حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : " حدَّث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن ليلة أُسرِيَ به أنه لم يمرَّ على ملأ من الملائكة إلا أمَرُوه أن مُرْ أمتك بالحجامة " ، والكلام على سند الحديث . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : " حدَّث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن ليلة أُسرِيَ به أنه لم يمرَّ على ملأ من الملائكة إلا أمَرُوه أن مُرْ أمتك بالحجامة " ، والكلام على سند الحديث .
A-
A=
A+
الشيخ : ومن فضائل الحجامة هذا الاهتمام الذي يتضمَّنه الحديث الآتي من الملأ الأعلى بالأمر بالحجامة ، حيث يقول المصنف - رحمه الله - وهو حديث صحيح - أيضًا - كالذي قبله : وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : " حدَّث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن ليلة أُسرِيَ به أنه لم يمرَّ على ملأ من الملائكة إلا أمَرُوه أن مُرْ أمتك بالحجامة " .

هذا أمر عظيم جدًّا أن الملائكة تهتمُّ بهذا الطب النبوي فتأمر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يأمر أمَّته بدوره أن يحتجموا ، فأسف كبير جدًّا أن تصبح الحجامة بين المسلمين خاصَّة في هذه البلاد أمرًا منسيًّا لا يكاد يعرفه أحد إلا أفراد قليلين من الناس . وهذا هو الاهتمام الذي عرفتموه في هذا الحديث أنه - عليه السلام - لم يمرَّ على ملأ من الملائكة إلا أمَرُوه أن مُرْ أمَّتك بالحجامة .

يقول المصنف في تخريجه : " رواه الترمذي وقال : حديث حسن غريب ، قال الحافظ : عبد الرحمن لم يسمع من أبيه عبد الله بن مسعود ، وقيل : سمع " .

هذا إعلان من المصنف - رحمه الله - بإسناد هذا الحديث - ولا أقول للحديث نفسه - يعلُّه بالانقطاع بين الصحابي الذي هو عبد الله بن مسعود وبين راويه عنه الذي هو ابنُه عبد الرحمن .

الحديث مروي من طريق عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه ، وهو كما سمعتم من المؤلف ممَّن اختلف أئمة الحديث من سماعه من أبيه ؛ فَمِنهم المثبت ومِنهم النافي .

ونحن إذا نظرنا إلى هذا الخلاف على ضوء مصطلح علم الحديث من جهة لَأمكَنَنا أن نرجِّحَ قولَ من أثبَتَ سماعه منه على قول مَن نفاه ، ذلك لِمَا عُلِمَ من قواعد علم الأصول والفقه والحديث - أيضًا - أنَّ " مَن عَلِمَ حجَّة على مَن لم يعلَمْ " ، وهذه القاعدة كما ذكرت لكم مرارًا وتكرارًا يجب أن تكون دائمًا وأبدًا في ذاكرة طالب العلم حتى يتمكَّن بها من أن يُزيل بعض الإشكالات أو ... أو المشكلات في بعض المسائل ؛ سواء ما كان منها حديثيًّا أو فقهيًّا ، " مَن عَلِمَ حجَّة على مَن لم يعلَمْ " ؛ هذه القاعدة تُحَلُّ بها مشاكل كثيرة منها ما نحن في صدده ، بعض العلماء ولهم وزنهم في الحديث من أئمة الجرح والتعديل يُثبتون هذا السماع ، وبعضهم ينفيه ، ونحن نعلم أن كلَّ مَن أثبَتَ شيئًا ممَّن له وزن في العلم و ... لا بد أنه يثبت ذلك على علمٍ بَلَغَه .

قلنا : هذه القاعدة " مَن عَلِمَ حجَّة على مَن لم يعلم " تُحَلُّ بها مشاكل كثيرة من الخلافات الحديثية والفقهية ، منها ما نحن الآن في صدده ، هذا الحديث الذي فيه أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لما أُسرِيَ به ومرُّوا على الملائكة أمرَتْه أن يأمر أمته بالحجامة ، يقول المصنف بأن هذا الحديث من رواية عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود ، ولم يسمع من أبيه ، قال : وقيل : إنه سمع منه . ونحن نرجِّح ما أشار إليه بالتضعيف من قوله : " قيل سمع منه " بالقاعدة التي نحن كنا في صدد الكلام عليها ؛ مَن عَلِمَ حجَّة على من لم يعلَمْ ؛ لأن المفروض في العالم الورع التقي الصالح أنه لا يتكلم إلا بعلم ، فالذي قال : " سمع " عنده علم بهذا السماع ، والذي قال : " لم يسمع " يعني أنه لا يعلم أنه سمع عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود من أبيه ؛ فإذًا على المسلمين فقهائهم وطلاب العلم منهم أن يحاولوا القضاء على مثل هذه الخلافات بالرجوع إلى القواعد والأصول التي اتفقوا عليها ، ومنها مَن عَلِمَ حجَّة على مَن لم يعلَمْ .

هذا هو الأمر الأول ، هذه القاعدة هو الشيء الأول الذي نعتمد عليه في ترجيح سماع عبد الله بن مسعود من أبيه ، عبد الرحمن بن مسعود من أبيه .

الشي الثاني - وهو مهم جدًّا - : أنه ثبت عن عبد الرحمن هذا بالسند القوي أنه طلب من أبيه أن يوصيه في مرضه ؛ فإذًا هو لَقِيَه وسمع منه ، وكونه صغير السِّن أو كبير السِّن هذه مسألة أخرى لا تدحض في الدعوة السابقة أنه سمع بالقاعدة المذكورة آنفًا ولأنه لَقِيَ أباه واستَوصاه خيرًا .

هذا من حيث الكلام على إسناد الحديث ؛ أي : على هذه العلة التي ذَكَرَها المصنف - رحمه الله - ، وإلا فالحديث صحيح لا شكَّ ولا ريب فيه ؛ لأنه جاء من طرق أخرى وبألفاظ كلها تدور حول هذا المعنى من أَمْرِ الملائكة للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بأن يأمر أمَّتَه بالحجامة ، فمتن الحديث صحيح لا غبار فيه .

ثم في الحديث الذي يليه - وهو عن عكرمة - فيه علَّة اثنتين ، ولما كان هذا المتن مدار روايته على رجل فيه ضعف من حيث سوء حفظه - وهو " عبَّاد المنصور " - فهذه الأحاديث تأخذ بطبيعة الحال ضعفَ هذا الراوي ، ولكن متن حديث =

-- ... ... ... --

= فهذه الأحاديث تأخذ بطبيعة الحال ضعف هذا الراوي ، ولكن متن حديث من هذه الأحاديث قد وجدنا له شواهد تقوِّيه ، من ذلك أخرجت من ... الضعف الذي شَمَلَ هذه الأحاديث ألا وهو بلفظ أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : ( إنَّ خَيرَ ما تَحتَجِمون فيه يَومَ سَبعَ عَشرَة ، ويومَ تِسعَ عَشرَة ، ويومَ إحدى وعِشرينَ ) ، هذا اللفظ فقط من هذه المجموع من الأحاديث قوي أو حسن لغيره كما يعبِّر علماء الحديث .

ومن الشواهد التي ساقَها المصنف للحديث السابق قوله : وروى ابن ماجة منه أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : ( ما مَرَرْتُ ليلة أُسرِيَ بي بملأ من الملائكة إلا كلهم يقول لي : عليك - يا محمد - بالحجامة ) ، هذا شاهد للحديث السابق ، ويأتي في الدرس الآتي - إن شاء الله - شواهد أخرى للحديث الذي قوَّيناه بشواهده من حديث ابن عباس الذي فيه الحضُّ على جَعْلِ الحجامة في اليوم السادس عشرة والسابع عشرة والثامن عشرة .

مواضيع متعلقة