الكلام عن شبهة عدم كتابة السنة في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
الكلام عن شبهة عدم كتابة السنة في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - .
A-
A=
A+
الشيخ : الشيء الثاني : ليس صحيحًا ما يُشاع ويُذاع في غير ما مناسبة في محاضرات وفي كتابات في مجلَّات مختلفة - وذلك من وساوس المبشِّرين وأعداء الإسلام والدين - أن هذا الحديث لم يُكتب ولم يُجمَعْ إلا بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بنحو قرن ونصف ؛ هذا ليس صحيحًا إطلاقًا ؛ وذلك لأحاديث صحيحة معروفة لدينا بالأحاديث التي نُحرِّم بها ونحلِّل أن الحديث كان يُكتب في عهد الرسول - عليه السلام - ، وأنه أحيانًا هو نفسه - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يأمر بكتابة خطبة يُلقيها على مسامع الناس ؛ فهناك - مثلًا - حديث في " صحيح البخاري " عن أبي هريرة قال : " كان عبد الله بن عمرو بن العاص أكثر منِّي حديثًا ؛ كان يكتب ولا أكتب " . انظروا هذا النص صحابي حضر الرسول - عليه السلام - وزامَلَ صاحبه عبد الله بن عمرو بن العاص في مصاحبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتلقِّي العلم والحديث عنه يقول هو فيما كان يظنُّ - وكان ظنُّه خطأً في الواقع كما دل الاستقراء الثابت فيما بعد - كان يظن أن عبد الله بن عمرو أكثر حديثًا منه ، يُعلِّل فيقول : " إنه كان يكتب ولا أكتب " ؛ إذًا ابن عمرو كان يكتب الحديث في عهد الرسول - عليه السلام - ؛ ولذلك ظنَّ أبو هريرة أنه أكثر حديثًا منه .

وعندنا من أحاديثه المحفوظة بالأسانيد الصحيحة ما يؤكد قول أبي هريرة بأن ابن عمرو كان يكتب الحديث ؛ فهناك حديث في " مسند أحمد " وغيره عن عبد الله بن عمرو - هذا نفسه - أنَّه جلس مجلسًا فيه طائفة من المشركين ، فقالوا : كيف تكتبون عن نبيِّكم كلَّ ما يتكلم به في حالة الرضا والغضب ؛ فهو إنسان بشر ؟ فكأن هذا شبهة دخلت في قلبه ، فسارَعَ بها إلى نبيِّه يطلب منه إزالتها ، وحكى له قول المشركين السابق ، فقال له - عليه الصلاة والسلام - وسمعتم هذا الحديث في التسجيل : ( اكتب ؛ فوالذي نفس محمَّدٍ بيده ما يخرج منه إلا حقٌّ ) ؛ إذًا الرسول يقول له : ( اكتب ) كلَّ ما سمعت مني حديثًا فاكتبه ؛ إذًا هو كان يكتب الحديث ، هذا حديث ثاني .

وحديث ثالث عنه - أيضًا - نفسه وذاته أنه كان حول الرسول - عليه السلام - جالسًا قال : نكتب الحديث عنه . فسأله سائل قال : يا رسول الله ، أقسطنطينية نفتحها أوَّلًا أم روميَّة ؟ قال : ( بل قسطنطينية ) . فهذا ما بيهمني هذه البشارة العظيمة ، وهذه يجب أن تحفظوها جيِّدًا حتى تعرفوا أنَّ المستقبل للإسلام ، ولكن هذا يحتاج إلى عمل للإسلام وفهم للإسلام فهمًا صحيحًا ، وإنما الشاهد منه بينما نحن جلوس عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نكتب الحديث عنه سأله سائل ؛ ولذلك فهناك حتى اليوم صحيفة تُعرف عند المحدثين بصحيفة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، وجده هو عبد الله بن عمرو العاص هذا ، صحيفة يعني توارثها الأبناء عن الآباء عن الجدِّ كتابةً ، وهناك صحف أخرى معروفة في كتب المصطلح وعلم الحديث ، فحسبنا هذا مثالًا لدحضِ هذه الشبهة التي تقول : إن الحديث لم يُبدأ بجمعه في عهد الرسول - عليه السلام - .

ومع ذلك فنحن نقول : هَبْ أن الحديث لم يُجمَعْ مطلقًا في عهد الرسول - عليه السلام - ؛ ماذا يضرُّ ذلك أن يتأخَّر الجمع إلى قرن ونصف ما دام هذا القرن ونصف كم واسطة فيه ؟ صحابي واحد ، التابعي اثنين ، تابع التابعي الثالث بس ، وهدول الرواة لهم أجلُّ وأنصع تاريخ يمكن أن يوجد لأتباع نبيٍّ مضى في القرون السابقة ، لا يوجد مثيل لهؤلاء أبدًا ، وحسبكم يعني تفاوتًا وكما قال الشاعر :

" وحسبُكُمُ هذا التفاوت بيننا *** وكلُّ إناء بما فيه ينضَحُ "

أن تعرفوا الفرق بين الحديث مش القرآن ؛ بين حديث الرسول - عليه السلام - وبين التوراة والإنجيل ، إنه لا يوجد لديهم إسناد ولو مكذوب موضوع يصل العالم بالإنجيل وبالتوراة إلى من أُنزِلَ عليه الإنجيل ومن أُنزِلَ عليه التوراة . الإنجيل كُتِب بعد رفع عيسى - عليه السلام - بمئة سنة أو أكثر لا أذكر الآن بالضبط ، هذا معروف معترف به عندهم ؛ ولذلك تعدَّدَتْ إيش ؟ الأناجيل إلى أكثر من سبعين أو قريب من ثمانين ، وحتى عقدوا مجلس هناك في القسطنطينية قديمًا فاختاروا هذه الأربعة أناجيل لتقليل شدَّة الخلاف الموجود بين هذه الأناجيل وهي كتابهم المقدَّس ، نحن حديثنا مروي بالأسانيد الصحيحة من المؤلِّفين المَوثوق المعروف ترجمة حياتهم ، نعرف ترجمة حياة البخاري ومسلم ما لا يعرف اليهود والنصارى من ترجمة عيسى وموسى فضلًا عن غيرهم من الأنبياء والرسل ، وهذا كله مصداق لقول الله - عز وجل - : (( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)) .

لكن السَّائل الذي أشرت إليه سابقًا ذَكَرَ هذه الآية وأشكل عليه الأمر أن يكون الحديث محفوظًا ؛ فقد أجبْتُ أن الحديث محفوظ في مجموع الأمة كما أنَّ القرآن المقصود به معناه ، فمعناه محفوظٌ في مجموع الأمة ، وليس من الضروري أن كل واحد من الحاضرين الآن يفهم مثل الآية : (( مُدْهَامَّتَانِ )) شو معناها ؟ فإذا فاتَكَ هذا المعنى مو معناها فاتت على الأمة كلها ، كذلك إذا ما عرفت حديث من الأحاديث هل هو صحيح وضعيف مو معناه أنُّو ضاع الحديث على الأمة كلها ، وبالأولى وأحرى أنُّو مو معناه أنُّو الحديث اللي أشكل عليك هو مشكل على كل الأمة ، وإنما من عدم اعتنائك بطلب العلم الشرعي وعدم حضورك لمجالس العلم ؛ لذلك مجرَّد أن يطرق سمعك حديث يُشكل عليك وقد يكون غير صحيح ، فأنت لا تعرف الصحيح من الضعيف ، ولو كان صحيحًا فلا تستطيع أن تفهم معناه الصحيح .

ختامًا أقول : لا إشكال على السنة ، فهي - والحمد لله - محفوظة ، ويكفي أن هناك كتب معروفة بعضها جمعت الصحيح ، وبعضها جمعت الصحيح والحسن والضعيف ، وبعضها جمعت الضعيفة والموضوعة بصورة خاصَّة ، كل ذلك تسهيلًا للأمة أن يكونوا على بيِّنة من دينهم .

ولعل في هذا القدر كفاية ، والحمد لله رب العالمين .

مواضيع متعلقة