التذكير بأهمية الدعوة إلى توحيد العبادة والتحذير من الشرك . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
التذكير بأهمية الدعوة إلى توحيد العبادة والتحذير من الشرك .
A-
A=
A+
الشيخ : فنحن نذكِّر - والذكرى تنفع المؤمنين - أن النبي - عليه الصلاة والسلام - حينما أُنزِلَ عليه القرآن قائلًا : (( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ )) ، فدعاه إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، واهتمَّ بهذا الموضوع دعوةً وبيانًا فقال : ( مَن مات وهو يشهد أن لا إله إلا الله دَخَلَ الجنة ) ، يرويه ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( مَن مات وهو يشهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة ) ، قال ابن مسعود : " وقلت أنا من عندي ومَن مات وهو يشرك بالله شيئًا دخل النار " ؛ ولذلك فأهم شيء ينبغي على الداعية المسلم في هذا الزمان هو دعوة المسلمين إلى التوحيد ، وبيان ما ينافي هذا التوحيد من الشركيات والوثنيات ؛ لأن توحيدًا مَشُوبًا بكثير من الشركيات والوثنيات لا يفيد شيئًا ؛ لأن الشرك إذا داخَلَ التوحيد قضى عليه وأفسده كالخلِّ إذا سَطَا على العسل ضيَّع حلاوته ؛ فلا بد أن يكون الداعية يهتمُّ بهذه النقطة قبل كل شيء ؛ دعوة المسلمين إلى فَهْم معنى لا إله إلا الله إثباتًا ونفيًا ؛ لا إله ، إلا الله ، وهذا الإثبات يستلزم معرفة التوحيد بأنواعه الثلاثة : توحيد الربوبية ، وتوحيد الإلهية أو العبادة ، وتوحيد الصفات ؛ فَمَن آمَنَ بالتوحيد مخلًّا بنوع من هذه الأنواع لم يُفِدْه توحيده ، وإذا فَهِمَ هذه الأنواع الثلاثة من التوحيد وَجَبَ عليه أن يفهَمَ - أيضًا - ما يُناقض هذا التوحيد من الشركيات والوثنيات .

ونحن نعلم - مع الأسف - أن هؤلاء المسلمين الذين يبلغون نحو ثمان مئة مليون مسلم يصدق فيهم - مع الأسف الشديد - قول ربِّ العالمين : (( وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ )) ، (( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ )) ، أكثر هذا العدد الضخم من المسلمين هذا شأنهم ؛ فإنهم يؤمنون من جهة ويشركون من جهة أخرى ؛ ذلك شأن الذين أشركوا من قبل : (( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّه )) ، هذا إيمان ، ولكن إذا اتَّجهنا إلى تمام هذا التوحيد وهو العبادة لله وحده كفروا بهذه العبادة ، وقالوا : (( أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ )) ، أي : أَجَعَلَ هذا النبي الداعي الناس إلى التوحيد جعل المعبود معبودًا واحدًا ؟! وهم يعبدون آلهةً مع الله أخرى ! فقالوا : (( أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ )) ؛ ولذلك قال - تعالى - : (( إِذَا قِيلَ [ لَهُمْ ] لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ )) عن ماذا يستكبرون ؟ عن القول بأن خالق الكون هو الله ؟ لا ، هذا كان يؤمنون به ، (( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ )) ، ولكنهم كانوا ... بحصر العبادة لهذا الله الذي خلق السماوات والأرض ، فكانوا يعبدون اللَّات والعزَّى ومناة الثالثة الأخرى .

ومن جهل المسلمين اليوم أنهم لا يعرفون العبادة ما هي ، فَهُم يتوهَّمون أن عبادة غير الله - عز وجل - هو أن تصلي له فقط ، وتركع له وتسجد ، فيظنُّون أن مَن صلى لغير الله هذا فقط عَبَدَ غيرَ الله ، أما إذا دعا غير الله في الشدائد ، إذا ذبح لغير الله في الرخاء ، إذا نذر لغير الله في الرخاء ؛ هذا لا يعتبرونه عبادةً لغير الله وهو عين العبادة ، وهذا ما وقعَ فيه جماهير المسلمين اليوم الذين يذبحون للأولياء والصالحين ، وينذرون لهم ، ويحجُّون إلى قبورهم كما يحجُّ المؤمن إلى بيت الله الحرام ، هذا كله شرك بالله - عز وجل - ؛ أي : شرك في عبادته في ألوهيته ، وإن كانوا يؤمنون بوجود الله ، فهذا الإيمان كان عليه المشركون ولم يخلُّوا بذلك شيئًا ؛ لأنهم استكبروا أن يعتقدوا بأنه لا إله إلا الله ؛ لأنهم يعلمون أن معنى لا إله إلا الله لا معبود بحقٍّ في الوجود إلا الله ، وهم يعبدون مع الله آلهة أخرى ؛ لذلك استكبروا أن يقولوا : لا إله إلا الله ، المسلمون اليوم لا يستكبرون ، يقولون : لا إله إلا الله ، ولكنهم لا يعلمون ما معنى لا إله إلا الله ؛ فَهُم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم جهلًا منهم بدينهم .

فهذا ممَّا يبيِّن لنا أهمية الدعوة إلى توحيد الله - عز وجل - في ألوهيته وفي عبادته ، فَمَن آمَنَ بأن الله واحد في ذاته ، وآمَنَ بأن الله واحد في عبادته ، وأنه لا يجوز أن يُعبَدَ معه سواه ، وضَمَّ إليه أخيرًا التوحيد الثالث والأخير وهو توحيد الصفات ؛ فهذا الذي آمَنَ بلا إله إلا الله فهمًا واعتقادًا .

توحيد الصفات هو اعتقاد أن الله - عز وجل - كما هو واحد في ذاته فلا ندَّ له ، وكما أنه واحد في عبادته فلا شريك له يُعبد معه ، فكذلك الله - عز وجل - واحد في صفاته ؛ فلا أحد يُشبِهُه في صفة من صفاته فضلًا عن جميع صفاته ، فمَن وحَّد الله - أيضًا - في صفاته فقد تَمَّ توحيده ، وهو الذي حَرَّم الله عليه النار أبدًا أن يُخلد فيها أبدًا ، وهو الذي قال فيه - عليه الصلاة والسلام - : ( مَن قال : لا إله إلا الله ؛ نَفَعَتْه يومًا من دهره ) ، وهذا هو الإيمان الذَّرَّة الذي ليس بعده أيُّة ذرة ، فمن لم يكن فيه هذه الذَّرَّة كان من الخالدين في النار أبدًا ، أما من كانت فيه هذه الذَّرَّة فهو الذي يخرج من النار مهما كانت خطيئاته وسيئاته .

مواضيع متعلقة