هل قصة الآفَّاقيين عن ابن عباس ثابتة عند مسلم ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
هل قصة الآفَّاقيين عن ابن عباس ثابتة عند مسلم ؟
A-
A=
A+
السائل : ... .

الشيخ : ما سمعت ؟

الحويني : يقول : هل قصة الآفاق عن ابن عباس ثابتة عند مسلم ؟

الشيخ : ذكر لفظة الآفاق ؟

السائل : ... .

الشيخ : في " صحيح مسلم " ، الحديث في " صحيح مسلم " أكيد ، وفي " مسند الإمام أحمد " وغيرهما - أيضًا - .

أعود لِأُلفت النظر إلى ما في حديث أنس هذا من أمرٍ مهمٍّ جدًّا ؛ ألا وهو أننا نعلم جميعًا أن القيام في الفرض ركن من أركان الصلاة ، فلو صلَّى السَّليم البنية فرضه قاعدًا بطلت صلاته ، فنجد في حديث أنس هذا الذي سردته آنفًا أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد أسقط هذا الركن عن المقتدي ، ليس لشيء إلا لكي لا يُخالف إمامه ، فإمامه يصلي جالسًا - طبعًا معذور - المقتدي ليس معذورًا أن يصلي جالسًا ، لكن معذور شرعًا بل مجبور شرعًا أن يصلي وراء الإمام الجالس جالسًا ، لماذا ؟ تحقيقًا لمبدأ : ( إنما جُعل الإمام لِيُؤتمَّ به ؛ فلا تختلفوا عليه ) ، الإمام يصلي جالسًا ، والناس من خلفه يصلون قيامًا ، هذه الصورة من أوضح الصور التي تتحقَّق فيها المخالفة التي نهى عنها الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - في هذا الحديث الصحيح حين قال : ( فلا تختلفوا عليه ) .

نستلخص من هذا الحديث أن الاقتداء بالإمام أمر هام جدًّا ، إلى درجة أن الشارع الحكيم على لسان نبيِّه الكريم قد أسقط الركن عن السَّليم ، لا لشيء إلا لكي لا يخالف الإمام ، إذا عرفنا هذا وسبق منَّا حديث بن عباس من " صحيح مسلم " والإمام أحمد نقول : الآن اقتدى مسافرٌ بمقيم ؛ لا تختلفوا عليه ، الإمام لا يزال يصلي ؛ فهو ينفصل عنه ، هذا الانفصال مخالفة كبيرة جدًّا أولًا ، وثانيًا إن الذين يذهبون إلى وجوب اقتصار المسافر على ركعتين وراء الامام المقيم ؛ قلنا لا حجة لهم إلا الرجوع إلى الأصل : " فرضت الصلاة ركعتين ركعتين " ، لكن يا تُرى هل طُبِّق هذا النص في هذه المسألة الخاصة - أي : في المسافر يقتدي بالمقيم - ؟ فلم يُطبَّق ذلك في كل هذا العهود التي مضت منذ عهد الرسول - عليه السلام - إلى اليوم ، لا شك ولا ريب ، فهاتوا نصًّا واحدًا وقع في زمن الصحابة أو التابعين أو أتباعهم أن مقتديًا مسافرًا خالف إمامه وانفصل عنه بحجَّة أن الله - تعالى - فرض عليه ركعتين فقط ؟

هذه الحجة تساوي تمامًا فيما لو جلس الإمام في الصلاة ليصلي جالسًا معذورًا ؛ تساوي مَن لو صلَّى خلفه قائمًا بحجة أني أنا سليم ، وأنَّني يجب عليَّ القيام ، وتبطل صلاتي لو جلست كالإمام ، والإمام المعذور فله صلاته ، ولي صلاتي ، هذه كهذه تمامًا ، وإذا كانت الثانية قد عرفنا أن الرسول - عليه السلام - أسقط الركن لكي لا يخالفَ الإمام ، كذلك نحن نقول أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يأمر هذا المسافر حينما اقتدى بالإمام أن يصلي أربعًا ولا يصلي اثنتين ، تحقيقًا لمتابعة الإمام ، ولهذا أمثلة كثيرة وكثيرة جدًّا .

في مسجد الخيف هنا ، وفي حجة الوداع صلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - صلاة الفجر يومًا ، ولما سلَّم وجد رجلين يُوحي وضعهما أنهما لم يشاركا الجماعة في الصلاة ، فناداهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال لهما : ( أولستما مسلمين ؟! ) قالوا : "ب لى يا رسول الله " . قال : ( فما منعكما أن تصلِّيا معنا ؟ ) قالا : " يا رسول الله ، إنَّا كنَّا قد صلينا في رحالنا " ؛ فقهُ هذين في جوابهما أنهما كانا تعلما من نبيهما - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه ( لا صلاة في يوم مرَّتين ) ، فهما أدَّيا الفرض في خيمتهما ، فلما جاءا إلى المسجد ووجدا النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في الصلاة ، فرأيا أن لا يعيدا الصلاة مرة ثانية ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال في الحديث الصحيح : ( لا صلاة في يوم مرَّتين ) ، فماذا أجابهما الرسول - عليه السلام - ؟ لقد أدخل قيدًا على ذاك الحديث ( لا صلاة في يوم مرَّتين ) فقال : ( إذا صلى أحدكم في رحله ، ثم أتى مسجد الجماعة ؛ فليصلِّ معهم ، فإنها تكون له نافلة ) ، ما فقه هذه المسألة ؟ وما ارتباطها بمسألتنا السابقة ؟

فقهُها هو : أن ما يكون الأصل فيه ممنوعًا يصبح جائزًا ، بل واجبًا لمناسبة تطرأ ، فهنا الأصل أن لا يصلي صلاة فريضة مرتين ، وعلى هذه بنى الرجلان عملَهما ، لكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بيَّنَ لهما أن القاعدة هي كما تعلمون ، لكن هذه الصورة مستثناة من القاعدة : ( فإذا أتيتم مسجد الجماعة ؛ فصلوا معهم ، تكون لكم نافلة ) إذًا ؛ إذا قابلنا هذه الصورة الخاصة مع الحديث العام : ( لا صلاة في يوم مرَّتين ) ، لَوجدنا هناك تعارض بادئ الأمر ، لكن لا تعارض ؛ لأن الحديث الأول عام خُصِّص بهذه الجزئية ، لكني أقول فقه ذلك أن ما كان ممنوعًا محرَّمًا من قبل صار مباحًا ، بل واجبًا ، لماذا ؟ لكي يوافقَ الجماعة ، لينضمَّ إلى الجماعة ، فقولوا لي : كيف يكون مشروعًا أن يقتدي المسافر بالإمام المقيم ثم ينفصل عنه، ثم ينفصل عنه ؛ لماذا ؟ لأنه رجع إلى الأصل كما رجع الرجلان إلى الأصل ، لكن كما دخل على ذلك الأصل تخصيص كذلك دخل على أصلهم أن صلاة المسافر ركعتين تخصيص ؛ ألا وهو حديث بن عباس - رضي الله عنه - من جهة ؛ والاستنباط القويُّ الدَّقيق من جهة أخرى من حديث أنس الذي أسقط الرُّكنَ عن السَّليم الذي يصلي وراء الامام الجالس لمرض ، كل ذلك لكي لا تظهر هذه المخالفة ، والأمر المخالف أمر هام جدًّا جدًّا يُستساغ في سبيل عدم الوقوع فيها كثير مما الأصل فيه ممنوع .

ولعلي أختم الجواب حول هذه المسألة - واطوِ صحائفَك - بما جاء في " سنن أبي داود " أن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - لما حجَّ بالناس في خلافته ، ونزل هنا في منى صلَّى مقيمًا ، صلى رباعية ، ولم يصلِّ قصرًا ، فأنكر ذلك عليه بعض الصحابة ، وكان منهم عبد الله بن مسعود - رضي الله عنهم - جميعًا ، لكن الغريب في الموضوع - وهنا الشاهد - أن ابن مسعود الذي أنكر عليه مخالفته للسُّنَّة ولعثمان غيره ولسنا الآن في هذا الصدد ، لكن مع ذلك قالوا له : السنة أن الرسول - عليه السلام - في حجة الوداع صلى هنا قصرًا ، كان ابن مسعود من جملة من أنكر عليه ، لكن مع ذلك كان إذا صلَّى خلفه صلى أربعًا ؛ فيُقال له : كيف تُنكر ثم تصلي خلفه أربعًا ؟ فكان يقول - وأرجو أن تحفظوا هذه الجملة ؛ لأنها تعتبر دعامة في سبيل القضاء على كثير من الخلافات الفكرية التي يدوم الجدل حولها اليوم كثيرًا بين الأفراد والجماعات ، ما هي هذه الجملة ؟ - لماذا أنت تنكر ثم تصلي أربعًا ؟ قال : " الخلاف شر " ، فإذا كان الخلاف شر ، ورسولك يأمرك بأن تقتدي بالإمام فتركب رأيك ، وتقول الأصل ركعتان ؟! هذا الأصل دخله تخصيص ، فتمسَّك بالنص الخاص ؛ لأن " النَّصَّ الخاصَّ يقضي على النَّصِّ العامِّ " ، كما هو مقرَّر في علم أصول الفقه .

والحمد لله رب العالمين .
  • رحلة الخير - شريط : 14
  • توقيت الفهرسة : 00:02:55
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة