من " شرح العقيدة الطحاوية " ، مسألة الإيمان وما يتفرَّع منه . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
من " شرح العقيدة الطحاوية " ، مسألة الإيمان وما يتفرَّع منه .
A-
A=
A+
الشيخ : هذا فصل من كتاب " شرح الطحاوية " ، والمتن الذي هو مشهور بـ " العقيدة الطحاوية " نسبة لأبي جعفر الطحاوي ، هذا المتن في الواقع من أهم ما أُلِّف في التوحيد على منهج السلف الصالح ، وعلى طريقةٍ موجزة مختصرة جامعة ، وقلت : إنه أُلِّف على طريقة السلف الصالح ، ولا بد من استثناء في هذا الإطلاق ؛ لم يخالف في شيء ممَّا ذكره في هذه العقيدة طريقة السلف الصالح إلا في مسألة الإيمان وما يتفرَّع منه ، فالسلف الصالح متَّفقون جميعًا على أن الإيمان يزيد وينقص ، وهذا صريح في الكتاب والسنة ؛ فكم من آية في القرآن ذكر ربنا - عز وجل - فيها التصريح بأن الإيمان يزيد ؛ (( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ )) "" فما زادهم "" .

عيد عباسي : لا ، (( فَزَادَهُمْ )) .

الشيخ : (( فَزَادَهُمْ إِيمَانًا )) ، هذا نص صريح أن المسلم يزداد إيمانه ؛ لذلك من هذه الآية وأمثالها ومِن مثل قوله - عليه السلام - : ( الإيمان بضع وستون شعبة ؛ أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ) ، لهذا الحديث روايتان ، لهذا الحديث ولأمثاله والآية السابقة ونحوها اتَّفق السلف على القول والاعتقاد بأن الإيمان يزيد وينقص . أما مؤلفنا أبو جعفر الطحاوي - رحمه الله - فخالَفَ في هذه القضية ، وهذا في الواقع إنما هو اتِّباع منه للإمام أبي حنيفة - رحمه الله - ؛ لأنه هو مِن بين الأئمة الأربعة تفرَّد بالقول بأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص .

وقلت بأنه خالف في هذه المسألة وما يتفرَّع منها ؛ فقد تفرَّع من القول بأن الإيمان يزيد وينقص أو لا يزيد ولا ينقص الخلافُ الآتي : هل يجوز أن يقول المسلم : أنا مؤمن إن شاء الله أو لا يجوز ؟

مَن ذهب إلى مذهب السلف الصالح أن الإيمان يزيد وينقص يجوز أن يقول : أنا مؤمن إن شاء الله ؛ لأنه في هذه الحالة ليس على يقين بأن إيمانه هو الإيمان المرضي عند ربِّ العالمين ؛ فهو يقول : إن شاء الله راجيًا من الله أن يكون إيمانه إيمانًا كاملًا . أما الذين يذهبون إلى أن الإيمان لا يقبل الزيادة فهو لا يُجيز القول هذا ؛ لا يجوز عنده أن يقول : أنا مؤمن إن شاء الله ، وإنما يقول : أنا مؤمن حقًّا ، هذا مما تفرَّع من الاختلاف في ذلك الأصل العظيم ؛ وهو الإيمان يزيد وينقص ؛ فمَن قال : لا يزيد ولا ينقص ؛ قال بالتالي : لا يجوز أن يقول : أنا مؤمن إن شاء الله .

تفرَّع من هذا الخلاف مسألة أخرى أخطر من كلِّ ما سبق ؛ ألا وهو أن مَن قال : الإيمان لا يزيد ولا ينقص ؛ فلا يجوز أن يقول : أنا مؤمن إن شاء الله ؛ قال : فمَن قال : أنا مؤمن إن شاء الله فقد شكَّ في إيمانه ، ومن شكَّ في إيمانه فقد كفر .

إذًا الذين يقولون : أنا مؤمن إن شاء الله هم شاكُّون بإيمانهم ، ومن شكَّ بإيمانه فقد كفر ، هذا تكفير جماهير السلف الصالح ، لكن هذا التكفير بلازم المذهب ، ولازم المذهب ليس بمذهب ، ولكن - مع الأسف - التزَمَ هذا بعضُ متعصِّبة الحنفية ، فرتَّبوا على ذلك حكمًا فقهيًّا ؛ مَن قال : أنا مؤمن إن شاء الله فقد كفر ؛ رتَّبوا على ذلك أنه لا يجوز للحنفيِّ أن يتزوَّج المرأة الشافعية ؛ لماذا ؟ لأنها تشكُّ في إيمانه ؛ تقول : أنا مؤمنة إن شاء الله ، ومن شكَّ في إيمانه فقد كفر !

لذلك الواقع هذا البحث هو من البحوث التي نستدل بها على الرَّدِّ على الذين يطلقون القول بدون إمعان نظر وتنقيب فكر ؛ فيقولوا : أن الخلاف بين المسلمين إنما هو في الفروع وليس في الأصول ، وهذا هو أسُّ الأصول الإيمان ؛ فقد اختلفوا فيه إلى درجة أن الحنفية قالوا فيمن قال : أنا مؤمن إن شاء الله فقد كفر ، وذكروا هذا في بحث في الرِّدَّة ، وفرَّعوا على ذلك أنه لا يجوز للحنفي أن يتزوَّج الشافعية لأنها تشكُّ في إيمانها ، إلى أن جاء بعض متأخِّريهم فأجاز للحنفي أن يتزوَّج بالشافعية ، ولكنه في وقت تصريحه بالجواز وسَّع الخرق على الرَّاقع ؛ لأنه صرَّح بالتكفير ؛ فقال : يجوز للحنفي أن يتزوج بالشافعية تنزيلًا لها منزلة أهل الكتاب !

الحاضرون : الله أكبر !

الشيخ : فتنزيلًا لها منزلة أهل الكتاب هذا مثل ما يُقال : بالأول قالوا : مَن قال أنا مؤمن إن شاء الله فقد كفر ، هذا إلزام ونص عام ، لكن هنا يقول : تنزيلًا لها منزلة أهل الكتاب ؛ ومعنى هذا أنه يجوز للحنفي أن يتزوَّج الشافعيةَ ، ولا يجوز للشافعي أن يتزوَّج الحنفيةَ المرأةَ الحنفية ؛ تنزيلًا لها منزلة أهل الكتاب ؛ فنحن نأخذ من أهل الكتاب ولا نُعطيهم ، كذلك يقول هذا القائل : نحن نأخذ من الشافعية بناتهم ، ولا نعطيهم بناتنا !

هذا نتجَ من هذا الخلاف الذي وقع بين السلف والأئمة الثلاثة وبين أبي حنيفة - رحمه الله - ، وتبنَّى هذا المذهب أبو جعفر مع الأسف الشديد ، ولولا هالنقطة لَكان الكتاب سلفيًّا مئة في المئة ؛ لذلك أحبَبْتُ أن أذكِّر بأهمية هذه العقيدة عقيدة الطحاوية من جهة ، وأستثني من ذلك قولَه بقول إمامه أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص .

هذا الإيمان قائم على التوحيد = -- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته -- = هذا الإيمان أصله الإيمان بالله - تبارك وتعالى - كما وَصَفَ به نفسه ، وهذا الإيمان بالله - عز وجل - كما وصف به نفسه قد أخلَّ به كثير من المسلمين علمائهم فضلًا عن عوامِّهم ، ولذلك فقد عالجَ الشارح للعقيدة الطحاوية هذا التوحيد معالجة قويمة وعظيمة جدًّا ، ولا يتمُّ إيمان المسلم وتوحيده إلا بأن يفهم هذا التوحيد بأنواعه الثلاثة المعروفة عندنا بـ : توحيد الربوبية ، وتوحيد العبودية ، وتوحيد الصفات ؛ وذلك قول الشارح - رحمه الله - :

مواضيع متعلقة