شرح قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( يا عبادي ، كلُّكم جائعٌ إلا مَن أطعمتُه ؛ فاستطعموني أُطعِمْكم ) . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
شرح قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( يا عبادي ، كلُّكم جائعٌ إلا مَن أطعمتُه ؛ فاستطعموني أُطعِمْكم ) .
A-
A=
A+
الشيخ : إن خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .

قرأنا عليكم بالأمس القريب حديث أبي ذرٍّ - رضي الله عنه - الذي رواه عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، والرسول - صلى الله عليه وسلم رواه عن ربِّه ، وهو : ( يقول الله - تبارك وتعالى - : يا عبادي ، إني حرَّمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرَّمًا ؛ فلا تظالموا ) إلى آخر الحديث ، وهو حديث شريف عظيم الفائدة والقدر ، قرأناه عليكم في الأمس القريب كما قلنا ، ثم عدنا فبدأنا نشرح بعض فقراته ، ولما ينتَهِ الشرح بعدُ ؛ فنعود الآن فنتلو الحديث عليكم مرَّة أخرى من أوله إلى آخره ، فإن بالنسبة لِمَن حضر الدرس وسمعه في الأمس في التكرار فيه فائدة ، وقد يكون الآن قد حَضَرَ أناس لم يسمعوا هذا الحديث إطلاقًا ، فيسمعونه الآن ، ثم نعود فنشرح الفقرات التي لم نتكلم عليها سابقًا .

قال أبو ذرٍّ عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فيما يروي عن الله - تبارك وتعالى - أنه قال : ( يا عبادي ، إني حرَّمت الظلم على نفسي ، وجعلته محرَّمًا بينكم فلا تظالموا . يا عبادي ، كلُّكم ضالٌّ إلا مَن هديتُه ، فاستهدوني أهدكم . يا عبادي ، كلُّكم جائعٌ إلا مَن أطعمته ؛ فاستطعموني أُطعِمْكم . يا عبادي ، كلُّكم عارٍ إلا مَن كسوته ؛ فاستكسوني أكسكم . يا عبادي ، إنكم تخطئون بالليل والنهار ، وأنا أغفر الذنوب جميعًا ؛ فاستغفروني أغفر لكم . يا عبادي ، إنكم لن تبلغوا ضرِّي فتضرُّوني ، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني . يا عبادي ، لو أن أوَّلكم وآخركم ، وإنسكم وجنَّكم كانوا على أتقى قلب رجلٍ واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئًا . يا عبادي ، لو أن أوَّلكم وآخركم ، وإنسكم وجنَّكم كانوا على أفجر قلب رجلٍ واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئًا . يا عبادي ، لو أن أوَّلكم وآخركم ، وإنسكم وجنَّكم قاموا في صعيد واحد فسألوني ، فأعطيتُ كل إنسان مسألته ما نقص ذلك ممَّا عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أُدخِل البحر . يا عبادي ، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ، ثم أوفِّيكم إياها ؛ فَمَن وجد خيرًا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومَنَّ إلا نفسه ) . قال سعيد بن عبد العزيز من علماء الحديث الشاميين : " كان أبو إدريس الخَوْلاني إذا حدَّث بهذا الحديث جَثَا على ركبتيه " ؛ كناية عن اهتمامه وعن تأدُّبه بروايته لهذا الحديث العظيم .

رواه مسلم ؛ أي : هذا الحديث من الأحاديث التي أخرجها الإمام مسلم في " صحيحه " .

-- ... ... --

... عن الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - أنه قال : " ليس لأهل الشام حديث أشرف من هذا الحديث " . هذا كناية عن أن أهل الشام - يعني علماء الحديث الشاميين - لهم أحاديث كثيرة جدًّا رواها بعضهم عن بعضهم عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أي : كلهم شاميون ؛ فلهم أحاديث كثيرة ، هذا الحديث خاصَّةً هو من أشرف أحاديث الشاميين ؛ لِمَا فيه من الموعظة البليغة التي يوجِّهها ربنا - تبارك وتعالى - إلى عباده .

شرحنا لكم أمسِ الحديث إلى قوله - تعالى - : ( يا عبادي ، كلُّكم ضالٌّ إلا مَن هديتُه ؛ فاستهدوني أهدكم ) ، وعلَّقنا على هذه الفقرة من هذا الحديث بما يسَّر الله ممَّا يتعلق بموضوع القضاء والقدر والجبر والاختيار ، وبيَّنَّا لكم أن الإنسان من حيث اهتداؤه ومن حيث ضلاله هو مختار في ذلك ، وهذا الحديث يدلنا على السبب الذي ينبغي أن يتخذه الإنسان ليصلَ إلى الهداية الإلهية ؛ فقال - تعالى - : ( فاستهدوني أهدكم ) ؛ اطلبوا الهداية منِّي فأوصِلْكم إليها . هذا شرحناه في الدرس السابق .

فالآن تمام الحديث : ( يا عبادي ، كلُّكم جائعٌ إلا مَن أطعَمْتُه ؛ فاستطعموني أُطعِمْكم ) ، هذا الحديث كالفقرة السابقة : ( كلُّكم ضالٌّ إلا مَن هديته ؛ فاستهدوني أهدِكُم ) ، فقوله - تبارك وتعالى - أيضًا في الفقرة التالية : ( كلُّكم جائع إلا من أطعمته ؛ فاستطعموني أُطعِمْكم ) هذه الفقرة كالتي قبلها كلٌّ منهما يدلُّ على مبدأ الأخذ بالأسباب ؛ فقد جعل الله - عز وجل - لكل شيء سببًا ، وهذه الأسباب تنقسم إلى قسمين : أسباب شرعية إلى أمور تعبُّدية ، كالهداية ؛ فقد جعل الله لك سببًا للوصول إليها بأن تطلب ذلك من الله ، وأن تطلب الكتاب والسنة الذي أو اللذان تستدل بهما على معرفة طريق الهدى ، فتسلكه ، ومعرفة طريق الضلال فتجتنبه . والقسم الثاني من الأسباب ما يتعلق بالأمور الدنيوية ، أو الغريزية كالطعام والشراب ؛ فهل يحصل الطعام والشراب للإنسان هكذا ينزل من السماء دون أن يتعاطى الإنسان الأسباب المؤدية إلى هذا الطعام وإلى مثله من الشراب ؟ هذا الحديث ينبِّهنا إلى أنه لا بد من الأخذ بالسبب الموصل إلى الطعام ، أول سبب في ذلك أن تتوجَّه إلى الله - عز وجل - ، فالرزق كله بيده فيجب أن تتوجَّه إليه بكلِّ قلبك ، فتسأله أن يُطعِمَك .

( كلُّكم جائعٌ إلا مَن أطعَمْتُه ؛ فاستطعموني ) ؛ أي : اطلبوا الطعام منِّي أطعمكم ، وكيف يكون طلب الطعام من الله -تبارك وتعالى - ؟

يكون باتخاذ سببين اثنين أحدهما شرعي ؛ وهو الدعاء والتوجُّه إلى الله - عز وجل - بطلب الرزق منه ، وطلب الطعام وكل ما يقيت الإنسان . والسبب الثاني الذي ينبغي أن تتوجَّه به إلى ربك لِيُطعمك هو أن تأخذ بالسبب أو بالأسباب التي هداك الله إليها في شرعه المنزَّل ، كما قال - تعالى - : (( هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ )) ، فأَمَرَنا - تبارك وتعالى - أن نضرب في الأرض ، وأن نسعى فيها ، وأن نأخذ بأطرافها لكي نسعى وراء الرزق ، (( هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا )) ؛ أي : معبَّدة مخضَّعة لكم ، (( فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا )) ؛ أي : اضربوا عليها سيرًا بالأقدام وركضًا وراء الرزق ، وبذلك تحصلون على ما تبغونَه من الرزق ؛ فهذا هو الإطعام الذي وَعَدَكم الله - تبارك وتعالى - بتقديمه إياكم بأن تطلبوه منه بدعائكم ، وأن تطلبوه بالأخذ بالسبب من الضرب في الأرض .

أما الذي يقنع بأن يقبع في زاوية من داره أو محلِّه ، ويقول : إن الرزق مقسوم ؛ فهو ضالٌّ عن الأخذ بمبدأ الأسباب هو وذاك الإنسان الذي حدَّثناكم أمسِ عنه بمناسبة ( كلُّكم ضالٌّ إلا مَن هديته ؛ فاستهدوني أهدكم ) ؛ هذا الذي يقبع في زاوية من داره ، ولا يطلب الرزق من الله لا بتوجُّهه إلى الله ولا بالضرب في الأرض ؛ هذا وذاك الإنسان الذي يقول : ما دامت السعادة والشقاوة مقطوعة فريقٌ في الجنة وفريقٌ في السعير ؛ قبضتان قَبَضَهما الله إحداهما بيمينه والأخرى بيساره ؛ فيقول بعض الناس : فإن كنتُ سعيدًا فما يضرُّني عملي الطالح ، وإن كنتُ شقيًّا فما ينفعني عملي الصالح ؛ هذا وذاك الذي يقبع في زاوية من داره ولا يأخذ بأسباب الرزق كلاهما في الضلال سواء !

لأننا شرحنا لكم بأن السعادة وإن كانت مقطوعة من الله منذ الأزل ، وكذلك الشقاوة ، ولكنهما قُطِعتا وقُدِّرتا من الله -تبارك وتعالى - مع ملاحظة الله - عز وجل - للإنسان الذي يأخذ بأسباب السعادة ، وللإنسان الذي يأخذ بأسباب الشقاوة ، فكتب هذا الذي يأخذ بأسباب السعادة سعيدًا ، والذي سيأخذ بأسباب الشقاوة شقيًّا . كذلك الذي يقبع في زاوية من داره ولا يأخذ بأسباب الرزق فهذا لا يعطيه الله - عز وجل - من الرزق إلا شيئًا قليلًا جدًّا حتى يصل إلى آخر رمق من حياته ، أما ذاك الذي يسعى ويضرب في الأرض فيُعطيه الله - عز وجل - بقدر ما يسعى وما يضرب في الأرض كما قال - تعالى - : (( مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا * كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا )) ؛ فإذًا مَن طلب الآخرة أُعطِي الآخرة ، ومن طلب الدنيا أُعطِي الدنيا ، ومَن طلب من الدنيا بمقدار ما يعيش فيها غير محتاج للناس غير مضطرٍّ أن يتكفَّف أيديهم فهذا - أيضًا - يُعطى بقدر ما يسعى في دنياه ، ولكن شريطة أن لا يطغى ذلك على سعيه لآخرته .

إذًا قوله - تبارك وتعالى - في هذا الحديث القدسي : ( يا عبادي ، كلُّكم جائعٌ إلا مَن أطعمتُه ؛ فاستطعموني أُطعِمْكم ) يقترن مع الفقرة السابقة من حيث أن كلًّا منهما يوجب على المسلم أن يأخذ بالأسباب المؤدية للمسبَّبات ، فالسعادة لها أسباب يجب على الإنسان أن يأخذها وأن يطرق أبوابها ، والطعام والرزق الذي ينزِّله ربنا - تبارك وتعالى - من السماء على عباده له أسباب ، فلا بد من أن يأخذ بها حتى يصل إليه الرزق بطريقة يعتاش بها حياةً سعيدةً في الدنيا .

من أجل ذلك ؛ أي: تأكيدًا لكون أخذ بأسباب الحياة الدنيوية والحصول على الرزق الكافي اعتَبَرَ الشارع الحكيم الضَّرب في الأرض في سبيل الرزق اعتَبَرَه من الجهاد في سبيل الله - عز وجل - كما جاء في حديث كعب بن عجرة - رضي الله عنه - قال : كنَّا جلوسًا عند النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -

= -- تعال لهون يا ، تع لعندي هون تع ... لأ الأخ هناك ، شو اسمه أخونا هون ؟ ... تع ، معليش ينام ما يعتدي على غيره ، ما يشوش ... غيره ، خاصة ونحن نتوصى به خيرًا الآن إن شاء الله -- =

مواضيع متعلقة