ما المقصود بكلام النبي صلى الله عليه وسلم : ( من سن في الإسلام سنة حسنة ... )؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ما المقصود بكلام النبي صلى الله عليه وسلم : ( من سن في الإسلام سنة حسنة ... )؟
A-
A=
A+
السائل : ما معنى كلمة سن ؟

الشيخ : يمكن أن تفسر تفسيرًا لغويًا وشرعًا لكن هذا يحتاج إلى شيء من التفصيل ، ويمكن أن يفسر تفسيرًا بلفظ مرادف للمعنى المقصود شرعًا فيقال : ( مَن سَنَّ ) بمعنى : مَن أحيا ، مَن سَنَّ سنة حسنة ؛ أي : مَن أحيا سنة حسنة ، هذا هو المعنى بإيجاز وباختصار ، أما المعنى الأول اللغوي والشرعي في آن واحد ، فهو كالتالي : ( مَن سَنَّ ) ؛ أي : مَن فتح طريقًا ، هذا الطريق الذي يفتحه إما أن يؤدي إلى سنة حسنة أو أن يؤدي إلى سنة سيئة فالنبي - صلى الله عليه وآله سلم - عبَّرَ باللفظ الواحدة لأنها لا تعني إلا أكثر من فتح طريق ، ثم وصف الطريق الذي يُراد طرقه بأنه قد يكون حسنًا وقد يكون سيِّئًا وهنا لا بد من التذكير بحقيقة أخرى وهي : كيف أو ما هو السبيل لمعرفة السنة الحسنة والسنة السيئة ؟ لا شك أن العلماء قاطبةً إلا أفراد قليلين جدًّا في كل زمان لا شك أن العلماء جوابهم عن هذا السؤال إنما يعرف السنة الحسنة والسنة السيئة بالشرع فما حسَّنَه الشارع فهو حسن ، وما قبَّحَه الشارع فهو قبيح ؛ إذًا : ( مَن سَنَّ في الإسلام سنَّة حسنة ) ؛ يعني سنة مشروعة وحينئذٍ يتجلَّى بكلِّ وضوح أن المعنى هو ما ذكرته بإيجاز ؛ ( مَن سنَّ ) ؛ أي : مَن أحيا سنة مشروعة ، ومَن سَنَّ سنة سيئة غير مشروعة ، فهذا له أجره وذلك عليه وزره ، فهذا هو معنى الحديث أما تفسير الحديث كما نسمعه من بعض الناس مع الأسف ( مَن سَنَّ في الإسلام سنة حسنة ) ؛ أي : مَن ابتدع في الإسلام بدعة حسنة ، هذا من أفسد التفسير يفسر به لفظ نبوي كريم والذي يزيد بيانًا بطلان هذا التفسير غير ما ذكرته آنفًا أن السنة الحسنة والسنة السيئة لا تعرف بالعقل وإنما بالشرع ، فالذي يزيده بيانًا أن نتذكر سبب ورود الحديث ، سبب ورود الحديث أمر مهم جدًّا في فقه الحديث وفقه دلالة الحديث ، علماء التفسير لهم مقولة يقولون : " إذا عُرف سبب نزول الآية عُرف نصف معناها والباقي من اللغة " واقتباسًا من هذه القاعدة الأصولية التفسيرية أقول أنا كذلك " إذا عرف سبب ورود الحديث تجلى نصف المعنى والباقي من اللغة " كلمة ورود إذا ربطنا بين هذه المناسبة وبين قوله - عليه السلام - : ( مَن سَنَّ في الإسلام سنَّة حسنة ) بهذه المناسبة سقط في الهوة السحيقة التفسير البدعي ( مَن سَنَّ في الإسلام ) أي من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة ، ما هو السبب ؟ سبب ورود الحديث كما جاء في " صحيح مسلم " من رواية جرير .

الطالب : أنا بستأذن .

الشيخ : عفوًا بأمان الله .

الطالب : السلام عليكم .

الشيخ : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته قال - عليه السلام - : ( مَن سَنَّ في الإسلام سنَّةً حسنة ) كما جاء في " صحيح مسلم " من رواية جرير بن عبد الله البجلي - رضي الله تعالى عنه - قال : ( كنَّا جلوسًا مع النبي - صلى الله عليه وآله سلم - لما جاءه أعراب مرتادي النمار ، متقلِّدي السيوف ، عامَّتُهم من مضر ، بل كلهم من مضر ، فلما رآهم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - تمعَّرَ وجهه ، ثم قال - عليه الصلاة والسلام - ذكر الآية : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )) (( أَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ )) ، ثم قال - عليه السلام - : ( تصدَّقَ رجلٌ بدرهمه ، بديناره ، بصاع برِّه ، بصاع شعيره ) ، فانسَلَّ رجل من الحاضرين ليعود من بيته يحمل في طرف ثوبه ما تيسَّرَ له من الصدقة ، ووضعه أمام الرسول - عليه السلام - ، فكأنَّ الآخرين كانوا نيامًا فأيقظهم بعمله ، كل واحد منهم ذهب إلى الدار ، وجاء بما تيسَّرَ له من الصدقة ، قال جرير " .

الطالب : السلام عليكم .

الشيخ : وعليكم السلام .

" فاجتمع أمام النبي - صلى الله عليه وسلم - من الصدقات كأمثال الجبال ، ثم قال : ( مَن سَنَّ في الإسلام سنة حسنة ) " ، وين البدعة هون ؟ ما في بدعة لا بد أن يكون كلام الرسول بمثل تلك المناسبة فيه تناسب فيه تجانس من ابتدع لزم يكون هناك بدعة ، ولا بدعة ، ما هو إلا الصدقة ، لكن هناك بدعة لغوية وهو فتح الطريق ، ذهب الرجل إلى بيته هذا سن طريق ، فتح طريقًا ، هذا الطريق لا يوصف بالحسن ولا بالقبح وإنما بأثره ماذا كان الأثر ؟ أن الناس اتبعوه على هذه الصدقة فكتب له أجرها ، فكتب له أجرها وأجر من عمل بها من أولئك الناس ، فإذن الحديث يحض على إحياء السنن وليس على تشريع السنن ، عفوًا تشريع البدع وإنما على إحياء السنن وإماتة البدع ، هذا الحديث في الواقع حديث عظيم جدًّا لكن بتفسيره المنحرف عن دلالته الصريحة صار حجة المبتدعة ، يقول لك يا أخي هذه بدعة حسنة والرسول قال : ( مَن سَنَّ في الإسلام سنَّةً حسنةً ) ، الله أكبر ! الله المستعان ، أظن بهذا يتم الجواب إن شاء الله .

السائل : بارك الله فيك .

الشيخ : وفيك .

مواضيع متعلقة