معنى قول الطحاوي : " مميتٌ بلا مخافة باعثٌ بلا مشقَّة " . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
معنى قول الطحاوي : " مميتٌ بلا مخافة باعثٌ بلا مشقَّة " .
A-
A=
A+
الشيخ : " مميتٌ بلا مخافة ، باعثٌ بلا مشقَّة " ، الفقرة الثانية تلتحق بالبيان السابق ، " باعثٌ بلا مشقَّة " ؛ أي : كما قال - تعالى - في الآية المُشار إليها سابقًا : (( وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ )) ، اللي خلق ابتداءً فأهون عليه الإعادة .

السائل : ... .

الشيخ : نعم ، أما قوله : " مميتٌ بلا مخافة " فكأنه يُشير إلى أنَّ الله - عز وجل - حينما يُميت الخلق لا يُميتهم للخلاص من شرِّهم ، كما يفعل الخصم عادةً من البشر مع خصمه والعدوُّ مع عدوِّه ، فإنما يُميته ليتخلَّص من شرِّه ، فالله - عز وجل - أكبر من أن يُميت الخلق ويعدمهم بعد أن أوجَدَهم مخافةً من شرِّهم ، وإنما لحكمةٍ بالغة ؛ من ذلك أن يُعيدهم إلى الحياة الأخرى لِيُعطِيَ كلًّا منهم أجرَ ما عملت يداه .

عيد عباسي : يقول الدكتور ... .

الشيخ : إي نعم .

عيد عباسي : هذا ماذا ... .

الشيخ : لأنُّو جايب الآية والآية صريحة ؛ (( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ )) ، وهذا في الواقع من الأمور الغيبيَّة التي يجب الإيمان بها ، الفلاسفة يقولون : الموت شيء عدم ؛ لأنهم يفهمون أن الموت هو ضد الحياة ، فالحياة إذا ذهبت كان الموت ، فلما جاء الموت لم يكن هناك شيءٌ وجودي ، لكن إذا قال الله - عز وجل - : (( خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ )) فشمل كلًّا منهما صفة الخلقيَّة ، والخلق إنما يتناول الأشياء الوجودية وليس يتناول الأشياء العدمية ؛ هذا من جهة ، ومن جهة أخرى تعلمون جميعًا حديث الإتيان للموت يوم القيامة في صورة كبشٍ يُوقف به بين الجنة والنار ، ثم يُنادى - بعد أن يُذبح - : يا أهل الجنة خلودٌ فلا موت ، ويا أهل النار خلودٌ فلا موت .

إذًا هذا الموت له وجود حقيقي ، والله - عز وجل - بقدرته يمثِّله في صورة كبشٍ ، كما أن القرآن الكريم - مثلًا - هو كلام الله - تبارك وتعالى - ، ويتمثَّل يوم القيامة في صورة ما ، وقد جاء على ذلك بعض الأحاديث الصحيحة ؛ كما أنَّ العمل الذي يعمله الإنسان في الحياة الدنيا يتمثَّل له في قبره إن كان صالحًا بصورة شخص جميل الوجه جميل الصورة ، والعكس بالعكس ؛ فهذه حقائق موجودة ، وخَلَقَها الله - عز وجل - ، ومن تمام خلقه إيَّاها أنه يمثِّلها في صور مادية مجسَّمة تُرى رأي العين .

فالموت حقيقة من حقائق خلق الله - عز وجل - لا يمكننا نحن أن نُدرِكَ ؛ لأنه ممَّا وراء العقل ، لكن ما دام جاء النَّصُّ في إثباته فلا علينا بعد ذلك أن جَهِلَ الفلاسفة هذه النصوص وأنكروها ؛ لأنهم إنَّما يُؤمنون بما يحيط به عقلهم وفكرهم وعلمهم ، والله - عز وجل - يقول : (( وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ )) ، ويقول : (( وَمَا أُوتِيتُمْ مِن الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا )) ، ومع أن المقصود بهذه الآية : (( وَمَا أُوتِيتُمْ مِن الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا )) العلمَين ؛ المقصود به العلمان العلم الديني والشرعي والعلم الكسبي والتجرُبي ، ففي كلٍّ من العلمَين يقول الله - عز وجل - مخاطبًا البشر : (( وَمَا أوتِيتُمْ مِن الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا )) ، ولا شك أنَّ الإنسان إذا جَمَعَ بين العلمَين يكون أكثر إحاطةً بما أرادَ الله لعباده من العلم مما لا يتفرَّد بعلمهم لأحدهما ، فالشرعيون إذا ضمُّوا إلى علمهم علم التجربي والنظري لا شك يكونون أكثر إحاطةً بالعلم من العكس ؛ أي : البشر الذين يحيطون بالعلم التجربي والعلم الكسبي ولا يرفعون رأسًا إلى العلم الشرعي ، مع ذلك الأشخاص الذين يجمعون بين العلمَين هم الذين يُخاطَبون - أيضًا - بقوله - تعالى - : (( وَمَا أُوتِيتُمْ مِن الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا )) ؛ فأولى وأولى أن يُخاطب بهذا النَّصِّ نوع من البشر تفرَّد بعلم من العلمَين ؛ أولى وأولى أن يُخاطب بهذا النَّصِّ الفلاسفة الذين إنما يعتمدون في العقائد على مجرَّد العقل والنظر ؛ فهؤلاء لا يُلتفت إليهم إذا أنكروا حقيقةً من الحقائق العلمية الشرعية ؛ كمثل قولهم : أن الموت صفة عدمية وليست صفة وجودية ، بعد أن الله - عز وجل - يُخبر خلاف ما ذهبوا إليه فيقول : (( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا )) ، يبلوكم بالحياة وبالموت .

مواضيع متعلقة