كيف نوفِّق بين حديث : ( إن الله لم يجعل شفاءكم بالحرام ) وبين الأدوية الموجودة في الوقت الحاضر ، مع أنها محتوية على نسبة معيَّنة من الكحول أو المخدرات ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
كيف نوفِّق بين حديث : ( إن الله لم يجعل شفاءكم بالحرام ) وبين الأدوية الموجودة في الوقت الحاضر ، مع أنها محتوية على نسبة معيَّنة من الكحول أو المخدرات ؟
A-
A=
A+
عيد عباسي : كيف نوفِّق بين حديث : ( أن الله لم يجعل شفاءكم بالحرام ) - هكذا - وبين الأدوية الموجودة في الوقت الحاضر ، مع أنها محتوية على نسبة معيَّنة من الكحول أو المخدرات ؟ وما حكم استعمال بعض الأدوية التي تخدِّر الجسم والعقل لساعات معيَّنة نظرًا لحالة الشخص ، حيث يكون أحيانًا قلقًا أو متعبًا أو لا يحصل على النوم الكافي ؛ فأرجو منكم بيان ذلك ، وجزاك الله خيرًا ؟

الشيخ : أوَّلًا أذكِّر بأن الحديث الذي أشار إليه السَّائل لا يصح من حيث إسناده ؛ ألا وهو بلفظ : ( إن الله لم يجعَلْ شفاءكم فيما حرَّمَ عليكم ) إلا أن هناك في الصحيح " صحيح مسلم " من الحديث ما يغني عن هذا ؛ وهو : " نهى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن الدواء الخبيث " ؛ فإذًا هذا الحديث الصحيح يقوم مقام ذاك الحديث الضعيف في عرض المشكلة التي جاءت في سؤال السَّائل ؛ فيُقال : ما العمل وكثير من الأدوية التي يتعاطاها الناس اليوم فيها أنواع من الأمور الخبيثة شرعًا ، وبصورة خاصَّة الخمر وقد لا يرضى البعض هذا التعبير وعمدًا فعلتُ ، ويرجِّح أن يكون التعبير أن فيها كحول ، لكني قلت : الخمور ؛ لأن كلمة كحول تساوي خمور ، وليس العكس صوابًا ؛ الخمور لا تساوي الكحول ؛ لأن من المعلوم من الناحية الكيمياوية أن الكحول هي خلاصة الخمر ، أو بمعنى آخر الكحول هي المادة المُسْكِرة في الخمر ، فالخمر فيها مواد كثيرة ، منها - مثلًا - مادة السُّكَّر ، منها الماء ؛ فالمادة التي تجعل هذا المائع مُسْكرًا هي الكحول ، فتأتينا أدوية فيها من هذه المادة مادة الكحول ، ولا شك أن الخمر محرم بنصِّ الكتاب والسنة وإجماع الأمة وفيها أجزاء قليلة من الكحول ، فأولى وأولى أن تكون الكحول نفسها محرَّمة ؛ لأنها هي سبب تحريم الخمر ، فإذا كان في الأدوية أو في بعضها شيء من هذه الكحول المُسْكرة كيف العمل والمسلمون مُبتَلون اليوم باستعمال مثل هذه الأدوية ؟ فالذي يبدو لي أمران اثنان :

الأول : أن الدواء إذا كان كله مادة مسكرة فهذا لا يجوز قولًا واحدًا التداوي به ؛ لحديث مسلم في " صحيحه " أن جماعةً قالوا للرسول - عليه السلام - إننا نتداوى في الخمر فقال : ( إنها داء وليست بدواء ) ، هذا الأمر الأول ، أن يكون الدواء هو في نفسه مسكرًا ، فلا يجوز التداوي به قولًا واحدًا .

أما الأمر الآخر : فأن يكون الكحول ليست هي المادة المقصودة بالتداوي ، أو بعبارة أخرى : ليست هي التي قصد مركِّب هذا الدواء معالجة الداء بهذه المادة المسكرة ، إنما هناك أجزاء أخرى في هذا الدواء هي التي أراد معالجة المريض بها ذلك الصيدلي الذي ركَّبَ هذا الدواء ، وإنما أدخَلَ مادة الكحول في هذه الأجزاء التي يُقصَد بها كما قلنا التداوي لسبب عارض ليس المقصود به التداوي ، ما هو ؟ كما نسمع ، نحن ليس اختصاصنا صيدلة بطبيعة الحال ، لكن يقال : إن الكحول تحافظ على هذا الدواء من الفساد أو من التحلُّل أو ... نوعي يفسد التعامل به .

عيد عباسي : أو تُحلِّل بعض المواد ، بعض المواد تحلِّل .

الشيخ : تُحلَّل فيه لأسباب كثيرة .

فحينئذٍ الذي يتداوى بهذا النوع الثاني من الدواء ؛ أي : إن الكحول ليس مقصودًا به لذاته ؛ فنقول حين ذاك : إن هذا لم يتداوَ بما حرَّمَ الله عليه ؛ لأنه لم يقصد فعلًا التعالج بما حرَّم الله عليه بناءً على حديث : " نهى عن الدواء الخبيث " .

فهذا الجواب عن هذا السؤال ، ولكن قبل الانتقال إلى الإجابة عن السؤال الآخر أريد أن أذكِّر بأن هذا التفصيل ... والذي لا يجوز التداوي به ، لكن لا نعني ولا نريد أبدًا أن يفهم أحد أنه يجوز تعاطي الكحول " السبيترو " من أجل تحليل بعض المواد أو تركيب بعض الأدوية ؛ هذا لا يجوز أن يتعاطاه مسلم مؤمن بالله ورسوله حقًّا وهو يعلم أن الله - عز وجل - أمر باجتناب الخمر ؛ (( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ )) ، فاجتناب الخمر وقد ذكرنا أن الكحول أمُّ الخمر وأسُّ الخمر ؛ هذا الاجتناب معناه أنه لا ينبغي أن يوجد في ديار الإسلام بصورة عامَّة وفي دار المسلم الخاصَّة به بصورة خاصَّة شيء اسمه خمر ، فضلًا عن أن يحتاج إلى صنعه وإلى تقطيره وتصفيته كحولًا يأخذ منه حاجته حينما يريد أن يركِّب دواء معيَّنًا ، لأنه - والحالة هذه - قد خالف قول ربِّه : (( فَاجْتَنِبُوهُ )) ، فاجتناب الخمر وبالأولى الكحول يستلزم أن لا يكون في بلاد الإسلام مادة مسكرة ، وبالتالي سوف لا يكون عندنا دواء فيه مادة مسكرة .

فقد يقول قائل كما يقولون حينما نذكر بأن الكحول لا يجوز استعمالها في سبيل التعقيم كما يفعل ذلك الأطباء تعقيم الجروح تطهير الأيادي بمناسبة فحص مريض أو جسه ونحو ذلك ، حين نقول : هذا لا يجوز ؛ لأنه ينافي قوله - تعالى - : (( فَاجْتَنِبُوهُ )) ؛ يقولون : فماذا نفعل ؟ بماذا نعقِّم الجراحات ؟ بماذا نطهِّر الأماكن التي يُراد - مثلًا - إجراء عملية وما شابه ذلك ؟

نقول : الحاجة أم الاختراع ، حينما المسلم يكون مؤمنًا حقًّا بأن إسلامه في نفسه في قواعده وفروعه حق بالمية مليون ، ومن هذا الحق أن هذه الكحول محرَّمة وأنه يجب اجتنابها ؛ حين ذلك سيفكِّر بابتكار معقِّم مطهِّر ليس مسكرًا ، وفعلًا كثير من إخوانا الصيادية يسمون لنا أسماء أنا ما أحفظها من المعقمات المعروفة في بلاد الغرب فضلًا عن بلادنا هذه تقوم مقام " السبيترو " ؛ فإذًا هذا في الواقع يدلنا على أن الله - عز وجل - كما قال : ( ما أنزل داء ) في الحديث الصحيح ( إلا وأنزل له دواء ) ؛ فنحن ما يجوز لنا أن نقلب هذه الحقيقة فنعالج الداء على طريقة أبو نواس :

" وداوِني بالتي هي الداءُ "

فما دام أن الله أخبَرَ على لسان الرسول بأنه ما من داءٍ إلا وله دواء ؛ فإذًا أيُّ داء يجب أن لا يكون دواؤه الخمر المحرَّمة بنصِّ الكتاب والسنة ، فيجب إذًا أن نفكِّر كما فعلوا بالنسبة للتعقيم والتطهير فأوجدوا بعض المواد التي تُغنيهم عن استعمال " السبيترو " ، بل قال لي غير ما واحد من الأطباء والصيادلة أن بعض كبار الدكاترة الغربيين يقولون بأن " السبيترو " هذا لا يصلح للتعقيم ، بل له آثار = -- وعليكم السلام ورحمة الله - = حتى قال لي طبيب قريب لي أنه سمع أحد كبار الأوروبيين في " سويسرا " الأطباء قال : " هذا السبيترو ما خُلِقَ إلا لشربه مسكرًا لا لمعالجة الأمراض والجراحات " ، اليوم يعني يصرِّحون بهذه الحقيقة ؛ ولذلك فالمسلمون لا يجوز أن يكونوا بوجهٍ من الوجوه إمَّعةً للكفار الذين قال الله - عز وجل - في حقِّهم : (( وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ )) ، فهؤلاء لا يجوز لنا أن نتخذهم قدوة ؛ لأنهم لا يحرِّمون ولا يحلِّلون ، ما يهمُّهم هذا طاهر هذا نجس هذا حرام هذا حلال ، فالمسلم إذًا يجب أن يتَّبع دائمًا وأبدًا حتى في أموره العادية والصحية والمرضية نصوصَ الكتاب والشريعة .

خلاصة القول : لا يجوز أن يكون في بيت المسلم أي مسلم كان شيء اسمه كحول ، ما دام أن هذا النوع من الكحول مسكر ، ولعل في الحديث المعروف عبرة كبرى لكل مسلم حينما يسمع أن أبا طلحة الأنصاري جاء إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حينما نزل تحريم الخمر فقال : يا رسول الله ، عندي زقاق من الخمر لأيتام لي ، أفأخلِّلها ؟ قال : ( لا ، بل أهرقها ) .

فتأملوا كيف أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يسمح ببقاء الخمر في بيت الأيتام لحظةً من الزمان ، وأمَرَ بإراقتها فورًا ، مع العلم أن هذه الزقاق حينما اشتُرِيَتْ لتنمية مال الأيتام اشتريت في وقت حلِّها ، وفي وقت قبل تحريمها ، مع ذلك حينما نزل التحريم قال : ( أهرقها ) ؛ فكيف يجيز الرسول - عليه السلام - للمسلم أن يشتري الخمر لأيِّ غرض كان ، أحسنه أن يُقال : هو يشتري الخمر يعني السبيترو لأجل إيش ؟ التعقيم والتطهير ، الغاية في الإسلام لا تبرر الوسيلة أبدًا ؛ ولذلك تذكَّروا هذا الحديث أن الرسول - عليه السلام - أمَرَ بإراقة زقاق اشتُرِيَت بأموال الأيتام ولم يسمح بتحويلها إلى خلٍّ إذا ما تحولت الخمر إلى خلٍّ بطبيعة الحل تصبح حلالًا ؛ لأن عينَها ... المادة المسكرة ذهبت ، لكن لما كان هذا يتطلَّب عملًا من المسلم أن يعالج الخمر بمعالجة يحوِّلها إلى خمر لم يجز الرسول - عليه السلام - له وهو وليُّ أيتام ، وإنما أمَرَهم بإراقتها ، فأيُّ عذر بعد هذا يمكن أن نتصوره مجيزًا لمسلم أن يصنع الخمر أو أن يشتريها أو أن يبيعها ؟ فلا جرمَ أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لَعَنَ الله في الخمرة عشرة ) ذكر أول ما ذكر شاربها ، ثم عطف عليه كل مَن يشارك بل مَن يعين هذا الشارب على الشرب : ( عاصرها ومعتصرها ، ساقيها ومستقيها ، حاملها والمحمول إليه ) ونحو ذلك .

هذا ما عندي من جواب عن السؤال السابق .

مواضيع متعلقة