رَدُّ الشَّيخ على مَن ضعَّفَ حديث الجارية التي سَأَلَها النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( أين الله ؟ ) . قالت : في السماء . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
رَدُّ الشَّيخ على مَن ضعَّفَ حديث الجارية التي سَأَلَها النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( أين الله ؟ ) . قالت : في السماء .
A-
A=
A+
الشيخ : فهذا الحديث : ( أين الله ؟ ) . قالت : في السماء . قال لها : ( مَن أنا ؟ ) . قالت : " أنتَ رسول الله " . فهذا الحديث رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ، والإمام مالك في " موطَّئه " ، والإمام أحمد في " مسنده " ، وعُدَّ ما شئت من الأئمة ، وصححه بالتصريح بالتصحيح عشرة من حفَّاظ الحديث ، واحتجَّ به الفقهاء و و إلى آخره ، فيأتي بعض الخَلَف ممَّن في عقيدتهم زغل وانحراف عن الكتاب والسنة بالمفهوم الذي شرحناه آنفًا الإيمان بالصفات بدون تشبيه وبدون تعطيل ، قالوا : هذا الحديث يدل على أن الله - عز وجل - في السماء والله ليس في السماء ، الله أكبر ! ربنا يقول في القرآن الكريم : (( أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ )) .

وَصَلَ الأمر بهؤلاء الذين ضعَّفوا هذا الحديث إلى أن يقولوا : أئمِنْتُم مَن في السماء في اعتقاد في الجاهلية ، هكذا فسروا الآية !! هكذا يكون التلاعب بالقرآن ، هكذا يكون تعطيل القرآن عن دلالاته الصريحة ؛ لماذا ؟ لأنهم فهموا هنا في ظرفية وهي ليست ظرفية . (( أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ )) يعني : مَن في جوف السماء ، حاشى لله ! ليس هذا المقصود . (( أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ )) أي : مَن على السماء ، هكذا فسَّرَ الآية سلفنا الصالح ، مِن جملتهم الإمام البيهقي في كتابه : " الأسماء والصفات " في كتابه " الاعتقاد " ، من جملتهم ابن الجوزي في تفسيره " زاد المسير " ، وعُدَّ ما شئت من السلف ، (( أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ )) أي : مَن على السماء ، الله أكبر ! كم أصاب المسلمين من الانحراف ، لكن نحمد الله أن الإسلام قائم ؛ لأن الله تعهَّدَ بحفظه كتابًا وسنة .

بعض هؤلاء الذين أنكروا حديث الجارية لأنها أجابت بالجواب الإيماني المصرَّح به في القرآن وصلَ بهم الأمر إلى إنكار حديث آخر وهو صحيح ، لأنه يؤيد أوَّلًا : أن الله - كما قال - في السماء ، وثانيًا : أن في ليست ظرفية ، وإنما هي بمعنى على ، وهذا في اللغة أمر معروف مشهور ، قال - تعالى - حكايةً عن فرعون حينما هدَّدَ السحرة بالقتل ، قال لهم : (( وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ )) ، (( فِي جُذُوعِ النَّخْلِ )) مش معناها في جذوع النخل يعني يفتح الجذع هيك على طوله ويدكّهم جوَّا ؛ لا ، وإنما على على يعني كالصَّلب تمامًا . كذلك (( قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ )) ، (( سِيرُوا فِي الْأَرْضِ )) يعني سيروا ديدان حيايا أفاعي ؟! لا ، (( سِيرُوا فِي الْأَرْضِ )) أي : على الأرض ، وكثير وكثير جدًّا من هذا التعبير .

جاء الحديث يؤكد هذا المعنى في بمعنى على ، قال - عليه السلام - : ( الراحمون يرحمهم الرحمن ، ارحموا مَن في الأرض يرحَمْكم من في السماء ) ، ارحموا مَن في الأرض ديدان يعني ؟! لا ، من في الأرض يعني : مع بعضكم البعض الراحمون يرحمهم الرحمن ، ارحموا أنفسكم كبشر ، ارحموا الدواب كما جاء في كثير من الأحاديث من الأمر بالرِّفق بالحيوان ، هذا هو ( ارحموا مَن في الأرض ) أي : مَن على الأرض ، ( يرحمكم مَن في السماء ) أي : مَن على السماء ، حينئذٍ آية : (( أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ )) تلتقي مع كلِّ الآيات التي سردناها قبل صلاة العشاء ، أو عفوًا سردنا بعضها منها : (( تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ )) ، منها : (( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )) ، كلُّ هذه النصوص عُطِّلت بتحكيم العقل ، فقال قائلهم وقال ضالُّهم : الله ليس داخل العالم ولا خارجه ، ورَحِمَ الله ذاك الأمير الكيِّس قال : " هؤلاء قوم أضاعوا ربَّهم " . ما هو المعدوم ؟ هو الذي ليس داخل العالم ولا خارجه ؛ إذًا هم يعبدون معدومًا كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : " المشبِّه يعبد صنمًا ، والمعطِّل يعبد عدمًا " ، الله لا داخل العالم ولا خارجه ، الله أكبر !

أين الله ؟ يا أخي ، الله كما كان قبل خلق الكون فهو كذلك كما كان قبل خلق الكون ، لما خلق الكون يا بدو يكون هو فوق الكون ، يا يكون هو الكون فوق منه ، وهذا بلا شك يخالف قوله - تعالى - : (( وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ )) ، أو يكون كما يقول غلاة الصوفية : خلق الكون واندسَّ فيه ، وصار مثل الشرنقة مع دودة الحرير هذه !! تعالى الله عمَّا يقول الظالمون علوًّا كبيرًا .

خلاصة الكلام إذًا عرفت الجواب إن شاء الله ما هو ؟

السائل : الله فوق السماء .

الشيخ : آ ، ولكن (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ )) ، ليس في مكان .

بسم الله .

مواضيع متعلقة