حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : كان رجلان من بليٍّ - حيٌّ من قضاعة - أسلم مع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فاستُشهِدَ أحدهما ، وأُخِّرَ الآخر سنة . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : كان رجلان من بليٍّ - حيٌّ من قضاعة - أسلم مع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فاستُشهِدَ أحدهما ، وأُخِّرَ الآخر سنة .
A-
A=
A+
الشيخ : والآن نقرأ عليكم الحديث ذي الرقم خمس وأربعين في نسختي وهو حديث صحيح ، وهو قوله : وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : كان رجلان من بليٍّ - حيٌّ من قضاعة - أسلم مع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فاستُشهِدَ أحدهما ، وأُخِّرَ الآخر سنة ، قال طلحة بن عبيد الله .

السائل : ... .

الشيخ : طلحة بن عبيد الله : فرأيت المؤخَّر منهما أُدخِلَ الجنة قبل الشهيد .

كذلك هنا جملة سقطت إما من المؤلف وإما من الناسخ أو الطابع وهي : " فأُرِيتُ الجنة " ، فتصبح العبارة قال طلحة بن عبيد الله : فأُرِيتُ الجنة ، فرأيت المؤخَّر منهما . يعني رأى في المنام أنه دخل الجنة ، رأى الجنة ورأى فيها هذا الرجل الذي تأخَّر في الوفاة عن الشهيد ، قال : أُدخِلَ الجنة قبل الشهيد ، فتعجَّبت لذلك ، فأصبحت ، فذكرتُ للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - . هكذا - أيضًا - هنا العبارة ، وصوابها كما في مصدر الحديث : فذكرتُ ذلك للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( أَليسَ قد صام بعدَه رمضان وصلَّى ستة آلاف ركعة وكذا ركعةً صلاة سنة ) ، رواه أحمد بإسناد حسن ، ورواه ابن ماجه وابن حبان في " صحيحه " والبيهقي كلهم عن طلحة بنحوه أطول منه ، وزاد ابن ماجه وابن حبان في آخره : ( فَلَمَا بينَهما أبعد ممَّا بين السماء والأرض ) .

هذا الحديث في الواقع شرح تاريخي واقعي لذاك الحديث الصحيح : ( خيركم مَن طال عمره وحَسُنَ عمله ) ، فهذان رجلان أسلَمَا في عهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، فاستُشهِدَ أحدهما ، مات في سبيل الله شهيدًا ، وعاش الآخر مِن بعده سنةً كاملة ، فرأى طلحة بن عبيد الله - وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة كما هو معروف - رأى في المنام الجنة ، ورأى فيها ذلك الرجل المتأخِّر وفاةً والذي لم يمُتْ استشهادًا ، رآه قد دخل الجنة ؛ أي : قبل ذلك الذي مات شهيدًا ، فالواقع أنه هذا كما قال هو : " تعجَّبت من ذلك " ؛ لأنُّو المفروض أن الشهيد هو الأسبق دخولًا ، فتعجُّبه مما رآه من خلاف ما كان يظنُّه حيث رأى المتأخر في الوفاة بدون استشهاد سَبَقَ الذي مات شهيدًا في الدخول الجنة ، فحَمَلَه تعجُّبه ذلك أن ذكر الأمر للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، فشرح له القضية حتى زال تعجُّبه بقوله : ( أليسَ قد صام بعده رمضان ؟! ) ؛ أي : إنه عاش سنة ، فاكتسب فيها فضيلة صيام هذا الشهر المبارك ، ثم أليس - أيضًا - قد صلى ستة آلاف ركعة لم يصلِّها ذلك الذي مات شهيدًا ؟! فهذا أجر كبير ، وهو - عليه السلام - في قوله : ( صلى ستة آلاف ركعة ) يُشير إلى عدد ركعات الفرائض الخمس التي لا بد للمسلم أن يصليها في كل يوم وليلة .

وقوله - عليه السلام - عطفًا على قوله : ( وصلى ستة آلاف ركعة وكذا وكذا ركعة صلاة سنة ) إما أن يعني بهذا العطف - وهو قوله : ( وكذا وكذا ركعة ) على ستة آلاف - هو تحرير الضَّرب والجمع بمجموع الصلوات الخمس ؛ ضرب بعدد ثلاث مئة وخمس وستين يومًا ، وضرب هذا الحاصل بعدد ركعات اللي هي سبعة عشر ركعة ، فيكون الحاصل : ستة آلاف ومئتين ركعة وزيادة ، فإما أن يعني بقوله : ( ستة آلاف وكذا وكذا ) هذه الزيادة ، وإما أن يعني أكثر من ذلك ؛ لأن المسلم لا يقتصر أو المفروض أنه لا يقتصر على أن يصلي فقط الخمس صلوات المفروضة ، بل هو يُضيف إلى ذلك شيئًا من السنن ؛ لا سيَّما ما كان منها من الرواتب ، وذلك من باب الاحتياط كما دلَّ على ذلك حديث الرسول - عليه الصلاة والسلام - أن المسلم يوم القيامة حينما يُحاسب أول ما يُحاسب عليه الصلاة ، فإذا تمَّت صلاته تمَّت كمًّا وكيفًا فقد أفلح وأنجح ، أما إذا نقصت - أيضًا - كمًّا أو كيفًا فقد خاب وخسر ، في هذه الحالة الأخرى ربنا - عز وجل - بفضله ورحمته بعباده يأمر الملائكة أن ينظروا في صحيفة هذا العبد الخاسر لسبب نقصان وقع في صلاة الفريضة ؛ أن ينظروا إذا كان له من التطوُّع من التنفل ، فيتمُّوا له بهذا التنفل فريضته .

لذلك فينبغي على المسلم أن لا يكون قنوعًا على مذهب ذلك الأعرابي الذي لمَّا سأل الرسول - عليه الصلاة والسلام - عمَّا فَرَضَ الله عليه في كل يوم وليلة ، فلما أجابه بأنها خمس صلوات قال : " والله يا رسول الله لا أزيد عليهنَّ ولا أنقص " ، ومع أن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - قد قال مشجِّعًا لهذا الإنسان على الثبات بقوله : " والله يا رسول الله ، لا أزيد عليهنَّ ولا أنقص " ؛ قال - عليه السلام - : ( أفلح الرجل إن صدق ) ، ( دخل الجنة إن صدق ) ؛ فهذا لا ينافي أن يحتاط الإنسان لصلاته ولعبادته فيُكثر ما استطاع من التطوُّع خشية أن يقع في فريضته من ذلك النقص الذي سبقت الإشارة إليه ، فقوله - عليه الصلاة والسلام - لهذا الذي تأخر موتًا وتقدَّم إلى الجنة دخولًا : ( أليس قد صلى ستة آلاف ركعة وكذا وكذا ركعة ؟! ) ؛ إما أن يعني مجموع فقط ركعات الفرائض ، وإما أن يعني زيادة أخرى على ذلك من التطوع والنوافل ، وهذا هو الأفضل بالنسبة لكل مسلم ؛ لا سيما في زماننا هذا حيث أن المفاتن والمفاسد والمهلكات من أنواع شتَّى تتكاثر على الإنسان ، فتُفسد عليه كثيرًا من عبادته وطاعته ؛ فلا بد أن يكون عنده شيء من الاحتياطي في العبادة حتى ينجح يوم القيامة ولو بتثبيت شيء بدل شيء مما ضيَّعَه أو تهاون فيه .

فإذًا هذا الحديث يوضِّح للمسلم كيف أن حياة الإنسان المسلم الطويلة إذا أحسَنَ عملًا هي خير له من حياته القصيرة ، ومن أجل ذلك سيأتي بعدُ أحاديث تنهى المسلم عن أن يتمنى الموت ، ومن هنا يظهر كيف أن الإسلام يعالج في أتباعه الأمراض النفسية التي تجلَّى في عصرنا هذا أثَرُها في الناس مع توفُّر كل أسباب الحياة المادية والرفاهية فيها ، ومع ذلك فتجدهم مضطربين في حياتهم أشد الاضطراب ؛ مصداقًا لقول الله - عز وجل - : (( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا )) ، فمعيشة الضنك ليست في شظف العيش كما يتوهَّم كثير من قاصري العقل والفكر والناقصي الدين ، وإنما الضَّنك يأتي ولو كان صاحبه يعيش في أهنأ حياة مادية ، فالإسلام بمثل هذه الأحاديث يُطمئِن المسلم أن حياته الطويلة هي خير له ما دام أنه يُحسن عملًا ، ولو كانت حياته من الناحية المادية ضنكًا ، وستنقلب هذه الحياة بالنسبة إليه يوم القيامة حياة رفاهية على عكس حياة الكفار في هذه البلاد ؛ فَهُم يعيشون الآن في رفاهية ، ولكنهم في الآخرة كما سمعتم في الآية السابقة : (( فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى )) إلى آخر الآية .

مواضيع متعلقة