في حكم التبرُّع بالكلية . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
في حكم التبرُّع بالكلية .
A-
A=
A+
إذا عرفنا هذه الحقائق الشرعية ؛ فكيف يجوز أن نقول : يجوز للشخص الحيِّ أن يتبرَّع بإحدى كليتَيه للآخر وقد يكون في ذلك ضرر له إما عاجلًا وإما آجلًا ؟

ويتأيَّد هذا الكلام بأن نتذكَّر حقيقة يؤمن بها كلُّ مؤمن ؛ ربنا قال في القرآن : (( مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ )) أي : من خلل ، عَلِمَه مَن عَلِمَه ، وجَهِلَه مَن جَهِلَه ؛ لأن مو كل الناس يعلمون هذه الحقيقة ، لكن المسلم يستفيد علمًا من كتاب ربِّه ومن حديث نبيِّه . (( مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ )) ؛ تُرى لما ربنا خلق للإنسان كليتَين ، وخلق له يدين ورجلين ، عبثًا ؟ (( مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ )) ، أنا لا أرى فرقًا أبدًا بين إنسان يتطوَّع بإحدى كليتيه وآخر يتطوَّع بإحدى يديه أو رجليه ؛ لا فرق أبدًا بين هذا وهذا إطلاقًا . نعم ؟

السائل : التبرُّع بالكلى أكثر وأخطر .

الشيخ : أخطر ، أحسنت ؛ هَيْ شَهِدَ شاهد من أهلها ، أنا كنت عم أستنى مجيئه هو .

السائل : ... .

الشيخ : طيب ؛ جزاك الله خير .

السائل : وإياك .

الشيخ : فإذًا - وأنا أقول شيء وهذا نذكره بيانًا للواقع وعبرة لِمَن يعتبر ؛ أنا الآن أنا اللي بأتكلم معكم بهذا الكلام في زعم بعض الأطباء ما أدري أصابوا أم أخطؤوا ؛ أنا أعيش بين أيديكم الآن بكلية واحدة ؛ لأنُّو الكلية اليمنى متعطِّلة - ؛ فلو أنا كنتُ من أولئك المغترِّين بمثل تلك الفتوى ، وتصدَّقت وتبرَّعت بالكلية هذه وتعطَّلت الأخرى كنت في عالم الأموات بلا شك ؛ لذلك من الخطأ الفاحش أن يُقال : بجواز التبرُّع بإحدى الكليتين ، هذا بالنسبة للحيِّ ؛ لأنُّو هو بحاجة إلى ذلك ، وإلا (( مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ )) كما قلنا ، وهَيْ الأمثلة اليدين والرجلين أمثلة ملموسة تمامًا ، وكما سمعتم هذا أمر خفي باطني ، وأعتقد أنُّو لو قُطِعت يد ما في خطر على المقطوع يده ؛ بدليل أنُّو الشرع جاء بقطع اليد ، وكم وكم من ناس ارتكبوا الذَّنب الذي يقتضي قطع اليد وربما قطع الرجل مع ذلك إيش ؟ عاشوا ، لكن الكلية الثانية إذا ما تعرَّضت للخطر بيجوز أنُّو يتعرَّض للموت ؛ ولذلك كما سمعتم أنُّو هنا أخطر في تبرعه بإحدى الكليتين ؛ هذا بالنسبة للحي .

بالنسبة للميِّت فهنا يتغافل أو يغفل كثير من الناس الذين يفتون بجواز شقِّ قلب الميت واستخراج إحدى الكلوتين لينتفع بها الحيُّ ، هنا تحضرني كلمة تُنقل عن " أبو العلاء المعري " ، وإن كان هو رجلًا لا يُستشهد بكلامه ، لكن الكلام حق سواء خرج من غير أهله أو من أهله ؛ لما رأى رجلًا مريضًا وصفوا لحم سخلة أو شاة صغيرة قال : " استصغروك فوصفوك ؛ هل وصفوا لك شبل الأسد ؟! " [ الشَّيخ يضحك ! ] ، فتسلَّطوا على الأموات وحكموا بالاستفادة من إحدى كليتيه ، لكن الشرع بيقول : لا يجوز التَّمثيل حتى بالكفار ، وهذا من أدب الإسلام ، فما بالك التَّمثيل بالمسلمين وقد قال - عليه الصلاة والسلام - : ( كسر عظم المؤمن الميت ككسره حيًّا ) ؟!

( كسر عظم المؤمن الميت ككسره حيًّا ) ؛ إذًا شقَّق لبطنه ولأعصابه وما أدري شو بيمر في طريقه - الطبيب أعرف مني - للوصول إلى هذه الكلوة ؛ هذا تمثيل لهذا الميت ، وهم لا يفرِّقون مع الأسف حينما يُفتون هذه الفتوى لا يفرِّقون بين المسلم والكافر ، وربنا يقول : (( أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ )) ، إن أرادوا ولا بد من مثل هذه الفتوى تحقيقًا للمصلحة - زعموا ! - مصلحة الحي على حساب الميت على الأقل يقيِّدوها بالكافر ؛ لأن الرسول حينما قال : ( كسر عظم الميت ) وَصَفَه بالمؤمن ، قال : ( ككسره حيًّا ) ؛ مع ذلك فأنا أرى أنُّو هذا الأسلوب يترفَّع عن مبدأ أن الغاية لا تبرِّر الوسيلة في الإسلام خلافًا للكفار الذين يقولون إما بلسان حالهم أو لسان قالهم - ولسان الحال أنطق من لسان المقال في كثير من الأحوال - ؛ هؤلاء الكفار يقولون : " الغاية تبرِّر الوسيلة " ؛ ولذلك كما ترون في هذه الحياة في هذا العصر وغيره يستحلُّون ما لا تجيزه ديانة من الديانات بعد الإسلام على عجرها وبجرها ؛ لماذا ؟ لأن الغاية تبرِّر الوسيلة ، ولسنا بحاجة أن نسمع من الكفار التَّصريح بهذا الذي ينطق به لسان الحال : " الغاية تبرِّر الوسيلة " ، لا نطمع أن نسمع مثل هذه الكلمة من هؤلاء الكفار ؛ لأنهم كما تعلمون هم أهل سياسة ، ولذلك فهم يعملون بخلاف ما يعبِّرون وما يقولون ، لكننا نريد لإخواننا المسلمين جميعًا مَن كان منهم متفقِّهًا أو غير متفقِّه ، عالمًا أو غير عالم ؛ أن لا يقلدوا الكفار في نُظُمِهم في مناهجهم في طريق سلوكهم في حياتهم ، ومن ذلك الغاية تبرِّر الوسيلة ، لذلك أنت تجد حينما يقولون : يا أخي ، هذا الميت راح يموت ، فبننقذوا على حساب كلوة من هذا الحي ، الغاية تبرِّر الوسيلة !! لا هذا ملكه ولا يجوز له أن يتصرَّف .

هنا يرد سؤال ، ويُعرف الجواب مما سبق ، ولكن فيه تقوية للوضع أنُّو ولو كان الميت كتب وصيَّة أنُّو أنا أسمح للاستفادة من كلوة أو كلوتين من عين أو العينتين أو ما شابه ذلك ؛ نقول : نحن هذه وصية باطلة ؛ لأن هذا الميت ليس له حقُّ التصرف بعد موته ، خلاص انتقل من هذه الحياة إلى الحياة البرزخية ، فهو سينتقل على عجره وبجره ، وليس له أن يتصرَّف في بدنه على خلاف ما كان يجوز له أن يتصرَّف في حياته .

غيره ؟

مواضيع متعلقة