترام هذه الجهة جهة القبلة ، احترامها ، وبمعنى احترام الجهة التي يستقبلها المسلم في صلاته وفي مناجاته وقيامه بين يدي ربِّه - تبارك وتعالى - ؛ إذًا لا يصح في العقل الشرعي أن يجمع بين نقيضَين ، هذه الجهة التي أنت تستقبلها في صلاتك ومع ذلك تستقبلها في قضاء حاجتك هذا أمر منكر جدًّا جدًّا ، وإذ لا فرق - هنا بيت القصيد كما يقال - وإذ لا فرق في استقبال المصلي للقبلة بين الصحراء والبنيان فهي قبلته صحراء وبنيانًا ؛ كذلك هو منهي عن ذاك الاستقبال صحراء وبنيانًا .

ثم نعود إلى شبهة القائلين بالنسخ المَزعوم ؛ من الوضوح بمكان أن ابن عمر - رضي الله عنه - حينما وقع بصره على الرسول وهو مستقبل أو مستدبر القبلة هو لم يكن مقصودًا منه أوَّلًا الاكتشاف ، بالتالي ومن باب أولى لم يكن جلوس الرسول لقضاء حاجته في مكان يُكتشف ؛ إذًا هذا فعل وقع سرًّا وخفية ، فكون ابن عمر اطَّلع بسبب ما فلتة ... فلتة طبيعية غير طبيعية هذا ليس معناه أنه نقل لنا حكمًا كان ينبغي أن ينقله المسلمون ، ذلك لأن الرسول كان متكتِّمًا لِمَا فعله ، ولو أراد أن يبيِّنَ للناس ما يفهمه بعض الناس من هذه الرؤيا الطارئة وغير مقصودة لا من الناظر ولا من المنظور إليه لَكان - عليه السلام - يبيِّنه بكلامه ، وكما قال ربُّنا - عز وجل - في القرآن في الآية المعروفة : (( لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ )) ، إيش أول الآية ؟

الطالب : (( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ )) .

الشيخ : (( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ )) .

الطالب : (( بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ )) .

الشيخ : (( بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ )) ؛ لا .

الطالب : (( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ )) .

الشيخ : (( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ )) ، (( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ )) ، ونحن نعلم أنَّ بيان الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ينقسم إلى ثلاثة أقسام : بقوله ، وفعله ، وتقريره ، القول مفهوم ، والتقرير مفهوم ، وليس لنا علاقة بكلٍّ منهما الآن ، لكن علاقتنا الآن بالفعل ، هذا الفعل هو بيان ؟ كيف ؟ بين جدران يقضي حاجته - عليه السلام - ، ثم يراه هو بدون قصد ولا يجوز له أن يتقصَّد ؛ لأنه انكشاف عن العورات ، وهذا يعرفه أقل مسلم فضلًا عن عبد الله بن عمر بن الخطاب . إذًا نحن لا ندري الوضع الذي كان عليه الرسول - عليه السلام - لعله كان في مكان حَرِج ضيِّق ما تمكَّنَ فيه من تطبيق فعله على قوله ، من تطبيق فعله على نهيه لأمَّته ، والأصل كما جاء في القرآن : (( وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ )) ، وبهذا ينتهي الجواب عن هذه المسألة الثانية .

السائل : الله يبارك فيك .

الشيخ : وفيكم بارك .

الطالب : ... .

مواضيع متعلقة