ما الرَّدُّ على مَن يقسم الإسلام إلى لبٍّ وقشر ، ويقول : يجب أن نأخذ اللُّبَّ وندع القشر ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ما الرَّدُّ على مَن يقسم الإسلام إلى لبٍّ وقشر ، ويقول : يجب أن نأخذ اللُّبَّ وندع القشر ؟
A-
A=
A+
الشيخ : في الدعاة اليوم - كما نعلم جميعًا - مَن يقسم الإسلام إلى لبٍّ وإلى قشر ، ويقولون : أن الواجب أن نأخذ باللُّبِّ وندع القشر ، أو يقسمون قسمة أخرى قد تكون ألطف من هذه القسمة ؛ فيقولون مثلًا : هناك أصول وهناك فروع = -- وعليكم السلام ورحمة الله -- = ، هناك أصول وهناك فروع ؛ فما لازم نهتم الآن بالفروع ، وإنما يجب أن نهتم بالأصول !

السائل : شيخنا ، ممكن سؤال ؟

الشيخ : لسا ما جاء أوانه ، إي نعم .

فالاهتمام بالأصول دون الفروع أوَّلًا : هذا لا يقوله عالم ، وإنما يقوله هؤلاء الذين درسوا شيئًا من الفقه التقليدي ، ثم أعني الذي لا يقوله عالم هو : الأخذ بالأصول دون الفروع ، أما تقسيم الإسلام إلى أصول وفروع فهذا أمر واقع ، كتقسيمه إلى فرض وواجب وسنة ومستحب إلى آخره . لكن أن يقول عالم من العلماء المعترف بعلمهم وصلاحهم : أننا ينبغي أن نأخذ الإسلام بأصوله فقط دون الفروع ؛ فهذا الذي أردت أن أُلفِتَ النظر إليه أنه لا يقول به عالم فيما سبق إطلاقًا ، هذا أوَّلًا . ثانيًا : تقسيم الإسلام إلى أصول وفروع هذا في الواقع يحتاج إلى عالم من كبار العلماء المجتهدين العارفين أوَّلًا بالكتاب والسنة ، ثم المتفرِّغين لخدمة هذا العلم وتمييز الأصول من الفروع ؛ فأين هذا ؟! هذا لا وجود له لا مِن قبل ولا مِن بعد ؛ بمعنى أنُّو تكون المسألة واضحة ، هذه المسائل التي تبلغ ألف هي أصول ؛ فيجب الأخذ بها ، هذه المسائل الأخرى التي تبلغ الألوف هذه فروع لا ينبغي أن نشغل الناس بها . هذا التقسيم أوَّلًا : لا يمكن لأحد أن يليه وأن يدخل فيه . وثانيًا : لو تشجَّعَ إنسان فلا يستطيع أن يصل إلى تحقيقه وتقديمه إلى الناس واضحًا بيِّنًا .

وعلى ذلك الذي يقول : ينبغي أن نأخذ بالأصول دون الفروع ، وأسوأ من ذلك : أن نأخذ باللُّبِّ دون القشر ؛ أين هذا الأصل أو هذا اللُّب واضحًا للناس الذين يُؤمرون بأن يأخذوا به ؟ وأين هذه الفروع أو هذه القشور التي لا ينبغي أن نهتم بها ؟ كيف وهناك مسائل بالمئات - ولا أقول بالعشرات - فيها خلاف بين العلماء ؛ هل هي أصول أو هي فروع أو هي لب أو هي قشر ؟ هذا أمر صعب جدًّا خاصة على هؤلاء الذين ابتُلُوا بتقسيم الإسلام إلى هذه القسمة ، ولعله يجوز لي أن أسمِّيَها : بقسمة ضيزى .

والعجيب أننا منذ عهد ليس بالبعيد كنَّا نسمع من بعض الدعاة أنه يجب أن نتبنَّى الإسلام كلًّا لا يتجزَّأ ، وهذه حقيقة ، لكن لما وجدوا أنفسهم أنهم لا يستطيعون أن يقوموا بأعباء هذه الكلمة الحق لذلك قلبوا المجنَّ ، وقالوا : الإسلام لبٌّ وقشر ، أو أصول وفروع ، فيجب أن نهتم بالقسم الأول دون الآخر .

خلاصة القول : هذا التقسيم يأباه الإسلام ، ولم يقُلْ به عالم من علماء الإسلام . ثانيًا : لا يمكن لأحد أن يقدِّم الإسلام قسمين ، لكن لا شك فيه من هذا وفيه من هذا .

وأخيرًا يأتي شيء لَفَتَ نبيُّنا - صلى الله عليه وآله وسلم - النظر إليه ، وهو بلا شك الذي لفت النظر إليه ليس بذاك التعبير الظالم لُبًّا ، وإنما هو على هذا التعبير قشر ، أو الألطف منه ليس أصلًا ، وإنما هو فرع ، مع ذلك لفت الرسول - عليه الصلاة والسلام - النظر إليه لكي يهتمَّ المسلمون به ولو أنه ليس من الأصول ، أي : لنقل الآن ليس من الفرائض ؛ أعني بذلك قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( أوَّل ما يُحاسب العبد يوم القيامة الصلاة ؛ فإن تمَّت فقد أفلح وأنجح ، وإن نقصت فقد خاب وخسر ) ، جاء في حديث آخر : ( وإن نقصت قال الله - عز وجل - لملائكته : انظروا ؛ هل لعبدي من تطوع فتُتمُّوا له به فريضته ؟! ) ؛ تطوُّع تتمُّون له به فريضته ، إذًا ما لازم نستهين بالتطوُّع ؛ أي : ما ليس فرضًا بالتعبير الفقهي ، أو بالتعبير الخَلَفي : ليس أصلًا أو ليس لُبًّا ما ينبغي أن نهتم به ؛ لماذا هذا التعبير ما ينبغي أن نهتم به ؟ لأنه يصادم ما اهتم به الرسول - عليه السلام - حيث حَضَّنا على العناية بالتطوُّع من أجل أن الله - عز وجل - بفضله يوم القيامة حينما تكون صلاة العبد ناقصة فيتمُّها من هذا التطوع . والنقص - كما تعلمون في الصلاة - قد تكون كمًّا وقد تكون كيفًا ، أما من حيث الكم فهناك أكثر الناس تفوتهم صلوات ، فَمِنهم مَن يفوِّتها متعلِّلًا بأن بإمكانه قضاؤها ، ثم تمضي الأيام وسأقضي سأقضي ثم لا شيء من ذلك ، ولو أنه قضى فهي صلاة غير مقبولة ؛ لأنها أُدِّيَت في غير وقتها المشروع ، وربُّ العالمين ... فهذه الصلوات يُحاسب عليها الإنسان ، لكن إذا كان أكثر مع الصلوات التي كان يؤدِّيها في أوقاتها شيئًا من التطوع ، هذا التطوع له حسنات ، هذه الحسنات تتوفَّر في الميزان له ، وقد تبلغ حسنات الفرائض التي ضَيَّعها فتُضَم إلى حسنات الفرائض والنوافل ، فإذا غلبت حسناته سيِّئاته كان من الناجين ؛ ولذلك فورطة كبيرة جدًّا أن يزعم الإنسان بأن الإسلام أصل وفرع ، وأنه ينبغي الاهتمام بالأصل دون الفرع لأننا في زمان كذا وكذا .

أنا لا أنكر بطبيعة الحال أن المسلم قد يختلف تحمُّسه في عبادة الله - عز وجل - وطاعته عن أخيه ، فالناس ليسوا سواء في هذا ، أما أن يُقدَّم إلى الملأ إلى المسلمين كافة هذا التقسيم الجائر : أن الإسلام كذا وكذا ؛ هذا الذين ننكره أوَّلًا ، ولا يمكن تحقيقه ثانيًا .

هذا ما عندي جوابًا عن ذاك السؤال .

مواضيع متعلقة