كلمة على مسألة شكر الناس ، وأنها من شكر الله - تبارك وتعالى - ، مع ذكر قصة لرجل من مصر طلب العلم وهو في الأربعين من عمره . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
كلمة على مسألة شكر الناس ، وأنها من شكر الله - تبارك وتعالى - ، مع ذكر قصة لرجل من مصر طلب العلم وهو في الأربعين من عمره .
A-
A=
A+
الشيخ : قبل كلِّ شيء أن أحقِّق حديثًا من أحاديث الرسول - عليه السلام - الصحيحة طبعًا في مثل هذا الاجتماع الذي يسَّرْتَه لنا ذلك الحديث هو قوله - عليه السلام - : ( مَن لا يشكر الناس لا يشكر الله ) ، في الوقت نفسه بعد تقديم هذا الشكر الواجب عليَّ ابتداءً ثم على إخواننا انتهاءً .

السائل : جزاك الله خير .

الشيخ : أن أرجو لك في هذا المكان الذي عرفنا الدكتور أنك امتلكْتَه حديثًا ، وأنك أنت ساعٍ في تخضيره وإنباته وزرعه ؛ وأرجو لك أن ييسِّر الله لك ما قصدْتَ إليه أوَّلًا ، وأن يكون عملك هذا ممَّا يفيدك دنيا وأخرى ، والفائدة تنحصر أو لا تنحصر بوجهٍ من الوجوه فهي كثيرة وكثيرة جدًّا ، بعضها ينطبق على كلِّ أرض فيها ثمر أو حبٌّ أو زرع ينتفع منه المخلوقات بأنواعها ما كان ناطقًا أو صامتًا ، ما كان إنسانًا أو حيوانًا ؛ لأنه جاء في الأحاديث الصحيحة في البخاري وغيره أن المسلم ما يزرع زرعًا إلا ويأكل منه طير أو حيوان أو إنسان إلا وله على ذلك أجر - أو كما قال عليه السلام - .

والحقيقة ليس هذا هو الذي قصدت إليه بهذه الكلمة ، إنما هذه شبه مقدمة ، فالذي أتمنَّاه لك أن تصبح أرضك هذه جنة خضراء باسقة الأشجار كثيرة الثمار ؛ بحيث يصبح مكانك هذا موئلًا للقاصدين للاجتماع للعلم والعلم الصحيح المُستقى من الكتاب والسنة ، متذكِّرًا بذلك رجلًا كان له أثر طيب جدًّا ... مع فارق كبير بينك وبينه الآن ، وفارق متباين سلبًا وإيجابًا ، هو لمَّا بدأ في طلب العلم كان عمره أربعين سنة ، وأنت - والحمد لله - لست الآن تبتدئ في طلب العلم ، ومن هنا يأتي الاختلاف بينك وبينه ، لكن هناك أمر يوجد اختلاف آخر ... أتمناه لك أن يتحقَّق فيك وبطريقة خير من الطريقة التي تحقَّقت له ؛ حيث أن الرجل اليوم له من الأتباع ما يعدُّون الملايين ، وهو كان داعية للسنة ، ولكني لا بد لي من بيان أنَّ السنة التي كان يدعو إليها هو بمفهومه وبعلمه الذي كان استفاده من أزهره ، ولعل الجميع يعلمون أن الأزهر لا يقدِّم علمًا ناضجًا علمًا صحيحًا ؛ ولذلك نرى أن الذين كان لهم قدمًا راسخة في العلم الصحيح ما استفادوا ذلك من الأزهر كما يقولون الأزهر الشريف ، فهذا الرجل دخل الأزهر وعمره أربعون سنة لا يعرف شيء من القراءة والكتابة إطلاقًا ، والذي حرَّكه إلى ذلك - وهنا المشابهة التي أرجو أن تتحقَّق بينك وبينه من جانب - كان له بستان في القاهرة ، فكان يدعو أهل العلم من الأزهر يدعوهم للنُّزهة وتغيير الجوِّ في بستانه ، وهو رجل طيِّب وكريم ، فكان يكرمهم ، وكان يشعر بأنه بحاجة إلى الاستماع إلى الأحاديث التي تجري بينهم ، فكان يستفيد من طريقة إحضارهم لبستانه وإكرامه إياهم يستفيد منهم علمًا ، ومن كثرة ما تكرَّر هذا العمل أُلقِيَ في نفسه حبُّ العلم ، فدخل الأزهر عمره أربعون سنة ، وهو لا يعرف كما يقولون عندنا في دمشق : " الألف من المسطيجة " ، " المسطيجة " العصاية الطويلة عندنا ، وبعضهم في شمال سوريا : " لا يفرِّق بين الخمسة والطمسة " ، كان عامِّيًّا تمامًا ، ثم نبغ في دراسته حتى أخذ الشهادة العالمية اللي يسمُّوها هناك . يبدو أنه كان مخلصًا والله أعلم ، فأخذ يدعو الناس إلى ما عرفه من السنة ، فصار له أتباع وأتباع كثيرون جدًّا ، وأنا قُيِّضَ لي أن أذهب إلى القاهرة أكثر من مرة ، وصليت في مسجدهم ، ومسجدهم لعله المسجد الوحيد - أقول : لعله المسجد الوحيد - الذي بُنِيَ وليس له محراب ، وليس له ذلك المنبر الطويل الذي يقطع الصف أو الصفوف ؛ فعلًا على السنة ، كذلك هم يُعنَون بالمحافظة على زيِّهم ، وبخاصَّة فيما يتعلق باللحية ، فلا تكاد ترى فيهم حليقًا بخلاف جماعتنا أنصار السنة - مع الأسف - أكثرهم حليقين .

السائل : لا حول ولا قوة إلا بالله !

الشيخ : إي نعم ، وهم أنصار السنة ، واسم الجمعيَّة " جمعية أنصار السنة المحمدية " ، وسبحان الله ! كيف الإنسان يأخذ عبرة من الجماعتين ، وينبغي أن يأخذ من كلٍّ من الطائفتين خير ما عندهم ، تجد أنصار السنة يُعنَون بالعقيدة الصحيحة بخاصَّة ما يتعلق منها بالتوحيد والأسماء والصفات ، فهم موحِّدون سلفيون بالمئة مئة ؛ كذلك فيما يتعلق بالأحكام الشرعية يحاولون أن يأخذوا ما ثبت منها في السنة ؛ أي : دون أن يلتزموا مذهبًا معيَّنًا من المذاهب المتَّبعة .

جماعة الرجل هذا وفاتني أن أقدِّم أن الجماعة لها أسماء عديدة ، الاسم المشهور هناك في مصر يُسمَّون بالسُّنِّيِّين ، ولهم اسم ثاني نسبة لنسبة الشَّيخ تبعهم السُّبكية ، ونسبة ثالثة نسبة لأبي الشَّيخ وهي الخطَّابية ، فهم " محمود بن خطاب السبكي " ، فهم في الشهرة الأشهر عندهم السُّنِّيَّة ، شاع هذا بين العامة لماذا ؟ لاهتمامهم بالمظاهر ، وهذا بلا شك نحن نهتم به ، لكن نضع له الموازين العلمية الدقيقة ، فهم - مثلًا - كما قلت آنفًا أو أردت أن أقول لا تجد فيهم حليقًا ، لا تجد فيهم رجل مقتصر على قلنسوة فقط أو هكذا مثلي ، لا بد ما يحط عمامة ، ثم لا بد أن يكون لهذه العمامة " عذبة " ؛ لأنُّو هكذا كانت عمامة الرسول - عليه السلام - ، ثم كما ترون الأطعمة لا يأكلون كما يأكل بعض الناس - وأنا منهم - بالملعقة هذه ، وإنما بأيديهم ، فهكذا السنة ، فعندهم إفراط وتفريط فيما يتعلق بالسنة ، فهذه الأمور التي منها القلنسوة أو العمامة على القلنسوة أو " العذبة " للعمامة ؛ هذه بلا شك أمور ثابتة عن الرسول - عليه السلام - ، لكن ليس لها علاقة = -- يرحمك الله -- = ليس لها علاقة بماذا ؟ بالعبادات ، هذه مما يسميها بعض العلماء بسنن العادة ، كذلك تأكل بيدك أو تأكل بالملعقة أو الشوكة أو ما شابه ذلك هذه أمور عادات لا تدخل في العبادات ، على أنُّو الأكل باليد إذا كان الآكل بها باليد من أجل السنة فجميع الذين يأكلون اليوم باليد يخالفون السنة ؛ لأن السنة أن يأكل بثلاثة أصابع ، فما أرى واحدًا من هؤلاء الذين ابتُلوا بمخالفة السنة بالأكل باليد ما أرى منهم يوافق السنة بالأكل بثلاثة أصابع من يده ، وليس كذلك الذي يأكل بوسيلة مخترعة كأيِّ وسيلة من الوسائل التي تسهِّل الصعب وتقرِّب البعيد ونحو ذلك ، وهذا ليس لها علاقة كما قلنا في أول الجلسة بالشريعة ، وإنما هي مما خلق الله - عز وجل - لعباده .

فالتشدُّد في هذه الناحية وقع أولئك فيها ، فهم لزامًا عليهم أن يكون لهم عمامة ويكون لهم " عذبة " ، على أنُّو من الثابت في السنة أن الرسول ما كان دائمًا يتعمَّم ؛ تارةً يضع القلنسوة بدون عمامة ، وتارةً عمامة بدون قلنسوة ، وتارةً يجمع بينهما ، لكن الشيء الظاهر والذي يُشكرون عليه إذا التقيت مع أحدهم تجد فيهم الإخلاص والمودَّة والمحبة خاصَّة بين بعضهم البعض ، مقابل هذا الغلوِّ في التمسُّك بالسنة يوجد عندهم انحراف خطير جدًّا في العقيدة ؛ حيث أنهم أشاعرة في الإيش ؟ في الصفات ، فهم يتأوَّلون آيات الصفات حتى إن شيخهم هذا له كتاب خاص في تأويل آيات الصفات وإثبات أن آية : (( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )) هي بمعنى استولى وليس بمعنى استعلى .

فالشاهد : هذا الرجل يعني له حسنات وله انحرافات ؛ مع ذلك الآن في مصر أو ما أدري الآن الحقيقة ؛ لأنُّو أنا صار لي أكثر من عشر سنين ما أُتيح لي الذهاب إلى مصر ، الذي أعرفه قديمًا أنهم كانوا يعدُّون الملايين بسبب إخلاص هذا الرجل في دعوته ، وهالانحراف الذي نحن نعدُّه عليه لعله كان باجتهاد منه يُؤجر عليه إن شاء الله .

خلاصة الكلام كله : فأنا أرجو لك أن يصبح أو تصبح هذه الأرض جنة خضراء يتردَّد عليها العلماء وطلاب العلم ، ويكون هذا المكان منارة لنشر العلم الصحيح المطابق للكتاب والسنة . هذا الذي أردت أن أقوله بهذه المناسبة .

الحاضرون : جزاك الله خيرًا .

الشيخ : وإياكم .

مواضيع متعلقة