ذكر مثال يبيِّن هذا القيد الكريم وهو فهم الكتاب والسنة على فهم سلف الأمة . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ذكر مثال يبيِّن هذا القيد الكريم وهو فهم الكتاب والسنة على فهم سلف الأمة .
A-
A=
A+
الشيخ : أنا عادةً أضرب مثلًا بسيطًا لتوضيح أهمية هذا القيد الذي استفدناه من الآية السابقة ومن الحديث الأول : ( ما أنا عليه وأصحابي ) ؛ أضرب مثلًا بسيطًا آية في القرآن الكريم من أبين الآيات في بيان المراد الإلهي وهي قوله - تبارك وتعالى - في وصف أهل الجنة في الجنة : (( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ )) ، ماذا كان موقف المعتزلة والخوارج بالنسبة لهذه الآية وهي صريحة في أنَّ من نعم الله - تبارك وتعالى - على المؤمنين في الجنة ، بل هي أكبر نعمة يمتنُّ الله بها على أهل الجنة أنهم يرون ربَّهم يوم القيامة ، فإذا رأوه - تبارك وتعالى - نسوا نعيم الجنة كلها ، ماذا فعل المعتزلة والخوارج تجاه هذه الآية ؛ أنكروها ؟ لا ، ما أنكروها ؛ لأنهم لو أنكروها لَخرجوا من الدين كما تخرج الشعرة من العجين ، لكنهم عطَّلوها ، حرَّفوا دلالتها الصريحة ، (( إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ )) قالوا : إلى نعيم ربِّها ناظرة ، ما فيها شيء !! إلى نعيم ربِّها ناظرة قدَّروا مضافًا محذوفًا كما قلنا نحن آنفًا لبيان كيف ينبغي أن تُفهم اللغة العربية فضلًا عن الكلام الإلهي القائم على اللغة العربية ، جاء الأمير ، جاء الملك ؛ هل يجوز لنا أن نفهم جاء خادم الأمير أو الملك ؟ لا . يا أخي ، بيقول لك : هذا أمر معروف في اللغة العربية ؛ تقدير مضاف محذوف . وهون بحث عند أهل العلم يقولون : تقدير المضاف المحذوف يجوز عند وجود الدليل المقتضي لذلك ، وإلا كانت تعطَّلت اللغة العربية ، أنا أقول : جاء أحمد ، ها هو شو بيفهم ؟ جاء ابنه ، جاء أبو أحمد جاء ابنه ، لِكْ - يا أخي - من أين جبت هالتأويلة هَيْ ؟ ... يعطِّل اللغة العربية ، وهنا هكذا فعل المعتزلة وغيرهم في تفسير نصوص الكتاب والسنة .

نعم ؟

السائل : يفهمون الحقَّ !

الشيخ : يفهمون الحقَّ ، لكن الحق ما وافق أهواءهم ؛ لذلك يقولوا لك في ضرورة للتأويل ، شو الضرورة ؟ ما دخل في عقله ، ومعنى هذا أنهم ما نقول ليسوا مؤمنين مطلقًا ، لكن نقول بكل جرأة أن إيمانهم ناقص وضعيف ؛ لأن الله - عز وجل - يقول في مطلع سورة البقرة : (( الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ )) ؛ من هم ؟ (( الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ )) ، أوَّل صفة المتقين (( الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ )) ، طيب ؛ من الغيب (( إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ )) ما بدها بقى فلسفة ، هنّ بقى يستعملوا العقل البشري مثل القوة البشرية تستطيع أن تُزيل الجبل عن مكانها ؟ لا ، القوة البشرية محدودة ؛ كذلك البصر محدود ، السمع محدود ، كذلك إيش ؟ العقل محدود تمامًا ، كل شيء يعني الإنسان خُلق ضعيفًا ، فهم لما يسمعون الآية : (( إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ )) يكفيهم ، نحن إذا قلنا : (( إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ )) معناه حصرناه في جهة ، حطيناه فوق حطيناه قدَّام إلى آخره ، من هذه الشبهات التي استقوها من ما يشاهدونه حولهم كمخلوقين ، لكن الخالق نسوا أنه وصفَ نفسه بصفتَين اثنتَين ؛ إحداهما إيجابية ، والأخرى سلبية ، الإيجابية صفة قائمة فيه ، السَّلبية تنزيه له - تبارك وتعالى - فقال : (( وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )) .

السائل : (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ )) .

الشيخ : (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )) ، (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ )) تنزيه ، أنُّو أي شيء يخطر في بالك من صفات الله - عز وجل - يختلط عليك الأمر لَيكون مثل صفاتنا ؟! تقول رأسًا : (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ )) ، لكن هل هو عبارة عن معنى قائم في الذِّهن لا حقيقة له ولا وجود له ؟ حاشاه ، يعني نحن الآن نستطيع أن نتصوَّر العنقاء ، العنقاء اسم عربي قديم خيالي ، طير كبير يتحدَّث عنه السندباد البحري في قصة ألف ليلة وليلة وأمثالها أنُّو عبارة عن طير كبير ، البيض تبعه مثل القبَّة ، شايف ؟ وبيحكي قصة فيها طرافة وفيها ظرافة كلها خيال في خيال ، العنقاء اسم بدون جسم ، اسم في الذِّهن معنى قائم في الذِّهن ، لكن في خارج الذهن يعني في الواقع لا حقيقة له ، ربنا - عز وجل - الذي له كل صفات الكمال ومنزَّه عن كل صفات النقصان هل هو هكذا معنى قائم في نفوسنا وليس له حقيقة قائمة خارج هذا الكون ، خارج هذا العقل ؟ الله أكبر من ذلك !! بل هو خلق السماوات والأرض ، فهو له كل صفات الكمال ، فهو ذات موجودة حقيقة ولها كل صفات الكمال . إذ الأمر كذلك ؛ فما هي صفاته - عز وجل - ؟ ليس لنا مجال في العقل أن نصفَه من عندنا ، بل قد كفانا مُؤنة تشغيل عقولنا بأنُّو وصف نفسه لنا في الكتاب وفي السنة ، من جملة هذه الصفات : (( إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ )) أنُّو المؤمنين كما قال أحد فقهاء الشعراء إن نستطيع أن نقول :

" يراه المؤمنون بغير كيفٍ *** وتشبيهٍ وضربٍ من مثالِ "

فرؤية الله - تبارك وتعالى - ثابتة في الآخرة أنكرها المعتزلة ، أنكرها الخوارج ، أَلِعَدم وجود نصوص من الكتاب والسنة ؟ لا ، النصوص موجودة لكنهم حرَّفوها وعطَّلوا معانيها ، فإذًا ما استفادوا شيئًا من إيمانهم بهذه النصوص مع إنكارهم حقائق دلائلها ؛ فإذًا يجب أن نؤمن بالنَّصِّ لفظًا ومعنى ، النَّصُّ محفوظ معصوم ، كيف نعرف المعنى ؟ هنا بيت القصيد كما يُقال ؛ بالرجوع إلى ما كان عليه السلف الصالح ، القرآن يُفسَّر أول شيء بالقرآن ، ثم بالسنة الصحيحة ، ثم بالآثار السلفية ؛ فهل نجد عند السلف الصالح تفسير هذه الآية : (( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ )) أي : إلى نعيم ربِّها ؟ أبدًا ، كلُّ أثر يأتي عن السلف يتفق مع ظاهر الآية أوَّلًا ، ثم مع الأحاديث الصحيحة الصريحة في الدلالة على أنُّو الآية على ظاهرها التي يفهمها كلُّ عربي ، إذا كان لم يُصَبْ بهوًى ، لم يُصَبْ بمذهبية أو حزبية مقيتة .

هناك آية أخرى قالها - تعالى - : (( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ )) جاء تفسير هذه الآية في الحديث الصحيح في مسلم : (( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى )) أي : الجنة . (( وَزِيَادَةٌ)) أي : رؤية الله في الآخرة . فسَّروها بغير شيء رؤية النِّعَم وما شابه ذلك ممَّا سبق ذكره ، هذا اسمه تعطيل !

مواضيع متعلقة