دم الإنسان ودم الحيوان وفضلاته ؛ هل هي نجسة ؟ وهل سيلان الدم يُبطل الصلاة ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
دم الإنسان ودم الحيوان وفضلاته ؛ هل هي نجسة ؟ وهل سيلان الدم يُبطل الصلاة ؟
A-
A=
A+
السائل : ... .

الشيخ : نعم ؟

السائل : بالنسبة للدم .

الشيخ : الدم ؟ دم حيوان ولَّا إنسان ؟

السائل : إنسان أو حيوان ... بعض الفقهاء ... النجاسة .

الشيخ : ولو .

السائل : الحنفية ، ورد عند الأحناف والله أعلم ... نجاسة ذاتية وليست معنوية ، ... دم على جسم إنسان ولا بد من .

الشيخ : الغسل .

السائل : نعم ، وأيضًا ... فضلات الحيوان ؛ هل ... ؟

الشيخ : المسألة - أخي - فيها تفصيل بين دم ودم ، دم الإنسان ليس بنجس ، دم الحيوانات المأكولة اللحم كذلك ، سائر الدماء هي النجس ، ومن ذلك الدم المسفوح .

أما أن دم الإنسان ليس بنجس فذلك لمجموعة من الأدلة منها حديث جابر في الباب ، حديث جابر قال : غزونا غزوةً أصَبْنا فيها امرأةً من المشركين ، وكان زوجُها غائبًا عن البلدة عن القرية ، فلما جاء وأُخبِرَ الخبر حلف ألَّا يدخل القرية حتى يثأر لها ثأرًا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، فتتبَّع آثارهم حتى أدركهم مساءً في وادٍ ، فنزلوا فيه ، ثم قال الرسول - عليه السلام - لِمَن حوله : ( مَن يكلؤنا الليلة ؟! ) . فقام شابَّان من الأنصار ، أحدهما من الأوس ، والآخر من الخزرج ؛ فقالا : نحن يا رسول الله . فقال لهما : ( كونا على فم الشِّعب ) ، فانطلقا ، وكان المشرك يترقَّب مثل هذه الفرصة ، اتَّفقا على أن يتناوبا الحراسة ؛ يحرس أحدهما نصف الليل الأول ، بينما ينام الآخر ، ثم يقوم فينام الأول ويحرس هذا الآخر ، فوضع الرجل جنبَه هناك ، وقام الأول للحراسة ، وشأن المسلم المؤمن حقًّا أن يغتنم الفرص يجمع أكثر كمية ممكنة من الطاعة والعبادة لله - عز وجل - ، فحَلَا له أن يجمع بين الحراسة وبين الصلاة ، فقام يصلي ، المشرك انتصب الهدف أمامه انتصابًا ، فأخرج حربة من كنانته فوضعها في قوسه ورماه بها ، فوَضَعَها في ساقه .

هكذا يقول جابر ، وضعها في ساقه كناية عن دقة الرماية ، كأنها وُضِعت وضعًا .

فما كان من الرجل إلا أن رَمَاها أرضًا ، الدماء تسيل منه ، وهو مستمر في صلاته ، ولما رأى المشرك بأن خصمَه لا يزال منتصبًا عرف أنه لم يُصِبْ منه مقتلًا ، رماه بالثانية ففعل فيها ما فعل في الأولى ، وهكذا الثالثة ، في كل ذلك الدماء تسيل منه ؛ حتى صلى ركعتين ، ثم - وهنا يشك الراوي - استيقظ صاحبه أو هو أيقظه ، فلما رأى ما به من دماء هالَه الأمر ، فسأله عن الخبر قال : لقد كنتُ في سورة أقرؤها ، فوالذي نفسي بيده لولا أني خشيتُ أن أضيِّع ثغرًا وَضَعَني رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - على حراسته لَكانت نفسي فيها . يعني تذكَّر وهو يصلي وقد رُمِي بأن عليه وظيفة ، أمره الرسول - عليه السلام - بها للقيام بها ، وهي وظيفة حساسة وهامة جدًّا ؛ لأنُّو العسكر كله وفيهم الرسول - عليه السلام - نايم ، فإذا أخلَّ بهذه الوظيفة ربما باغَتَهم العدو واستأصل شأفتهم ؛ لذلك فهو هذا من عقل الصحابة ، العقل المخالف للعقل الصوفي اللي بيستسلم إيش ؟ لهواه ولو في طاعة الله ، وما يعمل هذه المحاكمة ؛ أنُّو أستمرَّ في الصلاة ولا إيه ؟ أقطع الصلاة بأصح ما يمكن منشان حتى تَمّ قائم بالوظيفة التي أمَرَني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بها ؛ قال : فوالذي نفسي بيده لولا أني خشيتُ أن أضيِّع ثغرًا وضعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حراسته لَكانت نفسي فيها ؛ أي : كان هلكت نفسي في هذه الصلاة ، أنا أستمر في الصلاة ، والعدو يستمر في رميي ، فتكون العاقبة الموت ، وأثر هذا الموت ضياع الحراسة ، وتوصُّل بقى المشرك إلى أن يقتل ما شاء ؛ لذلك يقول : غص من عني أنا قطعت الصلاة ، اكتفيت على ركعتين .

إلى هنا تنتهي القصة ، الشاهد منها أن هذا الرجل اللي كما يقولون اليوم بالتعبير العصري : اللي تخرَّج من مدرسة الرسول - عليه السلام - ماذا تعلَّم في هذه المدرسة ؟ الدم ينقض الوضوء ؟ لو كان تعلَّم هذا أول رمية قطع الصلاة ؛ لأنُّو هلق لنفترض واحد حنفي أُصِيبَ بمثل هَيْ المصيبة شو رح يساوي ؟ راح يستمر في الصلاة ؟ بطلت الصلاة خلاص أوتوماتيكيًّا ، لكن هذا دليل أنُّو الصحابي مو دارس الفقه هادا ، دارس فقه من نوع آخر ، من نوع (( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ )) ؛ لذلك جاء عن الحسن البصري قال : " ما زال أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلون في جراحاتهم " .

في مثل شامي يقول : " اللي بدو يلاعب القط بدو يلقى خراميشه " ، فهاللي بدو يجاهد في سبيل الله ويلاقي الكفار بدو يُصاب طبعًا بجراحات وتسيل منه الدماء ، فإذا كان كل ما سال منه دم يروح يتوضأ ؛ هَيْ شغلة ما تتجاوب مع مبدأ (( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ )) . هذا ما يتعلق من دليل بالنسبة لدم الإنسان المسلم .

أما بالنسبة للحيوانات المأكولة اللحم فقبل أن أذكر الدليل السلفي أريد أن أذكِّر بقاعدة فقهية تشمل هذه الدماء وتلك أيضًا ، وهي أنُّو الأصل في الأشياء الطهارة ، والذي يدَّعي في فرع ما خلافًا لهذا الأصل فلا يجوز له ذلك إلا بدليل مُلزم له ولغيره بأن يترك هذا الأصل في هذا الفرع ، فهذا الأصل مجمع عليه بين علماء المسلمين ؛ الأصل في الأشياء الطهارة ، فالذي يقول : نعم ، الأصل في الأشياء الطهارة ، لكن دم الإنسان أو دم الحيوان المأكول لحمه هذا نجس ؛ نقول : (( هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ )) ، وهذا لا وجود له ، لكن من باب النافلة نحن نتطوَّع ونقول : زيادة على أنُّو الأصل في الأشياء الطهارة ؛ فهذا حديث وقع في زمن الرسول - عليه السلام - دليل صريح بأن الصحابة كانوا لا يعتقدون ولا تعلَّموا من الرسول أن دم الإنسان نجس .

هنا يجري المناقشة بين الحنفية والشافعية ، وتنتهي كلٌّ عند رأيه ، وربي - تبارك وتعالى - كان ألهمني منذ القديم ، وأنا لا أزال أكرِّر هذا ؛ لأني ما وجدت شيء ينافيه ؛ لتغليب حجة الشافعية على الحنفية ، شو بيقولوا الأحناف ردًّا على الشافعية حين يستدلون بهذا ؟ يقولوا الأحناف : إي ، هذا ليس فيه أن الرسول - عليه السلام - اطَّلع على هذه الحادثة وأقرَّ الصحابة على ذلك ، لو أنه اطَّلع وأقرَّه كان حجة ، لكن الحديث ليس فيه شيء من هذا ، فعلًا ليس فيه شيء من هذا .

ومثل هذه المناقشة في قضية أخرى شبيهة بها تمامًا من حيث أنُّو الشوافعة استدلوا بأثر ، والأحناف أجابوا أنُّو الرسول ما عنده خبر ؛ هي قضية اقتداء المفترض وراء المتنفِّل ، اقتداء المفترض وراء المتنفِّل ؛ الشافعية يجيزونه ، الأحناف يقولوا : لا ، هذا من باب بناء القوي على الضعيف ، وهذا لا يصح ، فلسفة حنفية خاصَّة ، احتجت الشافعية عليهم بحديث البخاري أن معاذ بن جبل كان يصلي العشاء الآخرة وراء النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ثم يذهب إلى قومه فيصلي بهم صلاة العشاء ؛ ( هي له نافلة وهي لهم فريضة ) ، نص صريح يقولوا الأحناف : ليس في هذا ، إنما الرسول عَلِمَ ذلك وأقرَّه ، وبينقطع الجدال بين الفريقين إلى هنا ، هدول بيحتجوا بأثر ؛ هم يردُّوا الأثر بإيش ؟ بهذه الدعوى ؛ أنُّو ما في أنُّو الرسول اطَّلع على ذلك .

فأنا - سبحان الله - تعجَّبت لما خطر ببالي هذا الخاطر ، كيف لا يردُّ الشافعية على هؤلاء بمثل هذا القول اللي أنا أقوله الآن ؟ أقول للحنفية : إن كان الرسول ما اطَّلع فعلًا فربُّ الرسول اطَّلع ، ولا شك أن اطِّلاع ربِّ الرسول أهم بكثير من اطِّلاع الرسول ؛ لأنُّو الرسول شو وظيفته ؟ التبليغ ، فإذا كان المشرِّع اللي هو رب العالمين - تبارك وتعالى - يقينًا نعلم نحن حنفية وشافعية وسلفية وخلفية وإلى آخره يقينًا نعلم أن الله اطَّلع على هذا ؛ ألا يكفيكم حجة إلا ما يكون الرسول اطَّلع ، وليس بيده من الأمر شيء ؟!

مع مناقشة جانبية أخرى ؛ كيف تتصوَّرون حادثة بمكان من الغرابة تقع في عسكر الرسول وهو مسؤول عن العسكر شرعًا وعسكريًّا إذا صح التعبير ؛ قائد جيش تقع في صف أو مع أحد أفراده لا يعلم أنُّو شو أصابه هذا الإنسان ؟!

السائل : ... في الحراسة ... .

الشيخ : ... في الحراسة أداء وظيفة ، أيوا .

هذا شبه مستحيل أن يكون الرسول ما عرف هذا ؛ لذلك نحن نفترض أنه عرف ، وأنه ليس فقط أقرَّ ؛ وبارك ؛ فإذًا هذا فيه حجة وهي حجة قائمة ولو قال مَن قال أنُّو الرسول ما اطَّلع ؛ لأنُّو رب الرسول اطَّلع ، و (( قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ )) .

نرجع لدماء الحيوانات المأكولة اللحم ؛ فقد ثبت في " معجم الطبراني الكبير " بالسند الصحيح عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه نَحَرَ جزورًا ، وتلطَّخت ثيابه وبدنه بالدماء ثم قام إلى الصلاة ؛ فإذًا هذا دليل من رجل من أفقه الصحابة على أنهم - أيضًا - كانوا لا يتورَّعون من دماء الحيوانات المأكولة اللحم ، مع كون الأصل فيها - كما قلنا - الطهارة .

أما الدماء الأخرى اللي هي الحيوانات محرَّمة الأكل فهي طبعًا نجسة ، وأيضًا يُستثنى هناك دم خاص من جنس من البشر وهو دم الحيض والاستحاضة .

هذا ما عندي من جواب عن السؤال .

مواضيع متعلقة